جوزيف بشارة / Apr 25, 2006

مرة أخرى كشف الإرهاب عن وجهه القبيح في مصر بثلاث عمليات بشعة في منتجع دهب بسيناء راح ضحيتها حتى ساعة كتابة هذا المقال 18 بريئاً قابلين للزيادة في ظل وجود نحو 85 مصاباً. جاءت العملية الإرهابية الدنيئة عشية احتفالات مصر بعيد سيناء الذي يذكر برحيل القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية التي كانت احتلتها عام 1967. كأن قدر مصر أن تلملم أشلاء ابنائها وسائحيها في يوم عرسها الوطني. لقد أعلن الإرهابيون من خلال هجماتهم الأخيرة عن مصر كما يريدونها؛ دموية، متخلفة، فقيرة. وأعرب الإرهابيون أيضاً عن نواياهم نحو المصريين وزواهم الأجانب. ولكن ذلك ليس بغريب عن أولئك المخربين، فولاؤهم بالأساس ليس لمصر وإنما للكيان العالمي الإرهابي الذي يجمعهم، فلم تعد مصر بالنسبة لهم إلا مرتعاً ينفذون فيه إرهابهم ومخططاتهم الوقحة. ويستمر العبث بعقول الشباب طالما لم يجد أولئك المتخلفون من يتصدى لهم ويدحض فكرهم من رجال دين معتدلين. وتبقى العمليات الإرهابية متوقعة طالما وجد أولئك المجرمون من يدافع عنهم وعن قضاياهم في وسائل الإعلام ومنابر المساجد.

 

تزامنت الهجمات الإرهابية على دهب مع هجوم مفاجئ شنه شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي على دعاة تجديد الخطاب الديني في مصر. ونقلت صحيفة الأهرام الصادرة اليوم 25 أبريل 2006 عن الدكتور طنطاوي استنكاره لما وصفها بأنها انتقادات حادة موجهة إلي الخطاب الديني وأئمة المساجد‏،‏ واصفاً إياها بأنها "لون من التطاول في عصر كثر فيه المتطاولون‏.‏" ومعرباً عن ألمه‏ لأن "معظم المنتقدين لم يعرف عنهم معرفة الدين الإسلامي حق المعرفة‏"،‏ مشدداً علي أن الخطاب الديني يجب أن يرتكز علي عنصرين أساسيين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‏،‏ بحيث لا يخلو أي خطاب من الاستدلال بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية‏.‏

 

يبدو أن شيخ الأزهر لا يطلع على الخطاب الديني المراد تغييره. ذاك الخطاب الذي يدمر ولا يبني، يفرق ولا يجمع، يقتل الأبرياء بغير رحمة، ولا يحترم حقوق الإنسان، ولا يرحم طفلاً أو مسناً أو مقعداً أو مريضاً. أعلم أن الدكتور طنطاوي يتبنى توجهاً متسامحاً، ولكن توجه شيخ الأزهر لا يمثل كافة التيارات الدينية في مصر التي أصبح معظمها يتسم بالتشدد خاصة مع بروز جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة كتيار قوي بديل للتيار المعتدل. ثم أن المتطرفين لا يقبلون أصلاً بشيخ الأزهر أو توجهه المعتدل؛ فالمتطرفون يعتقدون بأن رجال الدين "الحكوميين" يخالفون تعاليم الإسلام ذاته، وقد عبر أسامة بن لادن نفسه عن ذلك في إحدى رسائله التي بثها بتاريخ 16 فبراير 2003 "وأما علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة وأشباههم فكما قيل: لكل زمن دولة ورجال، فهؤلاء هم من رجال الدولة الذين يحرِّفون الحق ويشهدون بالزور حتى في البلد الحرام. في البيت الحرام، في الشهر الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويزعمون أن الحكام الخائنين ولاة أمر لنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقولون ذلك من أجل تثبيت أركان الدولة، فهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل فيجب هجرهم والتحذير منهم، وإنما تركز الدولة على علمائها وتظهرهم في برامج دينية للفتوى من أجل دقائق معدودة يحتاجهم فيها النظام كل مدة لإضفاء الشرعية عليه وعلى تصرفاته."

 

 أرجو ألا يكرر شيخ الأزهر على مسامعنا بعد أحداث دهب تصنيفه لأولئك الإرهابيين بأنهم خارجون عن الإسلام، هذا الحجة ليست مقنعة، فأحاديث أسامة بن لادن وإيمن الظواهري وكل زعماء الإرهاب والتطرف تمتلئ بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية كما يعلم الدكتور طنطاوي. فسياسة تجاهل الفكر المتطرف التي يتبعها شيخ  الأزهر لن تؤدي إلا إلى المزيد من التطرف الإرهاب والمزيد من الضحايا الأبرياء. إذ بدلاً من الإستبعاد المتبادل بين المعتدلين والمتطرفين من حظيرة الإسلام، كان بالأحرى بشيخ الأزهر أن يقود حملة للتصدي لهم ولأفكارهم تتضمن تطوير نهج الأزهر ومناهجه التعليمية بما يتناسب مع المتطورات الراهنة.

 

القضية التي يواجهها المطالبون بمراجعة الخطاب الديني ليست هي إعتماد الخطاب الديني على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية كما يظن شيخ الأزهر، فاقتباس الخطباء من المراجع الدينية شيء مرغوب ومطلوب لمواجهة الإرهابيين بنفس السلاح الذي يستخدمونه للإيقاع بالشباب المسلم في شباكهم. ولكن تأويل النصوص الدينية حسب الهوى يعد المشكلة الحقيقية التي يجب التصدي لها بحزم وقوة من خلال تجديد الخطاب الديني. فالمتطرفون يرتكبون جرائمهم باسم الله وإرضاءً له، ويستخدمون في ذلك نصوصاً قرآنية وأحاديث نبوية. لذا أعتقد أنه من واجب شيخ الأزهر أن يفند كل حديث يدلي به أسامة بن لادن أيمن الظواهري وغيرهما من زعماء الإرهاب حتى يكشف للمسلمين عورة الإرهاب وكذب زعيم القاعدة خاصة حين يستخدم تلك النصوص التي تحض على ترويع وقتل الآمنين.  لقد كان من الأفضل أن يعترف الشيخ طنطاوي بالحاجة الماسة إلي تطوير شامل للخطاب الديني وذلك لمواجهة الخطاب الديني المتطرف الذي يدفع ثمنه الأبرياء من المواطنين المصريين وضيوفهم الأجانب كما حدث بالأمس في منتجع دهب المصري.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط