ألكسندر ستيلّ / ترجمة بسام درويش / Mar 02, 2002

القرآنُ بالنسبة للمسلمين، هو كلام الله الحرفي الذي كلّم به محمداً عن طريق الملاك جبريل. وعن ذلك يعلن القرآن بوضوح تام في بدايته بأن هذا الكلام "لا ريب فيه". لذلك، فإنَّ العلماء والكتّاب في البلاد الإسلامية الذين تجاهلوا هذا التحذير، قد وجدوا أنفسهم أحياناً عرضة للتهديدات بالقتل وأعمال العنف بلغ حداً جعل جامعات العالم كله تشعرُ بالقشعريرة.

لكن، ورغم الشعور بالخوف، فقد تابع عدد من الخبراء بهدوءٍ بُحوثهم عن مصادر القرآن ليطلعَ بعضهم بعد ذلك بنظريات جديدة وجذرية تتعلّق بمعنى نصوصه وكذلك بنشوء الإسلام.

يؤكّد كريستوف لوكسنبرغ، العالم الألماني المختص باللغات السامية القديمة، أن القرآن قد أُسيء فهمه كما أُسيئت ترجمته على مدى قرون من الزمن. ولقد استند في بحثه على نسخ قديمة من القرآن، تُظهر بأن أجزاء من هذا الكتاب الإسلامي المقدّس مأخوذة من نصوص مسيحية آرامية كانت موجودة سابقاً ولكن أسيء فهمها من قبل العلماء المسلمين الذين جاؤوا بعد تلك المرحلة وساهموا في إعداد القرآن المتداول اليوم بين أيدي الناس.

مثالٌ على ذلك، الحوريات العذارى اللواتي يُفترض بأنهنّ سيكنَّ بانتظار الشهداء المسلمين الأبرار كجوائز سماوية لهم، هنّ في الحقيقة "عنبٌ أبيض" شفاف كالبلّور، وليس "حور عين".

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن كريستوف لوكسنبرغ هو اسمٌ مستعار، وموسوعته العلمية "القراءة السريانية الآرامية للقرآن" قد واجهت صعوبات في البحث عن دار نشر لها على الرغم من اعتبارها بحثاً عظيم الأهمية من قبل علماء بارزين في هذا الحقل، ولكن أخيراً، قامت مؤسسة ألمانية بنشر الكتاب. هذا الحذر ليس أمراً مفاجئاً، فكتاب "الآيات الشيطانية" لسلمان رشدي، قد تلقّى "فتوى" لأنه احتوى على ما فُسِّرَ بأنه سخريةٌ بمحمد. الروائي نجيب محفوظ، تلقّى بضع طعنات لأنّ أحدَ كتبِهِ اعتُبِرَ لادينياً. وعندما حاول العالِمُ العربي سليمان بشير أن يبرهن أن الإسلام قد تطوّر كدينٍ بشكل تدريجي وأنه لم يظهر كدين مكتمل من فم النبي مباشرة، تعرّض للأذى بعد أن قام طلابه بدفعه من نافذة من الطابق الثاني لمبنى جامعة نابلس في الضفة الغربية. لا بل حتى أنَّ كثيراً من المسلمين الليبراليين المنفتحين يستشيطون غضباً عندما تتعرّض مصداقية القرآن أو أصالته للمناقشة.

أصداء تلك التهديدات أو الاعتداءات أثّرت حتى على العلماء من غير المسلمين في البلاد الغربية. في هذا الخصوص يقول أحد العلماء في جامعةٍ أمريكية، فضّل أن لا يُذكر اسمُه، "ما بين الرعب من جهةٍ، والالتزام بالأعراف السياسية من جهة أخرى، لم يعد بإمكان أحدٍ أن يتحدّث عن الإسلام إلا بعباراتٍ معسولةٍ وخالية من المعنى"، مشيراً بذلك إلى التهديدات باستعمال العنف إضافةً إلى نفور الأوساط الجامعية الأمريكية من انتقاد المجتمعات الأخرى.

على الرُّغْم من أنّ أعمال تفسير النصوص الدينية في أوروبا لم تكن ذات أهمية أو مؤذية، فإن الدورَ الذي لعبته الدراسات الدقيقة للنصوص اليهودية والمسيحية في تخفيف سيطرة الكنيسة على نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية وعلى تعبيد الطريق أمام تفكير علماني حرّ، لم يكن في الحقيقة دوراً صغيراً. وعن ذلك، يقول العالِمُ الذي فضّل بأن لا يُذكر اسمه، "لقد استفاد المسلمون من هذه الخبرة الأوروبية في وقت لاحق، وعرفوا تماماً أنّهم إن فتحوا المجال للاعتراض على النصوص المقدسة فإنه سيصعب عليهم أن يعرفوا عند أي حدّ سيتوقّف."

إن الحساسية التي يثيرها أي تساؤلٍ حول القرآن ترجع إلى ما قبل تاريخ بروز الإسلام المقاتل بشكله الحديث. ففي سنة 1977 ، كتب جون وانسبرو عضو كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن مُنَوِّهاً بأنّ تعريض القرآن "للتحليل بنفس المعايير والطرق التي يتم بها نقد الكتاب المقدس هو أمرٌ غير معروفٍ البتّة".

يؤكّد السيد وانسبرو أنه من الواضح بأنَّ القرآن مركّبٌ من ألفاظ ونصوص تمّ جمعها على مدى عشرات السنين إن لم تكن مئات السنين. وعلى كل حال، فإن العلماء يتفقون بأنه ليس هناك من دليل على ظهور القرآن حتى سنة 691 أي 59 سنة بعد موت محمد حين تمّ بناء مسجد الصخرة في أورشليم والذي حوى على بعض النقوش القرآنية. هذه النقوش، تختلف إلى حد ما عن نسخة القرآن التي جرى تداولها خلال القرون، مما جعل الباحثين يستنتجون أن القرآن قد استمرّ في تطوّره حتى العقد الأخير من القرن السابع الميلادي. إضافة إلى ذلك، فإن أكثر ما نعرفه عن الإسلام  هو من خلال كتب السيرة وأحاديث النبي، وهي نصوص يرجع تاريخها إلى 130 أو 300 سنة بعد موت محمد.

في سنة 1977 طلع عالمان آخران من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، (وهما باتريشيا كرون، أستاذة التاريخ في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، ومايكل كوك، أستاذ تاريخ الشرق الأدنى في جامعة برنستون) بدراسة جذرية جديدة في كتابٍ لهما بعنوان، "الهاجريّة: وتكوين العالم الإسلامي". وحيث أنه لم يكن هناك من تأريخ متزامنٍ لأحداث القرن الإسلامي الأول، فقد أخذ الباحثان بعين الاعتبار عدداً من الروايات غير الإسلامية التي تحدثت عن محمد، ليس كمؤسس لدين جديد، بل شبيهاُ بدعاة تقاليد العهد القديم التي تنذر بمجيء المسيح. فكثير من الوثائق التي تعود إلى ذلك العهد، تشير إلى أتباع محمد باسم "الهاجريون" و"أبناء إسماعيل"؛ وبعبارة أخرى، فإنها تشير إليهم على أنهم سلالة هاجِر، الفتاةُ الأمَة التي اختارها أبو اليهود إبراهيم لتنجب له ابنه إسماعيل.

يقول الباحثان، كرون وكوك، أن أتباع محمد في مطلع الإسلام ربما كانوا يعتقدون أنهم {باتباعهم لدعوته} سيعودون لأخذ مكانهم في الأرض المقدسة إلى جانب بني أعمامهم اليهود. (ويبدو أن العديد من اليهود قد رحبوا بالعرب كمحررين عند دخولهم إلى أورشليم في سنة 638 )

إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ اليهودية المسيحية كانت دافعاً حيوياً لأتباع محمد الأوائل هي فكرة غير مقبولة لدى الباحثين في هذا المجال، بينما أُعطِيَتْ نظريةُ "الهاجريّة" ثقلاً أكبر من قِبَـلِهم. ويقول فْرِدْ دونر من جامعة شيكاغو ومؤلفُ كتابٍ حديثٍ بعنوان "روايات مصادر الإسلام: بدايات كتابة التاريخ الإسلامي"، معلقاً على أبحاث الكاتبيْن كرون وكوك: "أعتقد أنهما قد ذهبا إلى الأعماق في محاولتهما لإعادة جمع خيوط الأحداث ولكنهما قاما حقاً بطرح أسئلة جيدة."

إن السعي إلى إعادة النظر في تاريخ مطلع الإسلام قد أخذ يكسب زخماً خلال السنوات الأخيرة حيث بدأ المؤرخون بتطبيق مقاييس برهانية عقلانية في معالجتهم لهذا الموضوع. ولقد أعاد كوك وكرون النظر في بعض افتراضاتهما الأولى بينما أكّدا تمسّكهما بأخرى، وعن ذلك قالت الآنسة كرون، "لقد كنا بالتأكيد مخطئين في أمور كثيرة ولكننا نتمسّك بالفكرة الأساسية التي طرحناها وهي أن نشوء التاريخ الإسلامي لم يكن على الشكل الذي نقلته الروايات التقليدية.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط