بسام درويش / Jul 15, 1993

أربعة مفاتيح كهربائية للعلب، ثلاث مزهريات من نوع وشكل واحد، خمس دزينات فناجين قهوة عربية، جلاَّخة سكاكين، أربع ربطات عنق زرقاء، ثلاث صينيات نحاس متشابهة، وعاءان معدنيان للثلج، عصَّارة فواكه، خلاَّط كوكتيل، سجَّادة صلاة! وأشياء أخرى كثيرة، امتلأت بها إحدى الخزانات في بيتي.

 

أنا أهوى جمع الطوابع والكتب والأشياء القديمة. ولكني في الحقيقة لم أفكر يوماً بجمع الطناجر وخفاقات البيض وفناجين القهوة وما شابهها! هذه أشياء أرغمت على جمعها إذ أنني حصلت عليها كلها كهدايا في الأعياد والمناسبات وغير المناسبات.

إنها حقاً هدايا، ولكنها ليست مجانية.

لا شيء في الحقيقة يأتي "بالبلاش"، فلا بدّ لي من رد الهدية بأخرى أكثر قيمة إن لم تكن بالقيمة نفسها، عدا عن الوقت الذي أضيعه هدراً بالذهاب إلى السوق والبحث لساعات طويلة عن هدية أدفع بالإضافة الى ثمنها ثلاثة أو أربعة دولارات أخرى لتغليفها وربطها وإلصاق وردة اصطناعية من الورق عليها، ثم دولاراً أو أكثر ثمناً لبطاقة أكتب عليها كلمات تهنئة كنت على كل الأحوال سأقولها بنفسي وأنا أقوم بزيارتي دون أن تكلفني قرشاً واحداً! وبالعربي الفصيح، خمسة دولارات أخرى للرمي في كيس الزبالة. وهكذا يتضاعف عدد الفناجين والخلاطات في بيت صديقي أو أصدقائي وكذلك في بيتي، ونقع جميعنا في المعضلة نفسها حائرين أمام هذا السؤال: ماذا نفعل بكل هذه الخيرات والنعم؟

 

عرضت على صديق لي حلاً لهذه العادة التي اكتسبناها هنا من الأميريكيين ثم بالَغنا في ممارستها إلى درجة أصبحت مشكلة نعاني منها، قلت له: ما رأيك في أن تهدي إليَّ في عيدي ثلاثين دولاراً داخل مغلف مغلق أحتفظ به الى أن يأتي عيدك فأعيده إليك، أو ربما مع زيادة نسبة بسيطة عليه كل سنة تتمشى مع غلاء المعيشة!

صدقوني، لقد اتفقنا، على عكس ما يقال عن العرب بأنهم يجتمعون ليتفقوا على ألاَّ يتفقوا. اتفقنا على ألاَّ يهديني ولا أهديه، وأزحنا بذلك حملاً ثقيلاً عن كاهلينا، ولم يبقَ أمامي الآن إلا أن أطبِّق الاتفاقية مع أولاد حاتم كلهم، ولعلَّ وعسى أن تكون مقالتي هذه كتاباً مفتوحاً لهم ولكل من يعاني من هذه المشكلة ويبغي لها حلاً.

 

قد يضحك القارئ إن قلت أن أحد معارفي أهداني في عيد الفصح هدية كنت قد قدمتها له قبل عامين بمناسبة عيد الأضحى! أنا لا ألومه، فماذا يفعل بوعاء سلطة من الكريستال إذا كان عنده عشرة منه. ومن منا يسجل على الكمبيوتر ما يهدي وما يقدم إليه من هدايا؟         

قد يقترح البعض أن أقوم بإهداء ما لا حاجة لي به لأناس آخرين، وهكذا أكون قد تخلَّصت مما عندي وحللت القضية. ولكن هل تعتقدون أنني لم أجربها؟ كل واحدٍ منا لا بد وقد جربها. لقد اتصل بي ذات يوم واحد من أولئك الذين أهديتهم مما جاد به علي الآخرون يسألني من أين اشتريت الهدية، وقال لي إنه يتمنى لو يستطيع تبديلها بشيء آخر، إذ أن لديه "أختها بالضبط". قلت له، يا صاحبي صدّقني أنني نسيت. لقد اشتريتها مع أشياء أخرى منذ ستة أشهر!  وماذا يسعني أن أقول له؟  هل أقول له أن يعيدها إلي وأنا أدفع له ثمنها أو أبدلها له؟ هل أقول له: لقد جاءتني هدية من عزيزٍ فأهديتها إليك فإذا لم تعجبك فانقعها واشرب ماءها؟  لم أجد حلاً إلا أن أتابع فأقول له: يا عزيزي، حين يأتي العيد القادم أعدها إليَّ فنكون قد تساوينا، لا لنا ولا علينا!

 

كراهيتي لهدايا العيد لا تعود لبخلٍ بل ترجع لأسباب كثيرة لم أذكر سوى القليل منها. أسوأ ما في هذه العادة هو أن بعضنا لا ينظر بعين الاعتبار لقدرة الطرف الآخر المالية حين يأتي دوره لرد الهدية، إذ أنها مع غيرها من الهدايا التي يجد نفسه مرغماً على ردها، لا بد تصبح عبئاً مادياً ثقيلاً عليه وعلى عائلته.

إذا لم يكن من عادة التهادي مفرٌّ، فلا بد وأن تكون هناك طريقة أخرى ترضي الطرفين وتساعد على حلِّ أكثر الجوانب السلبية التي ترافق الهدية، ابتداء من البحث عنها ودراسة ميزانيتها واختيار لونها وقياسها ومدى حاجة الآخرين إليها وانتهاءً بعناء إعادتها الى مصدرها.  إننا إذا اعتبرنا فكرة وضع صينية مثل صينية الكنيسة في مدخل البيت يرمي فيها الضيوف قيمة هداياهم، أمراً يثير الضحك، أفلا يكون تبادل دعوة الى مطعمٍ ما، أقلَّ إيلاماً للرأس أو مضيعة للوقت أو حتى أقل تكلفة؟  نعم، أقل تكلفة!  فالعشاء الذي يكلف صديقي ستين دولاراً سيكلفني أنا أيضاً المقدار نفسه تقريباً، وليس منا من لا يقصد مطعماً من أجل عشاء فاخر بين فترة وأخرى، فنكون بذلك قد أصبنا ـ كما يقول المثل العامي ـ عصفورين بحجر واحد!  ولكن هناك من يقول أنه قد يكون لأبي ياسر سبعة أولاد، ولأبي مخول ولد واحد!"، وهكذا، فإن "حساب القرايا لن يطابق حساب السرايا"، كما يقول المثل العامي. آنذاك، ربما لا يخالفني الرأي أحدٌ إذا قلتُ بأن أفضل هدية هي: "كل عام وأنتم بخير‍‍‍‍!"

 

أما الآن، وبعيداً عن المزاح نقول، أليست أفضل هدية تُهدى هي كتابٌ أو مجموعة كتب، وما أكثر أصناف الكتب التي تحتاجها كل عائلة وكل فرد. أما إذا كانت تلك العائلة أو ذلك الفرد ممن لا يقرأون أو لا يقدّرون هدية كالكتاب، فاعذروني إن قلتُ بأنّ "عليهم وعلى صحبتهم السلام!"

 

نشرت في جريدة بيروت تايمز العدد 359  يوليو 1993

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط