هشام محمد / Jun 23, 2008

بعث لي أحد الأصدقاء برسالة نصية قصيرة على هاتفي الجوال، كان نصها كالتالي: "تبي (أتريد) تضحك؟...اقرأ الردود في موقع العربية حول موضوع يوسف شاهين".  الموضوع باختصار يتناول قيام الفنانة المصرية النصف معتزلة "حنان ترك" بتلاوة القرآن على المخرج العالمي العبقري "يوسف شاهين" والذي أصيب مؤخراً بجلطة دماغية نقل على أثرها إلى باريس للعلاج.  حنان ترك، ذات التعابير الطفولية السمراء والعينين المبللتين بضوء لافت، والتي وجدت في حجابها حجاباً من النار، وتفسيراً منطقياً للرسائل السماوية الغامضة التي كانت تهبط عليها من وقت لآخر، كأنما أرادت أن تعبر عن شكرها لأفضال هذا المخرج اللامع عليها وبطريقتها الخاصة. ومن يدري فربما كانت كلمات الله المكسوة بقطعة الشوكولاته التركية (نسبة إلى ترك) دوراً في أن تشرق شمس الإسلام في قلب صاحب السعفة الذهبية، ويتبرأ مما اقترفت يداه طيلة كل هذه السنين، قبل أن يستل ملك الموت روحه من غمد جسده المتعب من تراكمات العمر. 

المهم، عبرتُ السطور بخفة وبسرعة كي أطالع ردود القراء العجائبية.  ردود وأصداء لو اجتمعت معاً لصنعت سحابة سوداء مثقلة بمطر أسود من الكراهية والحقد.  هناك من كانت كلماته ترقص على آلام شاهين، وتشرب نخب النصر والانتقام الإلهي على جسد الرجل الثمانييني.  لماذا؟ لأنّ أفلام يوسف (هم يقولون) ترشح بحقد على الإسلام والمسلمين(!)  أليس هؤلاء هم أحفاد الخليفة الموحدي المتحجر "أبي يوسف يعقوب المنصور" وفقهاء المالكية ضيقي الأفق في فيلم "المصير" الذين أحرقوا كتب الفيلسوف المستنير "ابن رشد"؟  هناك من أرعد وأزبد، وحوقل واستغفر،  إذ كيف لواحدة من "القوارير" القابلات للكسر أن تزاحم الرجال في تلاوة القرآن دون أن تتفتح أزهار الشهوة المتوحشة!  وهناك من عاب على الفنانة المتوجة بحجاب العفة والحشمة أن تسقط القرآن من عليائه و"تدنس" قدسيتة مع رجل ليس بمسلم، وإنما مسيحي، كانت أفلامه تنز كراهية صريحة للإسلام والمسلمين!  بعد أن تقيأ هؤلاء بما حوته صدورهم من غل وحقد، وبما حشيت به رؤوسهم من نفايات السلفية ومفخخات الأصولية الدينية، كتب أحدهم: شكراً للفنانة حنان... لقد برهنتِ على سماحة الإسلام! (وعلامة التعجب من عندي).  يالها بالفعل من سماحة لو وزعناها على شعوب الأرض كلها لفاض منها، ودع عنك تلك الرؤوس التي تتطاير والرقاب التي تجزها سيوف أبناء الأمة الشجعان هنا وهناك.

قال لي مرة صديقي هذا أن مثل تلك التفاهات لا يسطرها إلا سعوديون.  قلت له ربما تكون محقاً، فردود أكثرية السعوديين للأسف غالباً ما تحركها وساوس دينية متشنجة، وتؤطرها نزعات طائفية متصلبة، وتحكمها رؤية وهابية متأزمة.  الكثير منهم لا يترك أي جحر فضائي إلا و يرفع فيه رايات "الجهاد الإلكتروني" ربما بدوافع فردية يمليها عليه واجبه الديني – كما يتخيل – أو ربما بتوجيه وتنسيق مشترك من شيوخه ومسيريه حتى لا يتركوا فرصة لمن يسموهم أصحاب التوجهات الإلحادية، والعلمانية، والتكفيرية، والقائمة تمتد بطول المسافة من القصيم في السعودية إلى بيشاور في الباكستان. 

 لكن انظر إلى البقية من غير السعوديين: هل تجد من اختلاف؟ أشك في ذلك.  إنه يا صديقي طاعون الأصولية الذي اجتاح الجميع من الماء إلى الماء.  إنه وباء السلفية والنكوص الديني الذي انتزع من قلوبهم ورود التسامح والمحبة  وزرع مكانها الشوك والحجارة، واستبدل قناديل الفكر في عقولهم بغبار الموتى ورماد السلف الصالح.  انظر إلى مشاركات السواد الأعظم من المصريين.  ألا تتساءل هنا: هل من المعقول أن تذهب جهودات رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، وعلي عبدالرازق، وطه حسين، وقاسم أمين، وغيرهم من عمالقة الفكر أدراج الرياح؟  لا أملك إلا أن أقول ياخسارة وألف خسارة.  وانظر إلى باقي الأخوة الأشقاء من الكويتيين، والفلسطينيين، والأردنيين، والمغاربة.  هل أقصد الجميع؟  بالطبع لا، لكن الأكثرية ذات الصوت الأعلى هي من تمارس الكراهية وتحترف الجهل. 

ماالضير في حرية التعبير عن الرأي؟ إطلاقاً، ليست بمشكلة.  المشكلة هي أن يحجر على صوتك وأن تخنق كلماتك، لكن ما يقلق أن من يكتب مستثمراً رحابة الفضاء وثمرات الحداثة التي زرعها "الكفار" هو في الأصل كاره وحاقد على حرية التدين، وحرية التعبير، وحرية التفكير.  وعلى ما يبدو فإن مواقع الإنترنت – موقع العربية مثالاً – تعرف كيف  توظف أزمة الفكر وأزمة الضمير عند العربي / المسلم  لضمان أكبر عدد من الزيارات بدلاً من أن تسهم في تثقيف القاريء وتوعيته وتبصيره بحقيقة واقعه.  جرب يوماً ولن تخسر شيئاً أن تزور هذا الموقع لترى كيف ينتخب القائمون عليه موضوعات تنكش الجراح المذهبية المفتوحة، وتدغدغ الاحتقانات الجنسية المكبوته، وتصب الزيت على نيران الأحقاد الدينية.  من أجل ماذا؟ من أجل أن يجتمع الذباب من كل مكان على هذه الأوساخ.  هذا يشتم ذاك: يا رافضي... يا بن العلقمي. وذاك يردها عليه: يا وهابي.. يا إرهابي... يا ظلامي.  فإذا فرغوا من لعن بعضهم البعض، مالوا على شعوب الغرب، ورفعوا أيديهم بالدعاء: اللهمّ أرِنا فيهم عجائب قدرتك.

affkar_hurra@yahoo.com

================                

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط