ماريا قبارة / Apr 15, 2012

"خلصني يا ربّ" (إش20:38(

 

من أبرز ميّزات عصرنا وعي الإنسان لحريته وكرامته، ونجاح مجتمعات عدّة في التخلّص من أشكال العبوديّة التي ما برحت مجتمعات أخرى ترزح تحت وطأتها، وتضحّي بما هو ضروري لعيشها.


لقد بشّر البعض في ما مضى وبشّر غيرهم اليوم بشرعيّة العنف على أساس أنّ يسوع لم يتوانَ في تبشيره عن سلوك يُستدل منه أنّه كان بالفعل ثائراً ومعنفّاً، واعتقاداً منهم أنّه دعا إلى اللجوء إلى الثورة أو حتى إلى العنف للتخلص من الظلم. فهل هذا ما علّمه يسوع بالفعل وعاشه؟ هل كان ثائراً ورافضاً؟ وإذا كان هكذا، فعلى من ثارَ وماذا رفض؟ وأيّة طرق اتخذها لبلوغ هدفه؟


لقد ارتبطت حياة يسوع بتحقيق ملكوت الله على الأرض، وكان أمامه خياران لبلوغ هذه الغاية السامية: إمّا السّلاح في اليد لدحرِ الغرباء المحتلين، وإمّا العمل على تخفيف البؤس والشقاء وإحلال العدالة والحقّ وتضميد الجراح.

 

"أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (لو27:6-28). تشكّل هذه الوصيّة العظيمة بعض ما هو في الحقيقة ثوريّ في رسالة يسوع. لقد أنكرَ يسوع على الإنسان الحقّ في أن يكون ديّاناً للآخر، أو أن يأخذ بالثأر لقضية حتى ولو كانت عادلة، فالحكم الأخير على البشر في مجال الخطيئة والعدالة عائد إلى الخالق وحده؛ الله الآب السماوي. ويندّد يسوع بأولئك الذين يعملون على تحقيق عدالتهم الخاصّة بأنفسهم والذين ينصّبون أنفسهم ديّانين على الآخرين واضعين أنفسهم مكان الله. "أنتَ بلا عذر أيّها الإنسان كلُّ من يدين. لأنّك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك. لأنّك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2 : 1)


 
إنّ الثورة التي دعا إليها يسوع هي محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين، ومباركة اللاعنين ومسامحة المسيئين، والتخلي عن الرداء وإعطاء السائل. لم تكن شريعة العين بالعين والسنّ بالسنّ صالحة في ملكوت يسوع.

ثارَ يسوع أيضاً ضدّ التقاليد التي أبطلت كلمة الله، والتي بها كان فريق من اليهود يخرقون وصيّة الله متعدّين الناموس ومحبّة الله فصاروا "يكرّمون الله بشفاههم وقلبهم بعيد منه" (إش 29 : 13)

 

لقد وطدَّ يسوع علاقته مع الذين كانوا مبغَضين، ومع العشارين والخطأة والمضطَهدين والمنبوذين. لم يكن في وارد يسوع على الإطلاق رفض إنسان أيّاً كان وكيفما كان، فالكلّ مدعو إلى فرح ملكوت الله. وهذه هي الثورة الحقّة التي وضعت حَداً لنبذ إنسان ما لسبب أو لآخر. فقد ردَّ يسوع للبشريّة بهاءها الأول فانتفضَ على كلّ ما يستعبد الإنسان محرراً إيّاه جذرياً من الخطيئة والموت، ودعا إلى ملكوته كلّ البشر الذي شاءَهم أحباء لأبيه السماوي.

 

المسيح المحرّر هو اللقب الأصح مع عمل المسيح الخلاصي. فهو محرّر الضمير من كلّ أشكال العبودية: عبودية الحرف، عبودية الخضوع لإله مجهول أو بعيد، عبودية ظالم، عبودية البؤس والخوف، عبودية الانغلاق على العالم والآخر، وعلى الله.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط