بسام درويش / Aug 09, 2001

توفيت امرأة لهـا من العمر ثلاث وسبعون سنة نتيجة جراح خطيرة بعد أن أطلقت ابنتها النار عليها. 

ويقول النبأ الذي نشرته صحيفة أميركية أن المرأة كانت قد اشتبكت مع ابنتها التي يبلغ عمرها أربعين سنة في نقاش لم تُعرف تفاصيله، مما أدّى إلى غضب الابنة التي استلت مسدساً كان بحوزتها فأطلقت منه النار عليها لتصيب منها مقتلاً .

 

قرأتُ الخبر ثم وضعت الصحيفة جانباً.  فأخبار جرائم القتل والاغتصاب والسرقات والاحتيالات التي تمتلئ بها صفحات الجرائد يومياً لم تعد أمراً جديداً ومثيراً، بل أصبحت أمراً عادياً متوقعاً لدرجة أن دوائر الإحصائيات تقوم بإصدار بيانات عن عدد الجرائم التي يُتوقّع حدوثها في العام القادم أو حتى في الأعوام المقبلة!

 

أصبح حدوث الجرائم أمراً طبيعياً وكأنه من ضرورات الحياة إلى درجة تدفع إلى الاعتقاد بأن اليوم الذي سوف تخلو منه الصحف من أخبار كهذه، لا بدّ ينذر بنهاية العالم ويوم القيامة، وذلك على عكس ما يؤمن به المتديّنون بأن ازدياد عدد الجرائم هو من مؤشرات نهاية الأزمنة.

 

ورغم أن أخباراً كهذه لكثرتها، لم تعد تثير فينا أي انفعال عاطفي، فقد وجدت نفسي أعود إلى الصحيفة لأفتحها وأعيد قراءة الخبر والتأمّل بما جاء فيه.

 

أربعون سنة قبل أن تنشر الصحيفة هذا الخبر، كان هناك امرأة تعاني من آلام المخاض. وما أن وضعت، حتى نسيت آلامها كلها.

أربعون سنة مضت منذ أن نظرت الأمُّ لأول مرة إلى وليدتها بعينين يملأهما الحب والحنان، ثم مدّت ذراعيها لتضمّها إلى صدرها وهي تتلمّس بأطراف أصابعها المرتعشة يدها الصغيرة الناعمة.

أربعون سنة مضت، كبرت بعدها يد الصغيرة لتقوى على حمل مسدسٍ تطلق منه النار على ذلك الصدر الذي توسـّدته والذي كان ينبض بالحنان، فتُخرِس برصاصاتها نبضاته إلى الأبد.

أربعون سنة قبل أن تنشر الصحيفة هذا الخبر، لو عرفت الأم  آنذاك، ساعة ضمّت طفلتها الصغيرة إلى صدرها لأوّل مرّة، أن نهايتها ستكون على تلك اليد الملائكية، لما كان ذلك قد غيّر من حنانها شيئاً!

 

خبر كهذا الذي نشرته الصحيفة، لم يكن الأوّل من نوعه كما لن يكون الأخير. فالأمهات اللواتي يسقطن ضحايا الأبناء أو يطردهنّ الأبناء من بيوتهم أو يرفعون أياديهم لضربهنّ أو يؤذونهنّ بألسنتهم اللئيمة، هنّ أكثر مما تتّسع لأخبارهنّ الكتب أو صفحات الصحف.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط