إبراهيم عرفات / Mar 03, 2012

ثمة كلمات نطلقها ونرددها دون أن ندري انعكاساتها في العقل الباطن لمن يسمعها وتسمعها يومًا تلو يوم. وما يعتمل في نفسية المرأة العربية لهو جوهري جدًا في تفكيري لأني أحبها. إنها بأية حال وحدها من أتت بي إلى الوجود إذ أدوّن هذه السطور، ولولاها لما كنت الآن حاضرًا في حيز الوجود.

أريد أن أقول للمرأة العربية: كلك جميلٌ وليس فيك عيبة. كلك جميل يا أمي ويا كل امرأة وهبتني الحسّ العربي والذي به يخفق قلبي ولا تفرزين نجاسة. لا تفرزين أذى أبدًا.

نعم أختي المسلمة الإنسانة: لا أذى فيما أفرزه جسمك بل كلك جميل يا أختي ولا تفرزين أذى. كلك جميل يا خالتي ويا عمتي ويا صديقتي.... ولا تفرزين أذى إطلاقًا.

كم هو شيء قاتم، أحبائي، أن تشبَّ المرأة العربية على كراهية جسمها وتنظر إليه على أنه عورة ويجب ستره وربما تكفينه وهي لا تزال على قيد الحياة. ينظرون لجسدها على أنه "عورة" وبه "عوار" ويلحق بكيانها "الاعتوار".

وكم هو كئيب أن تشب المرأة على كراهية جسمها وفي ذهنها لا تاء التأنيث بل "تاء الخجل" وربما "تاء العار" وقد تكون "تاء العورة والاعتوار" لمجرد كونها أنثى؛ وفي هذا اغتيال لإنسانيتها ودفنها بالحياة لأنهم قالوا لها إنها كتلة عورات تمشي على قدمين.

إنْ هي مست الرجل وهو على وضوء فهذا ينقض وضوءه. إن هي شعرت بأنوثتها وتجمَّلت وتزينت حتى لنفسها صارت "فتنة" وعليها يلقون باللوم واللائمة وربما اللعنة واعتبروها "حبل الشيطان". على أصغر الأفعال ومن بين كل نساء الأرض تسمع دائما عبارة "عيب يا بنت" و"خلف البنات عار". وإن جاء وقتها في الدورة الشهرية صار ما تفرز لا عارًا وإنما هذه المرأة "أذى" لا لشيء سوى أن الرجل يتأفف من دم المحيض ورائحته ويُطلَب إليه طقسيًا أن يعتزل زوجته في هذا الوقت وإلا لحقت به "النجاسة"!

 

 نعم، إنها في فترة الدورة الشهرية. هذا يعني إن جسمها يستعد لأن "يعطي الحياة". فترة تبويض وبما أنه لم يأتي الأستاذ حيوان منوي للتخصيب تحدث الدورة الشهرية أو ما تسمونه بـ "الحيض". محمد احتار في مسألة الدورة الشهرية (مثلما احتار في أمور كثيرة وأقحم نفسه فيها عنوةً!) وبما أنه لم يكن على أي قدر من التفكير العلمي قادته حيرته لأن يصف هذا الدم على أنه "أذى". يقول القرآن: "ويسألونك عن المحيض، قل: هو أذى". ونحن نتساءل: هذا دم طبيعي جدًا يا ناس وأين الأذى فيه؟ كلنا يعلم أن الحيض ضروري وأساسي لإزالة البويضة الغير ملقحة وملحقاتها  endometrial  التي تزول مع الحيض لأنه لم يتم تلقيح البويضة وذلك يتم بآلية تغيرات هرمونية تؤدي لطرح كل ذلك بالطمث.

 

يا أهل العقول! هذا الدم موجود في المرأة أصلا ويأتيها دوما، ولا يضرها. فكيف إذن يمكن أن يدعي احدهم أنه اذا لامس هذا الدم الرجل فإنه سوف يضره؟ هذا الدم أذى يلحق بالرجل ولا يلحق بصاحبته التي تفرزه؟! كثير من المسلمين والمسلمات يرددون لي كالببغاوات عبارة شهيرة عندما أواجههم بهذه الأية قائلين: "أكمل الآية حتى النهاية". أقول لهم إنه لا يهمني اعتزال الرجل للمرأة من عدمه في هذا الوقت ذلك إنها مسألة تفضيلات شخصية وتختلف من فرد لآخر ولكن ما يهمني هنا بالتحديد هو عبارة "قل هو أذى". وأي كتب طبية تقرأون وتعتمدون كمراجع حتى إنكم تخرجون علينا بمثل هذه الأقوال الصبيانية المضحكة التي تدعي بأن الدم القائم في المرأة هو "أذى". أسخف ما في الأمر أن يقول أحدهم لي إن هذا الدم فاسد. بداخلنا دم "فاسد" ونحن لا ندري!!

 

ودار الحوار التالي بيني وبين إحدى الأخوات المسلمات الكريمات:

 

هي: اللي انت بتقوله ده جهل لما انت مش عارف تتكلم عن تفسير القرآن متتكلمش.

 

أنا: أختي الفاضلة، ما هو واضح لا يحتاج لإبانة أكثر مما هو بين. القرآن قال عن دم طبيعي إنه "أذى". هل نحن بحاجة لأذى لنفوسنا أكثر من هذا؟! 

 القرآن يقول: يسألونك عن المحيض؟ قل: هو أذى. هذه جملة خبرية فيها  "هو" مبتدأ الجملة و"أذى" خبرها. الاثنان مرفوعان وعلامة الرفع الضمة.

 

هي: باين عليك فاهم اوي.

أنا: أنا جاهل وأنت الأستاذة. علميني. كلي آذان صاغية لحضرتك.

 

هي: سورى مش اقصد انك جاهل بس اقصد ان دة مش تفسير للقرآن الكريم. ومش اى حد يقدر يفسر القرآن.

أنا: أستاذتي الكريمة، أختي الفاضلة: ما هو واضح لا يحتاج لتفسير أو حتى تأويل. الجملة واضحة وتتألف من مبتدأ وخبر. الألفاظ واضحة وسهلة وسلسة.

 

هي: القرآن نعمة ربنا اعطاها للمسلين فقط. ونحمد ربنا عليها.

أنا: أختي الفاضلة، عندما تأتي النعمة من عند ربنا ففيها إنعام على الجميع ويستفيد منها الجميع.. ولا يمكن لهذه النعمة الآتية من عند الله أن تقول على إفراز طبيعي خارج من جسدي على أنه "أذى". في هذه الآية، يتحدث عن اعتزال النساء.. في واقع الأمر، النساء بدون طلبي هي نفسها التي تعتزل الرجال ولأن المرأة في هذه الفترة تريد أن تكون وشأنها. لو أنه في الآية طلب اعتزالهن لما تضايقت، وأما أن يقول وعلى وجه الإطلاق أن "المحيض هو أذى" فهذا ما يؤذيني ويزعجني وتتألم منه نفسي.

 

هي: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي [النبي] صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) حتى فرغ من الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.

 

أنا:  وأنا لم أطالب بمجامعتهن أو اقتحام عزلتهن في هذا الوقت. عن هذا لا أتحدث سيدتي الفاضلة وإنما أتحدث عن جملة خبرية من مبتدأ وخبر وتقول إن المحيض أذى. الجملة تحديدًا هي ما أتحدث عنه.

 

هي: التفسير لهذه لكلمة أذى هو فعلا أذى ولكن مش أذى فى نفسه ولكن أذى لغيره.

أنا: هل "أذى" تحمل معنى آخر بخلاف "الأذى"؟ جاري يؤذيني.. هذا أذى. أما الدم نفسه فأي "أذى" فيه؟ أي أذى وأي ضرر؟ دم طبيعي نقول عنه "أذى"؟ ألم تكن هناك كلمة أخف وألطف من كلمة "أذى"؟! هناك إفرازات جسمانية تحدث بشكل طبيعي لا يصح أن نقول عليها "أذى" منها المخاط والعرق والتبول ودم الحيض وغيرها وغيرها. هذه كلها دليل طبيعي على حركة الجسم بشكل طبيعي. الإفرازات الجسدية التي تخرج مني ومنك بشكل طبيعي ليست أذى بالمرة.. إطلاقًأ. لا يهمني موقف الإنسان من الآخر أثناء هذه الفترة ولكن ما يهمني تحديدًا هو الحطّ الآدمي من قدر إنسانة بوصف إفرازاتها البيولوجية على أنها "أذى". كلمة أذى هذه تذكرني بأطباء القرى.. عندما ذهب والدي للطبيب في القرية وشكى من نزيف في أنفه قال له الطبيب الجاهل: إنه دم فاسد. ماذا أريد أن أقول؟ أقول أن مفردات كهذه تدل على انحطاط الوعي الإنساني. أيضا، عندما تكون الإفرازات الجسدية من أي نوع لها رائحة معينة فهذا لا يعني أنها أذى يا أختي الفاضلة. أثناء الإثارة الجنسية تفرز المرأة رائحة معينة وهي دليل نشوتها. فهل هذه الرائحة أذى؟!!!! أي منطق يقول هذا؟ قبول المرأة توصيفات مهينة كهذه سوف ينعكس سلبًا على واقع المرأة العربية وتعيش في واقع يطوقه العار والخجل والتأفف من نفسها وكأنها يجب أن تتوارى عن الأنظار وتكون على الصورة التي يريد الرجل أن يفرضها عليها. نعم، الروائح تتباين ولكن هذه الروائح لا أملك الحق كـ رجل أن أصفها بأنها "أذى" بل هي طبيعية جدًا وما قد يتأفف منه فرد ما لا يعني بالضرورة أن يتأفف منه فرد آخر. أنا لا أريد ربح جولة معك ومن المؤكد أنك تعرفين مقصدي جيدًا. دم الدورة الشهرية ببساطة لا هو أذى ولا هو فاسد.

 

ولمن يقولون أن الجماع مع المرأة أثناء فترة الحيض يضر بالمرأة نقول، كون الجماع أثناء الحيض يضر بالمرأة فهذا لا يعني أن الحيض بحد ذاته أذى كما يزعم القرآن، بل أن الممارسة الجنسية هي الأذى (على افتراض صحة ما جاء به). هنا يريد البعض أن ينتقل ليفسر الأذى على أنه "ألم" بعد أن كان فسره كما هو معروف على أنه "ضرر"! فهل "أذى" تعني حقًا "ألم"؟ انظر إليهم في ليهم أعناق الحقائق لينتصروا لخرافات القرآن ويناقضوا أبسط بدهيات العلم الحديث.

 

معجم المحيط، من بين معاجم عربية أخرى كثيرة، يقول وكما نعرف جميعاً  أن الأذَى هو الضرر والمكروه. من قال إن "هذا يؤذي" تعني "هذا يؤلم"؟!

 

ثم إذا دققنا في الآية نجد بوضوح أن القرآن يستخدم كلمة أذى بمعناها المتداول أي الشيء المؤذي المضر بل والنجس الذي يَمنع من مجامعة المرأة حتى تتطهر منه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ). القرآن يريد حض المسلمين على اعتزال النساء حتى يطهرن طهارة طقسية إسلامية بانقضاء فترة الحيض، ولكن لم يكن هناك من داعٍ ليقول للمرأة أن الدم الذي يسري في عروقها وتفرزه هو "أذى".

في حين أن الحيض ليس بأذى ولا بضرر ولا بمكروه ولا بنجاسة، بل هو اساسي وضروري لإزالة البويضة الغير ملقحة وملحقاتها من أجل تهيئة الرحم من جديد لدورة شهرية جديدة قد يستقبل الرحم فيها حياة طفل جديد. فالحيض مفيد ولا غنى عنه لصحة المرأة ولتهيئة الرحم لدورة جديدة وحياة محتملة جديدة. ودم الحيض هو دم طبيعي وجزء من دورة طمثية شهرية طبيعية ضرورية مفيدة لا يمكن بدونها تلقيح المرأة ولا ولادة أي إنسان.

 

أي أن كلام القرآن الذي يقول بأن الحيض أذى هو كلام خاطئ ومناقض لأبسط أسس الطب ومعارفه.

 

ولمن يتذرّعون بكلام القرآن قائلين أن الأذى يلحق بالرجل إذا مارس الجنس مع المرأة أثناء هذا الوقت فهناك ردان علميان موثقان يثبتان عكس ما يقوله القرآن.

 

هذه أجوبة مترجمة عن موقع صحي بلجيكي فرنسي للدكتورة كاترين سولانو اختصاصية في العلوم والأمراض الجنسية*:

 

1 ـ هل من الممكن ممارسة الجنس خلال فترة الطمث أم يجب تجنبه؟

لا يوجد هناك أي سبب لمنع الممارسة الجنسية خلال فترة الطمث. قد يبدو الأمر فظاً ولا يجب إجبار أحد عليه.

لكن إذا رغب الطرفان بذلك، فلا توجد أية موانع طبية.

 

2 ـ  هل يمكن للمرأة أن تحس بالنشوة خلال الطمث؟

طبعاً، بل بالنسبة لبعضهن، فإن الرغبة الجنسية تزداد بقوة خلال فترة الطمث.

يمكن أن تكون شهوة المرأة في هذه الفترة أكبر من أي وقت، ولكن هذا ليس حال جميع النساء.

 

3- في هذه الحالة، هل الدم مؤذ من الناحية الطبية؟

لا، هو ليس مؤذ بالنسبة لآلية الممارسة الجنسية. بل أن الدم يلعب دوراً مرطباً يمكن أن يكون مفيد جداً لهذه الممارسة.

لكن الدم، في حالة الأمراض الجنسية، يزيد كثيراً من خطر انتقالها. لذلك فمن المهم جداً استخدام الواقي في هذه الحالة.

 

4 ـ هل تحب النساء ممارسة الجنس خلال الطمث؟

الأمر يختلف باختلاف النساء كما يختلف باختلاف الرجال. بعضهن/بعضهم لا يحب ذلك أبداً. وهناك أخريات/ آخرون لا يشكل ذلك أي مشكلة بالنسبة لهن/هم. في حين أنه هناك من تفضل/ يفضل ممارسة الجنس خلال فترة الطمث أكثر من غيرها.

 

وهذا جواب آخر لموقع كندي تشرف عليه 5 أخصائيات في العلاقات والأمراض الجنسية*:

 

سؤال: منذ شهرين قالت لي صديقتي الحميمة بأنها تكون مستثارة جداً وترغب بالممارسة الجنسية معي خلال فترة الطمث.

وأنا أتسائل فيما إذا كانت هناك مخاطر يمكن تجنبها أو احتياطات يجب اتخاذها؟

هل من الممكن استمرارية الممارسة خلال هذه الفترة (الحساسة)؟ اشرحوا لي ما الذي يجب علينا فعله، وشكراً.

 

اقتباس من الجواب:

لا توجد موانع طبية لممارسة الجنس خلال فترة الطمث.

الدراسات تشير إلى أن العديد من النساء يشعرن بازدياد رغبتهم الجنسية خلال هذه الفترة، ويمكن أن يعزى ذلك لتبدلات هرمونية أو إلى ترطيب أكبر للمهبل.

من جهة أخرى، العديد من النساء يشعرن بآلام رحمية. أي أن كل امرأة تبقى مختلفة عن غيرها. إذا كنتم تشعران بأنكما جاهزان لذلك، فافعلوه براحتكم، مع التأكيد على التعبير عن مشاعركم خلاله، وبذلك تعرفان مدى كون التجربة ممتعة لكليكما.

 

إذاً من الناحية الطبية، فإن المشكلة الوحيدة لممارسة الجنس خلال فترة الطمث تخص الأشخاص الذين يمارسونه مع عدة شركاء في نفس الوقت. وهي أن نسبة انتقال الأمراض التناسلية تكون أكبر. هذه المشكلة لا أهمية لها بالنسبة للأشخاص المستقرين في ممارساتهم الجنسية مع طرف واحد كما هو الحال في الحياة الزوجية مثلاً. من ناحية أخرى، فإن النشوة الجنسية خلال فترة الطمث تخفف من أوجاع تقلصات وآلام البطن. عدا عن أنها تساعد في استرخاء بقية عضلات جسم المرأة.

 

الدورة الشهرية مع طمثها، هي أصل حياة الإنسان ولا شيء منفّر أو سيء أو مؤذ فيها. الدم، هو سائل الحياة، وهو نظيف ولا يشكل بحد ذاته أي مشكلة.

 

لقد حان الوقت لإعادة الاعتبار إلى أجساد النساء وطمثهن الذي يعبر عن صحة المرأة وعافيتها وخصوبتها وحيويتها، بعكس المفاهيم الشعبية المرتبطة بالأذى والنفور والأفكار السلبية المتوارثة اجتماعياً ودينياً منذ آلاف السنين!

 

 

وهذا هو حال المرأة في الإسلام؛ فهي وإن تساوت مع الرجل في نَفْسه لأن الله خلقها هي والرجل من نفسٍ واحدة (قرأن 4 : 1) إلا أنها لا تتساوى مع الرجل في جسمه إذ يصور القرآن جسد المرأة والتعاطي معه على أنه "متاع الحياة الدنيا" (قرآن 3 : 14) شأنه في ذلك شأن الذهب والفضة والمواشي وأثاث المنزل وسائر المقتنيات. هذا لا يجعل منها نظيرًا متكافئًا معه بل يعزز النظرة الاستهلاكية والدونية للمرأة. ومن غريب الأمر والمبكي فيه أن المرأة وإنْ كانت "متاع الدنيا" وما يجلب البهجة لنفس الرجل إلا أنه بواسطتها يتنجس الرجل في الإسلام ويجب عليه أن يتطهر منها قبل القيام بصلاته كما هو واضح في العبارة القرآنية "وإنْ لامستم النساء" (قرآن 4 : 43). من هنا تنقلب اللحظات الحميمية بين الرجل والمرأة إلى نظرات ندامة وشعور بالذنب وازدراء لمن بها أتت النجاسة. جسد المرأة ذاته كله عورة ماعدا الوجه والكفين والقدم ويجب تغطيته أو بالأحرى تكفينه بينما عورة الرجل ما بين السرة والركبة. كيف لإنسان ما أن يحترم جسده ويحبه وهو ينظر إليه على أنه عورة، لا هذا فحسب بل تخرج منه الرجاسات والنجاسات من دم وبول ومني وقيح وقيء؟! وأين هذا من إبداعات الفنانين والرسامين في أوروبا ممن نظروا للجسد نظرة انبهار ومن ثم تقدير واحتفاء كما في اللوحات العالمية الشهيرة من أعمال مايكل آنجلو ودافنشي وغيرهم وغيرهم؟! في المسيحية، في المقابل، نجد الله يتجلى ويظهر ظهورًا كاملاً في الجسد الإنساني كما هو الحال في تجسد الله في المسيح. ندخل الكنيسة فنجد صور القديسين وتماثيل للأنبياء وكل هذه توحي بالحياة وأن المسيحي ضمن عائلة اسمها القديسات والقديسين، وهذا بعكس الجمود والقتام اللذين يسيطران على أجواء العبادة الإسلامية في المسجد وفي الحياة الفردية كذلك. إنَّ تجسد الله في المسيح قد أدخل هذا الجسد حيزًا كريمًا رفيعاً ما كان ليتسنى له من قبل لأن الجسد هنا ينتقل من حيز الماديات إلى حيز الإلهيات والماورائيات ويدخل في صميم الأبدية ذاتها. لهذا يعلم المسيحي علم اليقين أن هذا الجسد الذي يعيش به ليس عورةً إطلاقًا بل هو "هيكل الروح القدس" أي أن روح الله تعالى يستقر فيه ويستريح بالسكنى فيه إذ لا تسعه أرضه ولا سماؤه بل جسد بنته المؤمنة وجسد ابنه المؤمن (1 كورنثوس 6 : 19). شتان بين من ينظر لجسده نظرة مهابة وتقدير وإعزاز ومن ينظر لجسده على أنه عورة؛ وبسبب إفرازاته الجسمانية الطبيعية تأتي الرجاسات والنجاسات! في المسيحية، جسد الإنسان كله طاهر وكذلك سائر مخلوقات الله من نباتات وحيوانات وطيور وغيرها لأنه كلها مخلوقات الله وما خلقه الله فهو طاهر من الأساس ولا ينجّسه الإنسان. يقول الإنجيل: ما طهّره الله لا تنجّسه أنت (أعمال 10 : 9 ـ 16). وعلى هذا الأساس جميع الأطعمة طاهرة لا نجاسة فيها لأن كل شيء طاهر من البدء (رومية 14 : 14 ـ 21). قال المسيح إن النجاسة هي نجاسة القلب ولا تكون في المأكل أو المشرب ولكن في ما يصدر عن باطن الإنسان من حقد ومرارة وكراهية وكبرياء وخبث وسائر أسقام الذات هذه (مرقس 7 : 18 ـ 23)؛ ومن ثم كانت جميع الأطعمة في المسيحية حلالاً ويأكلها الإنسان بضمير مستريح قرير العين. في إنجيل متى 5 : 17  قال المسيح لنا: ما تظنوا إني جئت لأنقض الناموس (أي الشريعة الموسوية) ولكني قد أتيت لأكمل وأتمم. المسيح هنا ينشد "التمام" و"الكمال" لا استمرار ما سبق له. طوال هذه السنين والناموس في انتظار "المسيا المنتظر" والذي يأتي ويصلح ويتمم وما هي إلا مسألة وقت إلى أن جاء المسيّا/ المسيح "في ملء الزمان" دون إبطاء. عندما يأتي المسيح المنتظر فهو يبلور في قالب جديد كل ما كانوا قد تعلموه من قبل فيعيد صياغته وقولبته فيكون هذا ما سمعوه من قبل وما قيل من قبل للقدماء وأما الآن فهذا عهد جديد وتلازمه وصايا جديدة بإضافات جديدة قشيبة. ما سبق كان ناقصًا يرتقب الاكتمال و بمثابة ظلال ورموز؛ وفي المسيح ننتقل من الظلال إلى الواقع ذاته فنعاينه بقلوب جديدة لحمية لا حجرية، وذهنية جديدة تنقاد بالروح المُحييّ لا بحرف الشريعة الذي يدين الآثم للموت. هذا هو الفارق بين الرقي المسيحي والانتكاسة الحضارية في الإسلام.

(*)

http://www.e-sante.fr

http://www.unites.uqam.ca

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط