عمران سلمان / Mar 20, 2007

قبل عامين تقريبا وبالتحديد في أوائل أبريل عام 2005، توجه كل من القس أميل حداد والقس غاري آنسديل وهما مؤسسا منظمة "سفراء من أجل السلام" من مقرهما في كاليفورنيا إلى القاهرة للقاء شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، وذلك لعرض وثيقة الحريات الدينية عليه بهدف توقيعها.  

 

شيخ الأزهر اجتمع بالوفد الزائر في مكتبه، ورحب بهما، كما أوعز إلى فوزي الزفزاف رئيس لجنة الحوار بين الأديان في الازهر بالتوقيع عليها.

         

وفعلا جرى التوقيع على الوثيقة من جانب كل من الزفزاف والقسين حداد وأنسديل. وإلى هنا اعتبر الرجلان أن رحلتهما قد تكللت بالنجاح. لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن ليخطر لهما على بال.

 

فبعد مرور عام تقريبا على الزيارة، اي في يوم 4 ابريل عام 2006،  نفى طنطاوى أنه وقع "وثيقة الحقوق الدينية"، وقال إنه لم يسمع ولم يوقع ولايعرف شيئا عن تلك الوثيقة، ووصف الأنباء التي تحدثت عن ذلك بأنها "كذب في كذب وغير صحيحة بالمرة، وأنه لا علم له بذلك مطلقاً وان الذى يحاسب على العقائد هو الله سبحانه وتعالى" .

 

وفي 17 أبريل 2006، نشرت صحيفة "المصريون" خبرا قالت فيه إن لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب قررت بالإجماع إلغاء وثيقة الحقوق الدينية.

  

وقال رئيس اللجنة أحمد عمر هاشم في الاجتماع الذي عقد قبل ذلك بيوم إن هذه الوثيقة غير ملزمة علينا جميعا خاصة وأنها لم تعرض على مجلس الشعب ومجمع البحوث الإسلامية في حين أكد النائب علاء حسنين وكيل اللجنة أن الوثيقة باطلة بالثلاثة خاصة وأنها لم تعرض على البرلمان.

  

وفي 27 أبريل 2006 أكد  د.فوزي الزفزاف في حديث مع صحيفة الميدان المصرية  بأنه وقع بالفعل على الوثيقة بتعليمات مباشرة من شيخ الأزهر وهو يعرف تماما ما في هذه الوثيقة ويقول إن الطنطاوي "استقبل القسيسين في مكتبه بالمشيخة بعد إقناعه منهم، وبعد الموافقة أمرني بالتوقيع فأكرر قسمي بأن شيخ الأزهر يعلم ما فيها ولم أقم بالتوقيع إلا بأمر منه.. ولا أحب أن أدخل في مشاكل لا أعرف مداها ومنتهاها".

 

الأغرب من هذا أنه بعد فترة على هذه الضجة، كان هناك من أعلن أن الوثيقة قد سرقت من مشيخة الأزهر وفقد أثرها، لتظهر صحيفة "المصريون" في 10 مارس 2007 بخبر تقول فيه إن أحد مستشاري البابا بنديكيت السادس عشر التقى طنطاوي وبحث معه جدول أعمال الزيارة المرتقبة لشيخ الأزهر إلى الفاتيكان، وأن من ضمن بنود اللقاء مناقشة وثيقة الحريات الدينية!

 

 وتنقل الصحيفة عن مصدر مطلع بالأزهر قوله بأن شيخ الأزهر على علم كامل بحقيقة هذه الوثيقة ويجري حاليا نقاشًا مع وزير الأوقاف وجهات سيادية لمناقشتها، رغم نفيه منذ شهور ما أثير بشأنها.

 

ومع الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الصحيفة المصرية صادقة في خبرها أم لا، وما إذا كان لقاء البابا وطنطاوي سيبحث فعلا وثيقة الحريات الدينية، فإن العديد من التساؤلات تظل من دون إجابة.

 

أحد هذه التساؤلات هو لماذا تصرف شيخ الأزهر على هذا النحو؟ ولماذ أنكر علمه بالأمر رغم أن اللقاء تم تصويره ونشر في العديد من وسائل الإعلام؟ 

 

أحد ابرز الاحتمالات هو أن يكون تراجع شيخ الأزهر قد تم بايعاز من الحكومة المصرية، حيث هو يعمل موظفا لديها، كيلا يصبح عبئا على الحكومة تستغله الجماعات الإسلامية لا سيما الإخوان المسلمين. فكانت النصيحة هي الإنكار والنفي.

 

أما السؤال الآخر فهو لماذا تصرفت الدولة المصرية بهذه الطريقة المرتبكة والمضحكة مع وثيقة هي أفضل ما صدر من مواقف غربية في هذا المجال، لا سيما أنها تدعو لتأسيس قاعدة صلبة ومتكافئة في العلاقة بين اتباع الأديان المختلفة؟

 

هنا لا توجد إجابة محددة. وإن كان الغالب هو أن الحكومة المصرية، مثل باقي الحكومات العربية، لا تريد عملا جادا لإصلاح العلاقة بين المسلمين وأتباع باقي الديانات، وإنما تريد مؤتمرات ومهرجانات دعائية لإبراء الذمة لا غير.

 

ماذا تقول الوثيقة المكونة من 17 بندا؟

إن أولى البنود فيها تنص على التالي إننا "ندرك بأنّ هناك متطرفين بين أتباع كل دين من الأديان، ونقرّ بأنّ اللجوء إلى العنف لتأكيد وجهة نظر دينية أو لإجبار آخرين على اعتناقها هو أمر مرفوض بتاتاً. وكممثلين عن جميع الأديان في العالم، مشتركين معاً في إنسانية واحدة وبإيماننا الشخصي بخالقنا، نتفق هنا على تقديس حق كل فرد في الإيمان بخالقه.

 

لذلك فإننا نقر بوجوب احترام حقوق جميع الأفراد الممنوحة من قبل الخالق وبأنها غير قابلة للتبديل.

 

كما نؤمن بأن لجميع الأفراد أو الجماعات من مختلف الديانات، الحق في أن يعرضوا بشكل سلمي على الآخرين نظرتهم الخاصة بالأمور اللاهوتية أو الإنسانية أو الحياة الآخرة.

 

وأن لجميع الناس من كل المؤسسات الدينية، الحق في الإعلان عن معتقداتهم وفي مناقشتها في أي مكان عام وبعيداً عن العنف. ونؤمن بحق كل فرد في الإيمان بأي دين يشاء. وأن لكل إنسان، رجلاً كان أو امرأة، حق مقدس، في اعتناق أو رفض اعتناق دين من الأديان دون التعرّض لأذىً من قبل أي جهة دينية أو سياسية". (للاطلاع عل النص الكامل للوثيقة http://www.am4peace.org/NEW_arabic_resolution.htm).

 

كما يتضح فإن وثيقة الحريات الدينية هي ليست أكثر من نص يؤكد على الحرية الدينية، وحق جميع البشر في الاعتقاد وعبادة ما يشاؤون، وهي المبادىء ذاتها التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولم تأت الوثيقة على ذكر أي دين، كما لم تبشر بأي دين. بل ساوت بينها جميعا، رغم أن من أعدها هما شخصان مسيحيان.

 

لكن رفض شيخ الأزهر لها وصمت الحكومة المصرية عنها، والاكتفاء بإطلاق العنان للصحف الموالية للحكومة للتشهير بها ومهاجمتها، فضلا عن نواب الحزب الحاكم ونواب الإخوان في البرلمان، هو مؤشر على أن الدولة المصرية وصلت إلى مرحلة من العجز باتت معه غير قادرة على التعامل بمنطق وعقلانية مع أي قضية تعرض عليها.

 

وقد كانت هذه الوثيقة فرصة لمصر والمصريين كي يبرزوا في العالم بوصفهم من دعاة التسامح والحرية الدينية، لا سيما مع وجود أقلية مسيحية كبيرة نسبيا في البلاد. لكن للاسف، فقد اختطفت جحافل الإخوان المسلمين والوهابية عقل مصر وضميرها، ولم يبق فيها سوى الخرائب والأطلال التي يجلس على تلتها اليوم نظام حسني مبارك.

___________________

* رئيس تحرير موقع آفاق

Omrans80@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط