بسام درويش / Sep 03, 2003

تحدثتِ الأخبار مؤخراً عن فتوى لجنةِ علماء الأزهر والتي نصّت على تحريم التعاملِ مع مجلس الحكم العراقي. وقد جاء في نص هذه الفتوى، "إنَّ مجلس الحكم في العراق فاقدٌ للشرعية الدينية والدنيوية؛ لأنه قام على نقيض مبدأ الشورى، ولأنه فُرِض على العراقيين بقوة الاحتلال ليكون مواليا لأعداء الله".

**********

ربما نجد أفضلَ تفسيرٍ لهذا العدد الهائل من الفتاوى التي يطلع بها علماء المسلمين على مدار الساعة، في قول علي بن أبي طالب عن القرآن بأنّه "حمّالُ أوجه"؛ وكما يصحّ قولُ ابن طالب في القرآن، فإنه لا شكّ يصحّ أيضاً في كلّ كتب الفقه الإسلامية. لذلك، وانطلاقاً من هذا القول نفسه، لا مفرّ من اعتبار فتوى "علماء" الأزهر صادقة من حيث استنادها على وجه من وجوه تعاليم الإسلام التي يُفترضُ بأنها تنص على الشورى كأساسٍ للحكم. أما فيما يتعلق بما جاء فيها عن عدم جواز التعامل مع حكومة موالية لأعداء الله، فهو أمرٌ لا مجال للشك فيه البتة، ولا حاجة للبحث في "وجه من الوجوه" لإثباته.

 

لكن، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ "صدقَ" هذه الفتوى في استنادها على وجه من وجوه الإسلام هو أمرٌ، و"صدق" هؤلاء "العلماء" أنفسهم في إصدارهم للفتوى أمرٌ آخر!

إذا كان علماء الأزهر صادقين حقاً في فتواهم، بتحريم التعامل مع مجلس الحكم العراقي على أساس افتقاره إلى المشروعية الدينية والقانونية، فأين كانوا طوال فترة حكم صدام حسين؟ هل كانوا يعتبرون حكمه شرعياً من الناحية الدينية والقانونية، وهل كان حكمه قائماً على الشورى حقاً؟

لا بل أين كانوا من قبل، كما وأين همُ الآن، من كل الحكومات العربية السابقة والحاضرة دون أي استثناء، بما في ذلك حكومتهم التي تدفع لهم رواتبهم؟ هل الحكم في مصر أو في أي بلد عربي قائم اليوم على الشورى؟ وهل قام حكمٌ في دولة من الدول العربية، في تاريخها القديم أو الحديث، على الشورى؟

أما عن "عدم جواز التعامل" مع حكومة "موالية" "لأعداء الله"، فلربما كان على العلماء أن يتوسّعوا في تفصيل هذا الجزء من الفتوى، ولكن يبدو أنهم فضّلوا الإيجاز حتى لا يقعوا في مطبات التفاصيل التي تكشف نفاقهم.

لا حاجةَ للبحث في معاجم اللغة أو للغوص في متاهات التعاليم الدينية كي نَعْرِف ماذا، أو مَن، يعني "العلماءُ" بقولهم "أعداء الله"، إذ يمكننا في هذه الحالة على الأقل أن نجزم، بأن إسرائيل هي "عدوة الله" وأن الولايات المتحدة ـ القوة المحتلة ـ هي القوة الموالية "لأعداء الله". ومن هذا المنطلق نتساءل، كيف يحرّم العلماء التعامل مع حكومة عيّنها الموالون لأعداء الله، ولا يحرّمون التعامل بشكل مباشر مع أعداء الله أنفسهم أو مع الذين يوالونهم؟

 

هل هناك دولة عربية أو إسلامية لا تتعامل مع أعداء الله أو مواليهم؟ ألا يتعامل العالم العربي والإسلامي كله، بشكل أو بآخر، مع الولايات المتحدة. أليسَ صحيحاً أيضاً أن نصف العالم العربي تقريباً أصبح على علاقة رسمية أو شبه رسمية مع إسرائيل، وأن نصفه الآخر على الطريق إلى ذلك؟

 

لماذا لم يصدر علماء الأزهر حتى اليوم، فتوى يحرمون على المسلمين فيها التعامل مع حكومات مصر والمغرب ودول الخليج التي تتعامل مع إسرائيل أو تقيم علاقات دبلوماسية أو تجارية معها؟ لماذا تعامَوْا طوال هذه السنين كلها عن تركيا، الدولة المسلمة التي كانت السباقة لإنشاء علاقات مع إسرائيل؟ لماذا لا يحرّمون أيضاً التعامل مع كل بلاد العالم التي تتعامل بشكل أو بآخر مع إسرائيل والولايات المتحدة؟ ولماذا يخصّون مجلس الحكم في العراق بهذه الفتوى؟ 

 

هذا الموقف السلبي تجاه الحكم الجديد في العراق، ليس مقصوراً على علماء الأزهر أو غيرهم من أصحاب العمائم الباحثين في "أوجه" التعاليم الإسلامية. هناك أيضاً حكومات عربية لا زالت حتى الآن ترفض الاعتراف بمجلس الحكم العراقي بانتظار وصول "مجالس الشورى" فيها إلى قرارٍ نهائي بخصوص شرعيته!.. نعم، "شرعيته" وليس "شرعيتهم"!!

 

إنه لواضحٌ بأنّ ما يخشاه العلماء المسلمون ومعهم أيضاً بعض الزعماء العرب، هو الرياح الجديدة التي ستهب عليهم من العراق. هذه الرياح ستحمل لهم أكثر من الرشح أو السعال أو مغص الأمعاء. إنها ستقتلع مضاربهم لتقيم محلّها صروحاً ثابتة لجيل الغد الذي لن يقبل لأبنائه أن يعيشوا كما عاش أجدادهم.

عراق الغد، سيكون المنارة التي ستهتدي بها شعوب الشرق الأوسط إلى شاطئ الازدهار والأمن والحرية والكرامة. وقريباً جداً، سيفخر أبناء العراق ولسوف يحق لهم أن يقولوا بأنهم كانوا الجسر بين البارحة والغد.

*********

هناك من يحاول محاربة الغد بالإرهاب، كما يفعل فلول صدام وعملاء الأنظمة المهترئة. وهناك من يحاول محاربته بالنفاق، كما يفعل بعض مدّعي العلم. لكنَّ الغدَ آتٍ شاؤوا أم أبوْا. لربما يصمد البعض إلى حينٍ أمام الرياح، لكن لن يكون بقدرة أحدٍ مهما بلغت قوته، أن يقف في وجه الغد! 

************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط