بسام درويش / Feb 12, 2003

عندما يحاول قزمٌ أن يبصق على وجه عملاق، فإن بصاقه يعود ويسقط على لحيته!

***********

"إنها مجرد خطوة صغيرة لإنسان.. ولكنها وثبةٌ عملاقةٌ لكل الجنس البشري!"

تلك كانت العبارة الأولى التي قالها نيل أرمسترونغ عندما خطا خطوته الأولى على سطح القمر.

أرمسترونغ ورفاقه الذين خطوا معه خطواتهم الأولى في رحلتهم التاريخية تلك، والآخرون الذين كانوا بانتظارهم في المركبة التي كانت تحلق فوق أرض القمر، جميعهم كانوا أبطالاً بكل ما للكلمة من معنى.

كانوا أبطالاً ولا زالوا، ولسوف يبقوا أبطالاً بعين كل إنسانٍ متحضّر. لا بل هم أبطالٌ بعيون الذين لا زالت بينهم وبين الحضارةِ عصور.

 

هم أبطالٌ.. ولكن ما كان لهم أن يكونوا كذلك لولا آخرين ضحوا ومهدوا الطريق لهم إلى المعالي.

كان هناك رفاقٌ لهم دفعوا حياتهم ثمناً للمسيرة نفسها. استشهدوا واستشهد من بعدهم آخرون، ليساهموا جميعاً، لُبْنَةً فوق لُبنةٍ، في بناء مستقبلٍ أفضل للبشرية جمعاء.

من بين هؤلاء كان الأبطال الشهداء الثلاثة الذين احترقت بهم مركبتهم أبوللو الأولى وهم لا زالوا بعد فيها على الأرض.

من بين هؤلاء الأبطال كان رواد المركبة أبوللو 13 الذين واجهوا الموت في الفضاء بعد انفجارِ عبوات الأكسيجين وهم يحلقون في الفضاء، ولكنهم استطاعوا أن ينجوا باستعمال مركبة معدة كقارب للنجاة عادوا بها إلى الأرض سالمين. 

ومن بين هؤلاء الأبطال الشهداء، كان الرواد السبعة الذي انفجرت بهم مركبتهم "تشالنجر" فوراً بعد انطلاقها إلى الفضاء فلقوا حتفهم أمام أعين ملايين البشر الذين كانوا يتابعون انطلاقتهم بإعجاب انقلب إلى حزن مرير.  

وكان آخر هؤلاء الشهداء، رواد المركبة "كولومبيا" التي انفجرت بهم وهم في طريق عودتهم إلى الأرض، وربما لن يكونوا الأخيرين في مواكب الشهداء، لأن السعي إلى مستقبل أفضل للجنس البشري سيبقى محفوفاً بالمخاطر، ولن يتوقف ما بقيت هناك أمم تؤمن بضرورة العمل على تحقيقه.

موت هؤلاء الأبطال كان لغاية عظيمة!

 

حين قدموا أجسادهم فداء على محرقة مستقبل الإنسانية، لم ينسفوا معهم أجساد أبرياء كانوا في طريقهم إلى أعمالهم، في المطاعم، في الملاهي، في المدارس، في الكنائس، أو في المكاتب التجارية. وحين انطلقوا إلى الفضاء، لم يكونوا يفكرون إلا بالأجيال الإنسانية المستقبلة التي ستقطف ثمار رحلاتهم إلى الكواكب والنجوم. لم يكن سعيهم وراء خرافات وحوريات وأبكار. لقد انطلقوا يغزون الفضاء لفائدة البشر، كل البشر، بمن فيهم أعداء الإنسانية من حثالة بني البشر.

**********

موت هؤلاء الأبطال كان بنظر البشر ـ كل البشر ـ شمعة تضيء ظلام المستقبل. وحدهم الذين انحدرت بهم تعاليم الكراهية إلى مرتبةٍ أقل من مرتبةِ بني البشر، نظروا إليهم كمجرمين:

"انفجار المركبة كولومبيا كان عقاباً من الله لأنها كانت تحمل على متنها ثالوثاً شيطانياً مكوّناً من مسيحيين ويهود وهندوس جمع بينهم العداء للإسلام!"

 

هذا ما قاله إمامٌ مسلمٌ لا يستحق أن يُذكَرَ اسمه على صفحة واحدة تضم أسماء هؤلاء الأبطال الخالدين.

قال أيضاً، إنه وإخوانه المسلمين يعتبرون هؤلاء الرواد مجرمين، لأنهم انطلقوا إلى الفضاء لغاية تحسين دقة قنابلهم الموجهة عن طريق الأقمار الصناعية، وكذلك لمساعدة أمريكا على استعباد العالم. 

***********

تُرى ماذا يَرى هؤلاء في كل ما يعانيه عالمهم العربي أو الإسلامي من فقر وأمراض ومجاعات وفساد أخلاقي وجهلٍ وحروب؟.. هل يرون في ذلك نعمة من نعم هذا الإله الذي لا يفتأون يصورونه لنا غاضباً على أهل الغرب، رهيباً مقيتاً، يزلزل الأرض، ويثير الأعاصير ويشعل الحرائق، يهدم البيوت على الأبرياء من أبنائهم كلما أراد أن يعبّر عن غضبه على فساد حكوماتهم أو جماعاتٍ منهم؟!

أليس هو الإله نفسه الذي ابتلاهم بحكام يعيشون كالعلق على دمائهم؟

أليس هو الإله نفسه الذي ابتلاهم بمدّعٍ للنبوة أوهمهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وزرع في عقولهم كل أصناف الخرافات، فانتهى بهم أمةً مُعاقةً عاجزةً تعيش على هامش الأمم، كارهةً ومكروهة‍‍‍!؟ 

 أم أليس هذا الإله بالأحرى، هو وبحد ذاته، الخرافة التي ابتليت بها عقولهم الضعيفة؟..

عجيب أن لا يرى هؤلاء في الإله إلا هذه الصورة الرهيبة البشعة!

عجيب أن لا يروا في هذا "الرحمن الرحيم" إلا البراكين والزلازل والأعاصير والأمراض والكوارث المدمرة! 

عجيب أن لا يروا في جنة هذا الإله إلا مأوىً للمحاربين والقتلة!

***********

آن لهؤلاء أن يروا الإله في صورة أخيهم الإنسان!

آن لهم أن يروا الإله في يد أخيهم الإنسان الممدودة وليس في أذرعهم المرفوعة المتوعّدة!

آن لهم أن يروا الإله الحقيقي، في عقل الإنسان المبدع، يستكشف به الفضاء ويخترع الدواء ويكتب الكلمة التي تنير ظلام العقول!

آن لهم أن يروا الإله في زهور الأرض التي تتفتح كل يوم عن براعم جديدة.

آن لهم أن يروا الإله في عيون وقلوب أطفالهم قبل أن يلوّثوها بتعاليم الكراهية.

وآن لهم أن يبحثوا عن إله آخر غير هذا الله الذي به يؤمنون. فإذا كانوا حقاً يعتقدون بأن "النصر من عند الله"، وبأن هذا الله إلههم، "ينصر من يشاء"، ويخذل من يشاء، فقد آن لهم أن يُدركوا وهم يعانون من ذل الهزائم، الواحدة بعد الأخرى، أن إلههم هذا، إما أن يكون خرافة، أو أن يكون هو الشيطان نفسه الذي لم يستطع أن يقف في وجه الإله الحقيقي المنتصرِ للحق!   

**********

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط