هشام محمد / Jul 10, 2009

 

-1-

كتب الصحافي السعودي والإعلامي اللامع، داوود الشريان في جريدة الحياة مقالتين: الأولى بعنوان "حرية فرنسا القبيحة" بتاريخ 26/6/2009، والثانية بعنوان "النقاب والإرهاب" بتاريخ 30/6/2009.  ولعلك الآن من خلال هذين العنوانين الفاقعين قادر على استشفاف فحوى تلك المقالتين.  لقد حمل الشريان على قرار الرئيس الفرنسي ساركوزي، واصفاً هذا القرار بأنه تدخل سافر ضد الحريات الفردية التي بشرت بها الثورة الفرنسية المباركة، وأنه محاولة إضافية نحو مزيد من التضيق على حريات المسلمين، ومزيد من استفزاز عقيدتهم الدينية.

 

في البدء، دعوني اقول لكم أن الشريان بمقالاته في السنوات الأخيرة، بما فيها من ممالئة صريحة للرواية الرسمية ومن مماحكة ممجوجة للتيارات الدينية قد انقطع عن ذاك الشريان الذي عرفته قبل خمسة اعوام، ذاك الشجاع الذي جند قلمه لفضح دور الثقافة الدينية المحلية في توفير المناخات الملائمة لصناعة التطرف الديني.  فسبحان من يغير ولا يتغير!

 

لن احدث الشريان عن حجية الحجاب، فهناك الكثير من الكتب والدراسات والمقالات التي نزعت عن الحجاب هالة القداسة، وفرغته من محتواه الديني من خلال الكشف عن جذوره الوثنية الضاربة في القدم.  ولن احدث الشريان عن البعد العنصري المسكوت عنه والذي يختبىء وراء حجاب المسلمة.  لقد حدثتنا التفاسير القديمة عن أن الحجاب فرض على النساء الحرائر في المدينة دون الجواري والإماء.  ويذكر أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب كان يضرب الجارية بدرته المشهورة عندما تقلد سيدتها الحرة في ارتداء الحجاب.  دونما حاجة للسفر في دروب التاريخ الغابرة، سأختزل اختلافاتي مع السيد الشريان في بعض النقاط التالية.  ويبقى في النهاية رأيي صواباً يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

 

متى يتوقف المسلمون عن هذا الابتزاز العاطفي؟  لا يتورع المسلمون عن مطالبة الغرب بكل شيء تحت اسم حرية المعتقد وحرية التعبير، لكنهم في المقابل لا يظهرون أي قدر من المرونة تجاه الغرب تحت اسم خصوصية الثقافة وطبيعة التقاليد وتعاليم الدين.  باختصار نريد أن نحصل على كل شيء دون أن ندفع في المقابل أي شيء.  نريد منهم أن يفتحوا أبوابهم كي نبشر بالإسلام على أراضيهم، دون أن نسمح لهم بالحرية في التبشير بدينهم على أراضينا.  نريد منهم أن لا يمنعوا بناء المساجد على أراضيهم، دون أن نسمح لهم ببناء الكنائس على أراضينا.  إنها ليست من باب المبالغة لو قلت أننا ربما سنطالبهم يوماً بحرية اقتناء الأسلحة والتدريب العسكري في ديارهم تحت حجة الدفاع عن البقاء والحرية الدينية في وجوه المتطرفين من التيارات اليمينية.

 

هل يعتقد السيد الشريان أن اللاتي يرتدين البراقع في فرنسا إنما يفعلن ذلك بمحض إرادتهن وامتثالاً لتعاليم دينهن؟  من المؤكد أن هناك من النساء من يرتدين البرقع استجابة لضغوطات تمارس عليهن من أزواجهن أو أهاليهن.  ولينظر الشريان إلى المرأة السعودية كأقرب مثال.  هل اختارت المرأة السعودية الحجاب ولونه وشكله؟  ألم يكن هذا زياً فرضه الفقه الذكوري متأثراً بمسحته البدوية الجافة ونظرته الاحتقارية للأنثى؟

 

ألا يشعر السيد الشريان بشيء من التعاطف وهو يرى هذا الكائن وقد تحول جسده بفعل الدين والعادات إلى شبح غير محدد المعالم؟  عجبت ممن تستفز مشاعره الدينية قرار ينتصر للمرأة ويحررها من أغلالها، فيما لا تستفز مشاعره الانسانية منظر طفلة اغتال الحجاب رمزياً طفولتها الغضة، أو منظر امرأة سعودية تجر بتثاقل وراءها تلك اللعنة السوداء، أو منظر أفغانية حبستها حركة طالبان في زي شنيع يبعث شكله على القرف.

 

لا حاجة للتذكير أننا لو جمعنا كل الحريات المزعومة في بلاد الإسلام لما بلغت نصف أو حتى ربع ما لدى الفرنسيين من حريات.  لهذا تمنيت ألا يقع السيد الشريان في فخ المقارنات غير المنطقية بين الحريات في فرنسا وما يناظرها في العالم العربي والإسلامي، إلا أنه في غمرة دفاعه عن "حرية" الحجاب سقط في هذا الفخ.  في مقاله الموسوم ب"حرية فرنسا القبيحة" ذكر السيد الشريان أن السعودية، وبالرغم من موقعها الديني إلا أنها لا تجبر غير المسلمة على تغطية وجهها. أوافقك القول، ولكن قل لي: هل تستطيع غير المسلمة قيادة سيارتها؟  وهل تستطيع الخروج للشارع بلا عباءة؟  وهل تستطيع دخول البلاد بكتابها المقدس،  وهل تستطيع أن تردي صليباً في صدرها؟  إن قائمة المحرمات والمنهيات أكثر من أن تحصى يا سيدي، وأنت أكثر علماً مني بذلك، فلا داعي إذن لمقارنات خاسرة مسبقاً.

 

لا تترك الجماعات الأصولية أي حدث مهما بدا تافها وفردياً دون أن تنفخ فيه من أجل تأجيج نار الأحقاد التاريخية بين المسلمين والغرب، وتجييش الشارع الغوغائي المحتقن أصلاً، كل هذا من أجل تحقيق مشروعها الفوضوي والعدمي القائم على حرب مفتوحة مع الغرب.  لقد تاجروا من قبل بالرسوم الدنماركية، ثم تاجروا ببرقع ساركوزي، وهم اليوم يتاجرون بدم مروة شهيدة الحجاب(!).  لقد تمنيت من السيد الشريان ألا ينزلق إلى مستوى هذه الخطاب الدوغمائي والشعارات الاستهلاكية المفخخة، فنحن بحاجة إلى تهدئة الشارع وتعقيله، وتنويره بقضاياه الحقيقة التي تمس حياته اليومية، لا استنفاده في صراعات تافهة لا تفيده بشيء، بقدر ما تخدم أجندة تلك الجماعات الظلامية.

 

أخيراً، لدي سؤال (غير بريء) لأولئك المقيمين في بلاد الغرب والذين دائماً ما يزعمون أن الغرب يترصد بهم ويحاربهم في دينهم: لماذا لا تفرون بدينكم وبقرآنكم وبأحجبة نسائكم إلى بلدانكم التي تفيض لبناً وعسلاً؟  ما الذي يجبركم على العيش في بلاد تصادر حرياتكم الدينية؟  ألم تسمعوا قول النبي محمد: "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه"؟  هل تفعلونها وتعودون إلى بلدانكم الأصلية؟  أشك في ذلك.

 

-2-

شخصياً، أحب السيد اوباما، واحترم شخصه كثيراً، وفوق هذا أخشى عليه كثيراً.  اقواله وافعاله وافكاره تشف عن حالة انسانية ناصعة البياض ونادرة التكرار.  لكن السؤال الأهم: هل تكفي النوايا الحسنة في عالم السياسة المربك والمعقد؟  هل ستؤدي مثلاً سياسات هذا القديس الأسمر المتسامحة تجاه ايران عن تخلي الأخيرة عن طموحاتها النووية ومشاريعها التوسعية؟  وهل سيسفر اغلاق معتقل غوناتينامو، والانسحاب من العراق، وذاك الخطاب المخملي الموشى بآيات قرآنية في جامعة القاهرة عن تراجع تنظيم القاعدة الإرهابي عن سفك الدماء، وعن خفوت موجة الكراهية المستعرة في العالم الإسلامي تجاه أمريكا؟  مشكلة اوباما أنه جاء إلى السلطة حاملاً في داخله عقدة ذنب، سببتها سياسات الرئيس الأسبق جورج بوش.  في قرارة نفسه، يعتقد اوباما أنه رجل الإطفاء المكلف باخماد النيران التي أشعلها بوش في المنطقة، وهذا – كما يظن – كفيل بتبريد مشاعر الكراهية المتقدة في صدور المسلمين.  قد يكون من الجائز القول أن سياسات بوش قد فجرت تلك المشاعر العدائية، لكنها، أي هذه المشاعر، لم تكن يوماً غير موجودة.  إنها مشاعر معمرة وعتيقة كشجرة سنديان، عمرها أكثر من ألف سنة.  ربما لا يدرك اوباما أن تخلي المسلمين عن تلك الروح العدائية تجاه امريكا وباقي الغرب يعد نوعاً من الولاء للكفار المفضي إلى خروج عن ملة الإسلام.  يتوجب علينا يا سيادة الرئيس أن نبغضكم في الله، مادمتم باقين على دينكم المحرف وعلى عبادتكم للصليب.  هكذا علمًنا فقهاء الأمة، الراسخون في العلم، وورثة الأنبياء، وذوي اللحوم المسمومة.  ضمن هذا السياق، كتبت الأكاديمية والباحثة اليمنية الهام مانع مقالاً رائعاً بعنوان (انزعجت)، تجده منشوراً في موقع آفاق الإلكتروني بتاريخ 2/7/2009، انتقدت فيه سماع اوباما لوجهة نظر أحادية بشأن الحجاب، لدرجة أنه ابدى استعداد حكومته للذهاب إلى القضاء، دفاعاً عن حق الفتيات المسلمات في ارتداء الحجاب.  من وجهة نظري، اتوقع أن اوباما سوف يظل يستمع إلى وجهات نظر مماثلة عن قضايا حساسة وشائكة، كالتعددية والحريات والموقف من الآخر.  وكلها من المؤكد أنها ستتعمد تسويق وابراز الوجه الحسن من الإسلام، واخفاء الوجه القبيح والمستتر منه إلى أن ربما يصحو اوباما يوماً على أحد عشر سبتمبر جديد.           

 

-3-

لا تكل العرب ولا تمل من الشكوى من سوء حالها، وقلة حيلتها، وندرة أفراحها، وكثرة أتراحها.  لكن من ينعم النظر في أحوال هذه الأمة المجيدة سيجد خلاف ذلك، فنصيبها من الأفراح يطغى على ما لديها من الأتراح، وما عندها من الانتصارات يبز ما عليها من الإندحارات، غير أننا أمة لا تقنع ولا تشبع.  ألم نحقق في عامين انتصارين إلهيين مدويين؟  ألم نسر أكثر من مرة لموت أحد الكفار الأنجاس؟  ألم نفرح أكثر من مرة لإسلام أحد الكفار؟  إني اقترح أن نخلد تلك الأيام العظيمة، ونتذاكرها كل عام، لما في هذا من رفع لمعنويات الأمة، وشحن لنفوس ابنائها بالهمة.  لدينا ولله الحمد والمنة انتصاران إلهيان، أحدهما بمذاق شيعي والآخر بمذاق سني، فلماذا لا نحتفل بذكراهما العطرة من كل عام؟  لدينا يوم تاريخي أذقنا فيه المجرم المسيحي المتصهين بوش طعم الذل والعار بفردة حذاء طائر، فلماذا لا نحتفل بذكرى حذاء الكرامة والشرف والعزة من كل عام؟  ولدينا يوم نفق فيه المغني المسخ والشاذ المتهتك مايكل بن جاكسون، فلماذا لا نحتفل بذكرى فراقه والخلاص منه من كل عام؟  لدينا الكثير والكثير من الخيرات والنعم، ولكننا حقاً قوم لا نحمد الله ولا نشكره على نعمائه، وتذكروا قول الحق: ولئن شكرتك لأزيدنكم.
 
affkar_hurra@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط