بسام درويش / Sep 22, 2001

حدثٌ تاريخي جرى في سورية سنة 1965

الصدفة وحدها أدّت إلى حدوثه!

ولولا تلك الصدفة، لكان شعبنا آنذاك، أو ربما لا زال حتى يومنا هذا، يصفق ويهلل لإسرائيلي على أنه بطل قومي أو زعيم وطني.

 

ربما لا يذكر أبناؤنا الذين ولدوا في الستينات أو أواخر الخمسينات شيئاً عن ذلك الحدث، أو ربما أنهم  كبروا دون أن يعرفوا عنه شيئاً. وأين لهم أن يعرفوا عنه، وكتبنا المدرسية في بلادنا لا تتسع صفحاتها إلاّ لقصائد الفخر، وزغاريد الانتصارات حتى تلك الوهمية منها.. وما أكثرها! 

 

في تلك السنة، وعلى التحديد، في الثامن عشر من أيار، غصّت ساحة المرجة في دمشق بالمواطنين الذين تقاطروا من كل حدب وصوب ليشاهدوا عن كثب، عملية إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين. هذا الجاسوس الذي كان على وشك أن يصبح أول مواطن إسرائيلي، يشغل منصباً هاماً وحساساً في نظام حكم عربي، كمنصب وزير إعلام أو وزير دفاع، و"الله وحده" يعلم أي منصب كان سوف يشغل في المستقبل.

 

أتوقف هنا عند عبارة "على وشك أن يصبح.."، لأستعيدها وأقول، إن هذه العبارة لا تفي التاريخ حقه من العدل. فكوهين قد توصل فعلاً إلى إشغال منصب هام في سورية، إذ أصبح عضواً في تركيبة الحزب الحاكم، يشارك في اجتماعاته الخاصة ويؤثر في قراراته التي يتخذها. أما عن كونه من حيث الترتيب، "أول" إسرائيلي يشغل ـ أو يكاد يشغل ـ منصباً كبيراً كمنصب وزير إعلام أو وزير دفاع، فهو قول يستحق التفكير فيه، لأنّ أمر كوهين قد اكتشف بالصدفة فقط قبل أن يتوصّل إلى إشغال منصب مهمّ كهذا. وإذا كانت الصدفة هي التي كشفت أمر كوهين، فإن ذلك لا يعني بأن الصدفة قاعدة دائماً بالمرصاد لخدمة مصالح الأمة العربية وكشف جواسيس إسرائيل.

 

لقد توصل كوهين بحنكته وبدهاء المخابرات الإسرائيلية إلى التغلغل في أوساط الطبقة الحاكمة من مدنيين وعسكريين، وكذلك في أوساط المجتمع السوري أيضاً. كسب كوهين ثقة القيادة العسكرية، إلى درجة أنه كان يزور مرتفعات الجولان برفقة قائد المخابرات العسكرية، مما أتاح له الإطلاع عن كثب على المواقع السرية الأمامية للمدفعية السورية التي كانت تقلق راحة سكان شمال إسرائيل بين الحين والآخر. أما المعلومات التي قدمها هذا الجاسوس للحكومة الإسرائيلية، فقد كانت ذات قيمة لا تقدّر بمال، إذ يُقال بأنها كانت عاملاً عظيماً في انتصار إسرائيل في حرب 1967  وهي الحرب التي أدت إلى احتلالها لهضبة الجولان كلها.

 

ربما يتساءل البعض قائلاً: وماذا هناك في موضوع كوهين من جديد يدفع للحديث عنه بعد أن مر على إعدامه ما يزيد على خمسة وثلاثين سنة؟

الحقيقة ليس هناك من جديد في هذا الموضوع!  فكوهين قد أعدم حقاً، ولا زالت عظامه ترقد في مكان ما في سورية. هذا إن لم تنجح إسرائيل بعدُ في سرقة الجثة أو في الحصول عليها في مفاوضات سرية.

نعم، ليس هناك من جديد في هذه القصة.. إنما هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح، وربما لو أمعن المصفقون المهللون التفكير فيه، لترددوا قبل أن يقدموا على أي تصفيق أو تهليل.

 

السؤال هو: كوهين تم اكتشافه بمحض الصدفة قبل أن يصبح وزير دفاع أو رئيس وزراء أو ربما قائد أمة.. ولكن ماذا عن جواسيس إسرائيل الذين لم تساعد الصدفة بعد على اكتشافهم. ماذا يؤكد لنا أنه ليس هناك الآن إسـرائيلي في جهاز السلطة في سورية، أو بين  المتربعين الآن على كرسي من كراسي الحكم في بلد عربي؟ وعلى أي حالٍ يكون موقف المهللين بعد أن يكتشفوا أنهم قضوا سنوات عمرهم يصفقون لإسرائيلي ويتظاهرون في الشوارع يطالبونه بالقضاء على إسرائيل؟

 

أولئك الذين يقولون باستحالة حدوث أمر كهذا ويرون أن القول به هو مبالغة في تعظيم شأن إسرائيل، هم أنفسهم، لا يتورعون عن ترديد القول، بأن إسرائيل تسعى ولا بد أن تصل بأحد عملائها إلى منصب بابا الكنيسة الكاثوليكية!.. أمرٌ واحد ينساه هؤلاء وهو أن الباباوات في الفاتيكان لا يصلون إلى الحكم على ظهر دبابة أو عن طريق إذاعة بيان أو بيانين مع بضعة مارشات عسكرية على أمواج الأثير، وإذا كان هذا الأمر ممكن الحدوث كما يقولون، فإن وصول عميل إسرائيلي إلى سدة الرئاسة في دولة عربية أمر أسهل وأقرب إلى العقل!

من هم حكامنا اليوم؟.. لسان حال مواطننا يجيب: الله وحده يعلم!

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط