بسام درويش / Sep 01, 1993

العهدة العمرية

نصارى أهل الشام وعمر بن الخطاب

 

رغم مشـاعر العداء التي يكنها الإسـلام تجاه الذين لا يؤمنون به ديناً وخصوصاً من المسيحيين واليهود. ورغم ما يزخر به تاريخ الإسلام منذ مطلع عهده من اعتداءات وغزو وممارسات إبادة تحت شعار الفتوحات العربية أو الإسلامية. ورغم الدعوات التي يطلقها مسلمون هنا وهناك في العالم الإسلامي إلى معاداة غير المسلمين وإلى على عدم التساهل معهم. ورغم كل الدلائل التي تؤكد بوضوح عدم قابلية الإسلام للتعايش مع الشعوب التي لا تدين به. فإنه لا زال هناك من يحاول إنكار هذا الواقع، سواء في حاضره أو في ماضيه ويحاول بكل الوسائل إثبات عكسه. وما يثير السخرية حقاً، هو أن يلجأ البعض لإثبات هذا العكس إلى الاستشهاد بأحداث معينة من التاريخ بعرضها مبتورة غير كاملة. أما ما هو أسوأ من ذلك، فهو أن ينطلي التزوير والكذب على كثيرين ممن عانوا من ظلم تلك الأحداث فيأخذون هم أنفسهم بتكرارها دون العودة إلى مصدرها والتأكد من صحتها أو من كذبها، وبذلك يصبحون وهم المظلومون عوناً للظالم من حيث لا يدرون!

من تلك الوقائع التاريخية ما يُسمّى بالعهدة العمرية التي لا يفتأ مسلمون ومسيحيون يتخذون من عنوانها ومن بعض ما جاء فيها مثلاً على تسامح الغزاة المسلمين مع المسيحيين، وهم لو اطلعوا على تفاصيلها، لوجدوها تخلو من العدل والتسامح خلواً تاماً، لا بل لوجدوا فيها من الظلم والقهر ما لا زال المسيحيون يعانون منه إلى يومنا هذا.

يقول المروّجون لهذه الدعاية أن عمر بن الخطاب حين "فتح" القدس والشام قد ضمن للمسيحيين من السكان الحقَّ بممارسة ديانتهم والإبقاء على كنائسهم إضافة إلى ما أعطاه لهم من الأمان على نفوسهم وممتلكاتهم. وفي النص التالي الذي اقتطفناه دون تغيير من أحد الكتب التاريخية الإسلامية، نتعرف على ماهية تلك الحقوق التي كفلها عمر بن الخطاب للمسيحيين وأيضاً ما توجب على المسيحيين أن يدفعوه من ثمن باهظ لقاء ذلك التعهد.

 

(بعض ما جاء في كتاب سراج الملوك لمحمد بن الوليد الطرطوشي)

في أحكام أهل الذمة

 

روى عبد الرحمن بن غنم، قال:

"كُتِبَ لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدايننا ولا حولها ديراً ولا كنيسة ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا ما كان فيها في خطط المسلمين في ليل أو نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاث ليال. ولا نأوي في كنايسنا ولا منازلنا جاسوساً ولا نكتم غشاً للمسلمين. ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحداً ولا نمنع أحداً من ذوي قرابتنا الدخول في دين الإسلام إن أراد. وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس. ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين. ولا نتكنى بكناهم ولا نركب بالسروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا، ولا ننقش على خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقادم رؤوسنا ونلزم زينا حيث ما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر صلباننا وكتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنايسنا إلا ضرباً خفيفاً ولا نرفع أصواتنا في كنايسنا في شيء من حضرة المسلمين ولا نخرج شعانينا ولا باعوثنا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران في شيء من طرق المسلمين ولا أسـواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا نطلع على منازلهم."

فلما أتيتُ عمر بالكتاب زاد فيه: "ولا نضرب أحداً من المسلمين شرطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطنا لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق."

فكتب إليه عمر: امضِ ما سألوه والحق به حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوه على أنفسهم: "ولا يشتروا شيئاً من سبايا المسلمين، ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده."

 

وروى نافع عن سالم مولى عمر بن الخطاب أن عمراً كتب إلى أهل الشام "أن تقطع ركابهم (ركاب السرج موضع رجل الراكب) وأن يركبوا على الأكف (جمع أكاف وهي البرذعة) وأن يركبوا في شق وأن يلبسوا خلاف زي المسلمين ليُعْرفوا."

وروي أن بني تغلب دخلوا على عمر بن عبد العزيز فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّا قوم من العرب افرض لنا، قال: نصارى؟ قالوا: نصارى، قال: ادعوا لي حجّاماً ففعلوا فجزّ نواصيهم وشق من أرديتهم حزماً يحتزمونها وأمرهم أن لا يركبوا السرج ويركبوا الأكف من شق واحد.

وروي أن "أمير المؤمنين" جعفر المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم (لم يستخدمهم)، وأذلهم وأقصاهم وخالف زيّهم وزي المسلمين وجعل على أثوابهم مثالاً للشياطين لأنهم أهل ذلك، وقرّب منه أهل الحق وباعد عنه أهل الباطل والأهواء، فأحيى الله به الحق وأمات به الباطل فهو يُذكر بذلك ويُتَرحَّم عليه ما دامت الدنيا.

وكان عمر بن الخطاب يقول: لا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم أهل رشا في دينهم ولا تحل الرشا. ولما استقدم عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري من البصرة وكان عاملاً للحساب، دخل على عمر وهو في المسجد واستأذن لكاتبه وكان نصرانياً، فقال له عمر: قاتلك الله، وضرب بيده على فخذه، ولَّيتَ ذمياً على المسلمين أما سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود النصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاهم منكم فإنه منهم)، ألا اتخذت حنيفاً، فقال: يا أمير المؤمنين لي في كتابته وله دينه، فقال: لا أُكرِمُهم إذ أهانَهم الله ولا أُعِزِّهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله.

وكتب بعض العمال إلى عمر بن الخطاب، إن العدو قد كثر وإن الجزية قد كثرت، فنستعين بالأعاجم، فكتب إليه عمر: إنهم أعداء الله وإنهم لنا غشيشة فأنزلوهم حيث أنزلهم الله ولا تردوا إليهم شيئاً.

******

.. ومتى نقض الذمي العهد  بمخالفته لشيء من الشروط المأخوذة عليه ولم يرد إلى مأمنه، فالإمام فيه بالخيار بين القتل والاسترقاق.

قال العلماء، وقال أصحاب الشافعي: يلزمهم أن يتميزوا عن المسلمين في اللباس فإن لبسوا قلانس ميزوها عن قلانس المسلمين بالخرق ويشدون الزنانير في أوساطهم ويكون في رقابهم خاتم رصاص أو نحاس أو جرس يدخل معهم الحمام وليس لهم أن يلبسوا العمايم والطيلسان. وأما المرأة فتشد الزنـار تحت إزار، وقيل فوق الإزار، وهو الأوْلى، ويكون في عنقها خاتم يدخل معها الحمام، ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض، ولا يركبون الخيل ويركبون البغال والحمير بالأكف عرضاً ولا يركبـون بالسروج، ولا يصدرون في المجالس ولا يُبدون بالسـلام، ويُلْجؤن إلى ضيق الطريق، ويمنعون أن يعلوا على المسلمين في البنـاء وتجوز المساواة وقيل لا تجوز بل يمنعون وإن تملَّكوا داراً عالية أُقروا عليها، ويمنعون من إظهار المنكر والخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل ويمنعون من المقام في الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة.

ويجعل الإمام على طائفة منهم رجلاً يكتب أسماءهم وحلاهم ويستوفي ما يُؤخذون به من جميع الشرائط ، وإن امتنعوا عن أداء الجزية والتزام أحكام الملة انتقض عهدهم. وإن زنى أحدهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو أوى عيناً للكفار ودل على عورة المسلمين أو فتن مسلماً عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق وإن ذكر الله ورسوله بما لا يجوز، قيل ينتقض.

.. فأما الكنائس، فأمر عمر بن الخطاب أن تهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام ومنع أن تحدث كنيسة، وأمر أن لا يظهر الصليب خارج من كنيسة إلا كُسرَ على رأس صاحبه. وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يترك في دار الإسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة وهكذا قال الحسن البصري قال: من السنَّة أن تُهْدَمَ الكنايس التي في الأمصار القديمة والحديثة ويمنع أهل الذمة من بناء ما خرب. قال الاصطخري: إن طيّنوا ظاهر الحايط مُنعوا وإن طينوا داخله الذي يليهم لم يُمنعوا، ويُمنعون أن يعلوا على المسلمين في البناء وتجوز المساواة وقيل: لا تجوز.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط