هشام محمد / Jan 23, 2009

-1-

عند العربان الكلام مقدم على الإنجاز، والقول مقدم على الفعل، والسماع مقدم على البصر.  أولئك اللذين يبيعون شعوبهم أحلاماً مزيفة وكلمات بلا رصيد هم أبطال هذه الأمة البائسة وشرفاؤها وضميرها اليقظ.  حدق في وجوه زعامات العرب وأبطالها الصناديد، الأحياء منهم والأموات، فلن تجد منهم سوى الثرثرة فقط.  أولهم هدد بإغراق نصف اليهود في البحر، وثانيهم هدد بإحراق النصف الآخر، وثالثهم وأكذبهم هدد بمحو النصفين معاً من على الخارطة.  هل احتج أحد يوماً، وقال: قف أيها الكاذب! فما عدنا نصدق لك قولاً.  لا بالطبع، فالعرب تعشق من يبيعها الأوهام والأحلام المستحيلة، وتنفر ممن يصارحها بأمراضها واستحالة أحلامها. يسمون الأول: زعيم...بطل...ضمير الأمة...القائد الضرورة...ويسمون الثاني: خائن...عميل...انبطاحي...انهزامي.  في الغد سيأتي دجالون وحواة آخرون، لا يملكون سوى الكثير من الأقوال والقليل من الأفعال، وسيسلكون ذات الدرب التي مشى فيها حسن نصر الله ومشعل وهنيه، وسيقولون لهزائمهم الساحقة: كوني نصراً إلهياً فتكون، وسترقص لها شعوبهم المغيبة وتطرب، وستتبادل خير أمة التهاني والتبريكات.  لقد برهنت الحرب الاسرائيلية في غزة على أن أكثرية الشعوب العربية لا تريد من زعمائها توفير الغذاء والأمن، وتطوير الخدمات الصحية، وعصرنة المناهج التعليمية، وحرية الرأي والتعبير، ومكافحة الفساد السياسي والإداري، وتحسين مستويات المعيشة، وما شابه ذلك من حقوق ومطالب شرعية تكافح شعوب العالم قاطبة من أجل نيلها.  فعلى ما يبدو لي أن العرب مشغولون بما هو أسمى وأنبل من تلك المطالب الدنيوية الزهيدة مثل: تحرير التراب، وطرد المحتل المغتصب، واسترداد الكرامة المهدورة، وما إلى ذلك من الشعارات الأحفورية التي تعود إلى عقود الخمسينيات والستينيات الميلادية.  لقد برهنت الحرب الاسرائيلية في غزة مرة أخرى – على الأقل بالنسبة لي – أن المسافة بين الشعوب العربية الثائرة وبعض قياداتها السياسية ليست بعيدة جداً كما يشاع، بل قريبة جداً، وقريبة لدرجة التماهي.  واقصد بالقيادات السياسية اولئك اللذين يتزعمون ما يعرف بجبهة التصدي والممانعة.  ماذا قدم هؤلاء أكثر من كلمات مستهلكة وشعارات منتهية الصلاحية؟  لا شيء مطلقاً.  هل انفجر فيهم الشارع العربي الثائر الهادر؟  هل طالبهم أحد بما هو أكثر من الكلام؟  للأسف لا.  كل اللعن والشتم والسباب والتخوين نال من عمل – في حدود امكانياته –  من أجل ايقاف آلة الموت الاسرائيلية من الدوران.  خلاصة القول، كحاكم عربي يكفيك فقط أن ترعد...وتزبد...وتهدد...وتتوعد أحفاد القردة ومن ورائهم الصليبين الأمريكان  بالويل والثبور وعظائم الأمور، دون أن تنسى بالطبع أن تؤمن لنفسك حفرة أو نفقاً لتتوارى فيه عندما يأتي أحفاد القردة والخنازير لتأديبك، ودع شعبك العظيم يواجه الموت بصدور عارية...فهم فداء صرمايتك الطاهرة!

-2-

كان الله في عون ستار بكس وماكندونالدز وبيتزا هت، وباقي الشركات العالمية العملاقة من سخافات العرب التي لا تنتهي، وديماغوجية شارعه المصاب بجنون البقر، وهو للأسف مرض لا يرجى منه شفاء.  لا يحتاج العربي للسؤال عن مصدر الإدعاءات التي تقول أن إدارات تلك الشركات قد جندت امكانياتها المالية لمساندة اسرائيل.  يكفي أن تطلق الكذبة، وستجد الشارع الفائر دوماً يهرول وراءك، وربما يسبقك دون أن يعي إلى أين هو سائر، طالما أنه يملك استعداداً فطرياً على كراهية الغرب ومعاداته، ولديه قناعة راسخة أن العالم بأسره يتآمر عليه.  ماذا يملك العربي من أدلة قطعية وملموسة؟  لا شيء...سوى سمعت من فلان من الناس...أو جاء في قناة الجزيرة، والأخيرة بالنسبة لغالبية العرب مصدر لا ينطق عن الهوى.

في كل مرة يشتبك الإسلام والمسلمون في نزاعات مفتعلة مع الغرب تسارع شعوب العرب الأبية بالتلويح بورقة المقاطعة، وكأنهم يقولون هذا أقل ما يجب علينا فعله في ظل تقاعس حكومتنا، وتلكئها عن نصرة الرسول الكريم أو الإسلام أو المسلمين.  ألا يعلم هؤلاء أن تلك الشركات قد وجدت في وقت كانت فيه دولهم الكرتونية مجرد أجنة تنام في رحم الاستعمار الأوروبي!  ألا يعلم هؤلاء أن ميزانية شركة واحدة تفوق ميزانيات الدول العربية مجتمعة، بما فيها دول الخليج الغنية!  مشكلة هؤلاء أنهم يظنون أنه لولا تدفق أموالهم لتوقف قلب تلك الشركات عن النبض، ولتحولت إلى أثر بعد عين.  العرب مازالوا يصدقون أنهم مركز العالم وسرة الأرض، كما كان الإنسان قديماً يعتقد أن الأرض مركز الكون وأن الشمس تدور حولها.  اتحدى أن يصر العرب على المقاطعة لو لم يكن لمنتجات تلك الشركات بدائل في السوق. إذا كنت تعشق الوجبات السريعة، فهناك خيارات كثيرة تستطيع أن تجربها مثل برجر كنج أو هارديز أو وينديز، وما إلى ذلك.  واجزم أنه لو كانت تلك الشركات تبيع أدوية لعلاج أمراض لا يكفي لعلاجها تعاطي العسل أو حبة البركة أو بول الأبل أو شربة ماء يبصق فيها شيخ أفاق لما سمعنا زعيقاً لهم بشأن المقاطعة.

أشعر أن وراء ترويج تلك الأكاذيب قائمين على شركات منافسة، تسعى لاستقطاع حصة إضافية من السوق، مستفيدة من حالة البلاهة العربية والاندفاع الغرائزي المنفلت من أي عقال مادام الأمر يتصل بالإسلام والمسلمين.  وبالطبع، وكالعادة، لن تصمد دعوات المقاطعة الشعبية بعدما تكمل القوات الإسرائيلية الانسحاب من قطاع غزة مخلفة وراءها الجثث والخراب ورائحة الموت ورايات الانتصار الإلهي الحمساوي(!).  كنت اقول، أننا سننسى صراخنا بالأمس، وذلك لأننا دائماً ما نغسل قلوبنا بصابون الغفران والتسامح(...).  فضلاً على أننا لا نستطيع أن نقاوم كثيراً ساندويتشات ماكدونالدز اللذيذة والبطاطا المقلية، ولا شرائح البيتزا المحشوة حوافها بالجبنة السائلة والساخنة، ولا رائحة الموكا والماكياتو التي لا يقاومها رأس من أدمن عليها! 

-3-

بعث لي صديق عزيز بملخص لمحاضرة القاها قبل خمس سنوات من الآن الشيخ الدكتور طارق السويدان في كندا ضمن فعاليات مؤتمر (إحياء الروح الإسلامي).  وإن صح ما نسب للدكتور طارق من كلام وهذا غير مستغرب من مشائخ النيو لوك والابتسامات المستعارة، فأقول أن شيخنا قد ابتدع ديناً جديداً لا صلة له لا من قريب ولا من بعيد بالدين الإسلامي!  لقد صبغ السويدان شعر الإسلام باللون الأشقر، وألصق عينيه بعدسات زرقاء، وألبسه بنطلون "لو ويست"، ولم يبقَ سوى أن يصطحبه إلى أقرب حانة ليشرب معه علبة "بد وايزر"!

 وإليك بعض ما جاء في محاضرته الهزلية من أكاذيب مضحكة: إن الشورى تعني إرادة الشعب وحكم الأكثرية... إن الدين يقبل بحرية التدين والتمذهب وتشكيل الملل والنحل... إن الدين لا يعاقب على ارتداد المرء عن الدين... وأن حرية نقد الحكام السياسيين وفقهاء الدين وحتى النبي محمد مكفولة في الإسلام... وأشياء وأشياء أخرى تدعو حقاً للتندر والتعجب.  اتساءل: ماذا لو نطق السويدان بعشر أو حتى أقل من هذا في بلاد الإسلام؟  أي عقاب سيناله فيما لو تجرأ، وقال مثلاً: إن النبي محمد ليس فوق النقد... وأن للمسلم حق التحول إلى دين آخر غير الإسلام؟!  بالتأكيد، ما تفوه به السويدان في بلاد الكفر هو محاولة لا طائل منها لتلميع صورة الإسلام ومكيجته وانسنته، وهو يعلم جيداً أن طالباً في صف ثالث ابتدائي يدرك أن لا حرية في الإسلام لنقد النبي أو الصحابة أو التابعين أو الخلفاء أو الفقهاء أو رجل البوليس الديني أو حتى شيخ الإرهاب ابن لادن.  ترى ماذا لو قاد سوء الحظ أحد الحاضرين السذج واعتنق الإسلام؟  تخيل أن هذا الرجل بعدما أسلم سرعان ما اكتشف أنه قد سقط في فخ من الأكاذيب، ثم قرر أن يرتد عن الإسلام.  اعتقد أن السويدان سيهمس في إذنه قائلاً:  أوه... لقد نسيت أن اخبرك أن حرية التدين كانت مكفولة في مكة فقط، وقبل أن يشتد عود الإسلام، ولكن بعد أن قوي شأنه، أمرنا نبينا بقوله: من بدل دينه فاقتلوه! 

affkar_hurra@yahoo.com

=================     

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط