ناصر خالصي / ترجمة موريس صليبا / Apr 28, 2011

دعنا يا أخي ننطلق أولا من الوقائع إذا أردت، كي نوجه تفكيرنا العقلاني.

أنت وُلدتَ مثلي من أب وأم مسلمين، ختناك بعد الولادة، وأرسلاك إلى المدرسة القرآنية. خلال نشأتك عشت في محيط اجتماعي وسياسي إسلامي محض. حاولت دائما ممارسة الأصول الأساسية الخمسة التي يفرضها الإسلام والمقتبسة عن التقاليد اليهودية والمسيحية كما سأبين لك ذلك.

العنصر الأول: "الشهادة"، أليست هي تلك العقيدة التي تؤمن بها اليهودية منذ ابراهيم والتي دافع عنها موسى وباقي الأنبياء ضد عبدة الآلهة والأصنام الأخرى. وكذلك الإيمان المسيحي يثبت هذه العقيدة الأساسية في الإله الواحد المثلث الأقانيم.

العنصر الثاني: الصلاة، أليست هي صلاة طقسية يتلوها المسلم خمس مرّات في النهار ومقتبسة طبق الأصل عن الصلوات الخمس الواردة في كتاب صلوات الرهبان والنسّاك.

العنصر الثالث: الزكاة، أليس هذا تقليد قديم وارد في الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد.

العنصر الرابع: صوم رمضان، أليس هذا امتدادا لصوم الأربعين يوم عند المسيحيين قبل عيد الفصح المجيد أي القيامة.

أما العنصر الخامس، أي الحجّ، أليس هو أيضا اقتداء بتقليد يهودي يفرض زيارة مدينة القدس.

أعرض ذلك أمامك بوضوح كي أبين لك أن كل تقليد يمارس في الإسلام باستثناء عيد مولد محمد، لا مصدر له إلا في التراث اليهودي والمسيحي.

هكذا نستنتج بوضوح كلّي أن الإسلام ليس دينا جديدا، كما نستطيع بسهولة التشكيك بنظرية الله الذي يقال أنه أنزل القرآن مباشرة على محمد بواسطة الملاك جبريل، هذا القرآن الذي يعتبره معظم المسلمين "كلاما موحى" من الله بالذات وبالتالي كتابا غير مخلوق. فمسألة الوحي هي في صميم الديانة الإسلامية. فمن واجبك أن تدرس ذلك وتتعمّق به، لأن الأمر خطير وفي غاية الأهمية.

عندما تقرأ القرآن تلاحظ أن المراجع المأخوذة من الكتاب المقدس كثيرة. يكفي ما يذكره القرآن عن الأنبياء كموسى وإيليا وزكريا، وكذلك الأحبار ابراهيم واسحق ويعقوب وغيرهم. جميع هؤلاء عاشوا ما يقارب ألفي سنة قبل يسوع السيح، أو ثلاثة آلاف سنة قبل ولادة محمد وبروز الإسلام,

أما يسوع المسيح وامه العذراء مريم فكانا معروفين جيّدا قبل الإسلام، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط بكاملها كانت قدعرفت المسيحية قبل أربعة قرون من ذلك. فما أخذه الإسلام عن التقاليد اليهودية بارز للعيان ولا ريب فيه: حظر لحم الخنزير والجمل وارد في التوراة، وكذلك الختان لم يمارس أبدا في التاريخ إلا من قبل اليهود وبعدهم من قبل المسلمين.

أما التقاليد الإسلامية من أصل مسيحي فهي كثيرة أيضا. السيد المسيح هو أكبر نبيّ بعد محمد، كما تكرّم أمّه مريم العذراء التي بعث الله روحه إليها فحلّ في أحشائها. وهذا ما يثبت أن الكتاب المقدس كان معروفا ومستخدما من قبل المسلمين الأولين، وكذلك انتظار عودة المسيح بمجد عظيم هو أيضا تقليد حيّ في الإسلام. وكلّ هذه الأدلّة لا يمكن إلا أن تدعوك إلى التشكيك بما يسمّى "بالوحي القرآني".

 

وهناك أيضا أدلّة أخرى، منها كتابة القرآن التي جرت على مراحل. كما أن هناك إضافات متتالية أثبت ذلك عدد من البحّاثة الذين تعمّقوا بأصول القرآن ومصادره. من بين هذه الإثباتات نجد في كتب القراءات الليتورجية التي كانت مستخدمة من قبل مجموعات يهودية مسيحية منشقة في القرون الأولى بعد الميلاد، تحريفا وتبديلا لاحقا، كان الهدف منها "التأقلم" مع العقيدة الحديثة النشأة. فالتعديلات الكثيرة جاءت لدعم الدفاع عن الدين ولإبراز أهلية كبيرة في كتابة القرآن. غير أن هذه التعديلات أفرزت "تحريفا" أساسيا في صميم النصّ الكتابي، الأمر الذي أبرز تناقضات كثيرة في الآيات.

 

كل هذا دفعني إلى التشكيك بهذا الدين والبحث عن حقيقة يسوع الناصري.

ماذا أعرف عنه، أنا المولود مثلك في أسرة متمسكة دينيا ومحافظة على تقاليد الإسلام؟

ماذا قال لي الآخرون عن يسوع الناصري؟ هل كان نبيا بسيطا مثل باقي الأنبياء الذين سبقوه منذ فجر الخليقة، أم أنه نبيّ عظيم على غرار عظماء الشرق الحكماء، أمثال "مترا" و"زرادشت" وأنبياء الشعب المختار من سلالة ابراهيم؟

ما هو الجامع المشترك بين هذا الناصري وكل الذين سبقوه؟ ما الذي يميّزه بوضوح عن باقي المرسلين؟

هل جاء ليكمّل أم لينقض التقاليد السابقة كي يقيم حوارا بين الله والبشر؟

جلّ ما أعرف عنه أن إسمه "يسوع" يعني حرفيّا "المخلّص". جاء ليخلّص البشرية بكلمة جديدة لا علاقة لها إطلاقا برؤيا العنف المأسوية التي انبثقت عن آلهة الرعب اليونانيين، ولا بنزعات الثأر والغضب المتكررة التي أطلقها "يهوه" الذي لم يتمكن أي إنسان من رؤية وجهه ولا التلفّظ باسمه، هذا الإله الغامض السرّي البعيد غير المدرك الذي يرعب كل من أراد معرفة شيء عنه. هل كان من المحتّم بروز كلمة جديدة بين الله والبشر، تكون أكثر قربا وتودّدا وإنسانية؟

إن حاجة الإنسان لإدراك ما يستحيل مبدئيا إدراكه عبر مفاهيم أنسانية قد يبرّر بنظري الضرورة القصوى في وقت ما إلى وسيط بين الإنسان المائت والألوهية اللامتناهية.

هكذا استنتجت وباندهاش كبير أن تفكيري العقلي يقرّبني أكثر فأكثر من سر يسوع المسيح أكثر من أي تربية إسلامية وتعاليم قرآنية تتحدّث عنه وتشكّل منطلقا غامضا ومظلما يحول دون رؤية حقيقة هذا الإنسان. ويعود سبب هذا الغموض إلى مختلف الآيات الواردة في السور القرآنية التي تتكلّم عن يسوع المسيح وتحوّل الغموض إلى تناقض رهيب ومريب.

لقد تبيّن لي أن القرآن اضطرّ بحكم الضرورة أن يتكلّم بشكل جزئي ومنقوص عن يسوع الناصريّ وذلك بعد مرور سبعة قرون على رسالته الأرضية. فأعطى في نهاية المطاف تفاسير عشوائية لا تصدّق ولا يستطيع أي فكر عقلاني قبولها أو التثبّت من صحتها. ففيما يتعلّق بالأحداث الرئيسية المؤسسة للمسيحية، مثل سرّ التجسّد وسرّ الفداء وسرّ القيامة وسرّ الصعود، فقد أشار إليها القرآن بكثير من المفاهيم الغامضة.

فهذا النقص في الوضوح والإنسجام والأدبيات الإجتماعية في التعاليم الإسلامية دفعني إلى التساؤل أكثر فأكثر عن حقيقة شخص يسوع المسيح. فإذا كان القرآن، كما يدّعون، عبارة مباشرة أنزلت على محمد، فهل يُعقل أن تتضمن هذه البشارة مقاطع غامضة يستحيل فهمها؟ وهل من شأن كلمة الله الحقيقية أن تتضمن نواقص وتناقضات؟

إني أعتبر اليوم هذا البحث عن الحقيقة "السبيل الوحيد الممكن في هذا العالم الأرضي"، وذلك كما وصفه النبيّ الفارسي الحكيم زرادشت. فهذه هي الحقيقة الوحيدة والمطلقة التي تحررنا من العبودية، وتجعلنا كائنات حرّة.

ولكن ماذا يمكن أن تكون رسالة يسوع المسيح دون المحبة والحقيقة. فبهما تجسّد الإنسان الجديد وتخلّى نهائيا عن تقاليد الشعب العبراني. فبمحبته اكتمل العهد القديم، وبه ومعه برز الإنسان الجديد ليكوّن إنسانية جديدة قائمة على تعاليمه السامية. "أحبّوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم." لقد جاء بهذا التعليم الجديد متوّجا ومتجاوزا وصايا العهد القديم، ومحوّلا بالتالي راعي خراف شعب إسرائيل الضّال إلى نبيّ لكل الأمم.

يسوع الناصري حامل الرسالة الجديدة ينحني على فراش النفس البشرية المعذّبة والمنهكة بالإنسانية القديمة، ويقدّم لها بوداعة السامريّ علاج المحبة والحقيقة.

هكذا أكمل هذا الجليليّ عمل الأنبياء الإبراهيميين القدامى، مشرّعا طريقا جديدا نحو "المحبة والحقيقة". إنه طريق يألفه الإنسان الشرقي ولن أتخلّى أبدا عنه. إلى هذا الطريق أدعو كل المسلمين والمسلمات كي يكتشفوا الحقيقة والسلام الأصيل الذي بشّرنا به من قال: "أنا الطريق والحق والحياة".

ناصر خالصي، أستاذ جامعي إيراني

نقل النص إلى العربية موريس صليبا

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط