بسام درويش / Jan 09, 2002

أثار إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن مساندتها لإقامة دولة فلسطينية تعليقات كثيرة ومختلفة لدى وسائل الإعلام العربية. وما يهمني من كل تلك التعليقات التي أرغب بدوري بالتعليق عليها هو نزعة العرب إلى التشكيك بمصداقية ونوايا أميركا رغم تهافتهم على عتباتها لطلب العون في حل مشـاكلهم، ليس فقط تلك التي تتعلق بإسرائيل أو غيرها من دول العالم بل أيضاً مشاكلهم مع أخوانهم من العرب أنفسهم.  

*********

نزعة العرب إلى التشكيك في نوايا الغرب ليست أمراً غريباً، لأنها في الحقيقة فطرة أكثر منها نزعة؛ وليس سراً يُقال أن جذور هذه الفطرة تعود إلى التعاليم الدينية التي تشكك في كل ما هو ومن هو خارج عن تعاليم الإسلام. يُضاف إلى ذلك حملات غسل الدماغ التي يتعرّض إليها الإنسان العربي ليلاً نهاراً وهو يستمع إلى إذاعات حكامه ويقرأ مجلاتهم وصحفهم، وكذلك في المدارس التي أصبحت مناهجها خادمة لمصالح الأنظمة.

 

"عدم الثقة" هو أيضاً الطابع المسيطر على العلاقات بين قادة وشعوب الدول العربية أنفسهم. الثقة معدومة بين كل الأنظمة العربية بدون استثناء حتى بين تلك الأنظمة التي يعتقد الناس أنها بسبب تشابهها في طريقة الحكم أو في المصالح لا بدّ وأن تتمتع ببعض الثقة فيما بينها. ليس هناك قائد نظام عربي واحد يمد اليد لمصافحة قائد نظام عربي آخر دون أن تكون يده اليسرى موضوعة على الخنجر. كل واحد يخشى لسان الآخر وغدر الآخر. وهذا الشكل من العلاقـات ليس صفة للوضع في العالم العربي فقط، بل أيضاً لوضع العرب في كل مكان كان لهم فيه تجمع أو ما يُسمى بجالية.

هنا يبرز السؤال التالي: كيف يمكن للعرب وهم يمدون أيديهم لمصافحة العالم والشك نصب أعينهم أن يتوقعوا من العالم أن لا يبادلهم بمنطق الشك نفسه؟

*********

 إن الشك ليس في مصداقية العالم في تعامله مع العرب بل في مصداقية العرب في تعاملهم مع غيرهم من شعوب العالم، وقد بلغ هذا الشـك أعظم مراحله بعد جريمة الحادي عشر من أيلول البشعة. فعوضاً عن أن يقوم العرب قومة واحدة لإزالة آثار الجريمة وللعمل يداً بيد وبإخلاصٍ مع العالم للقضاء على كل أوكـار الإرهـاب، نراهم يظهرون كل ما من شأنه أن يقضي على أي أمل بتغيير نظرة العالم إليهم كشعب لا يؤمَنُ له جانب.

ما تقدمه بعض الأنظمة العربيـة الآن من مسـاعدات في الحملة على الإرهاب، ليس في الحقيقة إلا خوفـاً على مصالحها من هؤلاء الإرهابيين، إضافة إلى خشـيتها من أن تقع تحت طائلة العقاب التي أجمعت دول العالم على ضرورة تطبيقه بحق كل من يساند الإرهاب بشكل أو بآخر. بعبارة أخرى، إنّ ما تقوم به الأنظمة العربية ليس إلا امتصاصاً للغضب العـارم الذي أدّت إليه جريمة الحادي عشر من أيلـول. إنهم يعرفون أين تكمن المشـكلة ولكنهم يتمسكون بوجودها لأن حلّها بنظرهم قد يؤدي إلى زوال الإسلام كدين شيئاً فشيئاً. 

مشكلة العرب تكمن في تصميمهم على ربط الديــن بكل خطوة من خطواتهم في علاقاتهم مع العالم، ودون أن يقلعوا عن الخلط بين الدين والدنيا، لن يزيدوا العالم إلا قناعة بأن الإسلام هو المشكلة. ومع ازدياد هذه القناعة لا بدّ أن تتحوّل الحربُ من حربٍ مع إرهابيين مسلمين كقادة ومنظمات إلى حرب ضد الإسلام كفكر وكمدرسة. هذه الحرب ستكون حرباً ثقافية أتوقّع لهـا أن تتبلور في حملة موجهة للأطفال والأحداث المسلمين، بشكل يساعد على خلق جيل جديد رافض لكل التعاليم البالية، وراغب بمد يدٍ صادقةٍ لكل شعوب العالم.

كلنا نعرف أن العلاقات بين الدول مبنية على المصالح، ســواء كانت اقتصادية أو أمنية أو ثقافية أو غير ذلك؛ ودعم أميركـا لدولة إسرائيل لا يخرج عن هذا النطاق. ولكن إذا تســاءل أحد "لماذا إسرائيل وليس العرب؟.." فالجواب هو أن أميركــا لا تخشى إســرائيل إنما تخشى العرب. ودعونا نقولها بصراحة دون لف ودوران: أميركا ودول العـالم الغربي معها لا يخشـون العرب كأمة إنما الإســلام كدين. فالعالم يمكن أن يتحاور مع العرب ولكنه لا يمكن أن يتحاور مع الإسلام. لذلك، فقد آن للعرب أن يفهموا أنهم ما لم يضعوا الإسـلام جانبـاً ويعملوا على علمنة أنظمتهم كلياً كما فعل الغرب بالمسـيحية، فإنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا الغرب بالتعامل معهم بثقة ودون خوف.

إنه من غير المعقول أن يأمل العرب بالتعامل مع عالَـمٍ تحكمه دسـاتير وقوانين قابلة للمناقشة والتفهّم والتعديل، بينما يريدون من العالم أن يتعامل معهم وهم يلوّحون بدسـتور كُتب منذ ما يزيد عن ألفٍ وأربعمائة سنة لا يقبل النقاش ولا التعديل ولا حتى إعادة التفسير!

الغرب المسيحي فصل المسيحية عن الدولة، ولكن المسيحية بقيت واستمرّت لا بل وازدهرت لأنها تحررت هي الأخرى من حكم رجال الدين. ولربما يبقى الإسلام إذا تم فصله عن الدولـة أو قد لا يبقى، ولكن إذا كان يُخشى على بقائه في حال فصله عن الدولة، فإن هذا لا يعني إلا اعترافاً بضعفه وعدم قابليته للاستمرار والازدهار بدون حماية الدولة.  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط