بسام درويش / Oct 08, 2004

عندما نتحدث عن أوضاع المسيحيين في البلاد العربية والمحمدية، فإننا لا ندافع عنهم بصفتهم مسيحيين، إنما كأقلية إنسانية مظلومة في ظل أغلبية تدين بتعاليم الكراهية والعدوان. وهكذا، فلأن منطلق دفاعنا عن هذه الأقلية ليس هو الدين الذي تتبعه، فإنّ دفاعنا يجب أن يُنظَرَ إليه بكل تأكيد كدفاعٍ عن كل الأقليات التي تعيش أوضاعاً سيئة في ظل الأكثرية الظالمة.

 

من جهة أخرى، وعلى العكس من ذلك تماماً، حين نتحدث عن الأكثرية الظالمة ـ ولنسمّها باسمها ـ السنية والشيعية، فإننا لا نقصد الناس أتباع هذيْنِ المذهبين بقدر ما نقصد الإيدولوجية التي تتحكم بعقول هؤلاء الأتباع محوّلة الكثيرين منهم إلى وحوش بشرية.  وحوش بلغت بهم وحشيتهم حد قطع الرؤوس أمام الكاميرات ورميها في الشوارع، واختطاف الطائرات وتفجيرها، وقتل آلاف الأبرياء في المباني التجارية، وحرق المدارس والمستشفيات والمعابد الدينية، واستحلال أملاك الناس، وإرهاب المفكرين.. وكل ذلك في سبيل ما تعدهم به هذه الأيدولوجية الرهيبة من خرافات في عالم آخر أعظم خرافةً.

 

وعلى الرغم من أن الأقلية المسيحية لا تختلف كثيراً ـ إلى حد ما ـ عن الأقليات الأخرى في ما لحقها من ظلم الأكثرية، فإنه لا بدّ من الإقرار بأن هذه الأقلية المسيحية قد عانت أيضاً من ظلم تلك الأقليات، فكانت بذلك ـ والحق يقال ـ من أكثر الأقليات تعرضاً للظلم.  مع كل ذلك، ربما يمكن القول بأن ظلم الأقليات الأخرى للمسيحيين كان نتيجة عدوى الظلم التي تصيب المظلوم فتدفعه إلى ظلمِ مظلومٍ آخر أضعف منه. إضافة إلى ذلك، لا بدّ ولوجه العدل أيضاً من الأخذ بعين الاعتبار، المناخات السائدة والعوامل المؤثرة إبّان الكثير من الأحداث المؤلمة التي خبرتها العلاقات بين هذه الأقليات كلها.  لذلك، ليس غريباً أن تتسم العلاقات بين هذه الأقليات بالصفاء حين تكون خارج دائرة المؤثرات المناخية، بينما تبقى العلاقات بين الأقليات والأكثرية ـ وعلى الأخص الأكثرية السنية ـ  حتى خارج دائرة المؤثرات، يشوبها الحذر والشك والخوف. وبعبارة أخرى، يمكن القول إنّ النزاعات بين الأقليات كانت غالباً نزاعات مؤقتة لأن أسبابها كانت مؤقتة، بينما كان اضطهاد الأكثرية ـ السنية بالذات ـ لهذه الأقليات، مدفوعاً بأيدولوجية سيطرية لا تقبل بشيء أقل من الهيمنة الكاملة حتى ولو اقتضى الأمر إبادة من يقف في وجه الوصول إلى هذه الغاية إبادة تامة.

***********

ظُلمُ هذه الأكثرية، دفع أتباع الأقليات في الماضي، إلى الهروب إلى أماكنَ بعيدةٍ عن مواطن الخطر حيث أسسوا معاقلهم التي لا تزال تحمل حتى اليوم أسماء طوائفهم، مثل جبل الدروز وجبال العلويين ووادي النصارى وغيرها. وكنتيجة لمجاورة هذه الأقليات بعضها للبعض الآخر، كان من الطبيعي أن تنشأ فيما بينها نزاعات متعددة الأسباب، منها ما كان على أراضِ، ومنها ما كان قبلياً أو عائلياً، ومنها ما كان شخصياً تطور فيما بعد إلى قبلي أو طائفي؛ لكنْ، رغم ذلك، فإن التجاور قد استمرّ يمليه شعور مشترك بأن هناك خطراً أعظم من كل أسباب النزاعات أو الخلافات. هذا التجاور، أدّى من ناحية أخرى، إلى علاقات مميزة بين الأقليات حيث كان المسيحي يجد ملجأ لدى الدروز أو العلويين ـ أو العكس من ذلك ـ حتى ولو كان هارباً من العدالة؛ لا بل أدّى هذا التجاور إلى تمازجٍ بين عاداتِ وتقاليدِ هذه الأقليات وصل حدّ احتفال بعضها بأعياد دينية خاصة بالبعض الآخر لتصبح هذه الأعياد مع مرور الزمن جزءا من تراثها!

 

هذه العلاقات المتميزة انتقلت مع أبناء هذه الطوائف حتى إلى المهجر، لذلك ليس غريباً أن يرتبط المسيحي والعلوي والاسماعيلي والدرزي وغيرهم من أبناء الأقليات، بعلاقات أمتن من أية علاقة لأي منهم مع المحمديين، وخصوصاً السنّة. مع كل ذلك، وللأسف الشديد، فإنه ليبدو واضحاً أن هذه الأقليات، رغم إدراكها للخطر العظيم الذي يواجهها كلها، لم تفكّر حتى اليوم بالاستفادة من خبرات الماضي المؤلم الزاخر بالنكبات. فهذا الواقع الذي لا مجال للشك فيه أبداً ـ واقعُ وجودِ عدوٍّ واحد يجب أن يُنظَرَ إليه كقاسمٍ مشتركٍ في كفاح هذه الأقليات من أجل البقاء ـ لم يبلغ، وللأسف الشديد، حدّ توحيد قواها، للوقوف في وجه مشاريع وطموحات هذه الأكثرية ذات التاريخ الحافل بالظلم بالعدوان. إن الشعور بالأمان الذي ننعم به هنا بعيداً عن الشرق الأوسط لا يجب أن ينسينا أنه لا زال لنا أخوة هناك، وأنّ العدوّ لم ولن يتوقّف عن العمل إلى أن تكون له الهيمنة الكاملة حتى ولو تطلب الوصول إليها محو آثار كل الأقليات من الوجود.

************

تضامن هذه الأقليات المحسوبة على "الإسلام" مع المسيحيين، ووقوفها كلها في جبهة واحدة، سيظهر للعالم صورتها الحقيقية وهي كونها لا علاقة لها بالإرهاب. سيعيد لها صورتها التي سرقتها وشوهتها الأكثرية المحمدية إلى درجة أصبح العالم ينظر إلى كل شرق أوسطي كإرهابي يجب الحذر منه. حتى المسيحي أصبح يحتاج إلى وضع لصاقة على صدره تقول، "أنا مسيحي.. أنا لست إرهابياً.. لا تخلطوا بيني وبين المحمديين.." فكيف إذن بالدرزي أو الاسماعيلي أو العلوي أو البهائي أو غيرهم؟..

لقد آن الآوان لهذه الأقليات أن تدرك أن مصيرها هو مصير مشترك، وأنها كلها تجابه عدواً مجنوناً واحداً رهيباً لن يقبل بشيء حتى "يكون الدين كله لله".. أو بعبارة أخرى، "حتى يقع العالم كله تحت أقدام هذه الفئة المجنونة.

*************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط