بسام درويش / Aug 22, 2001

على الجانب الشرقي للطريق الذي يصل الشارع المستقيم بساحة باب توما في مدينة دمشق القديمة، كنيسةٌ لطائفة اللاتين تقع بين كنيسة الموارنة ودير الأباء العازريين. بداخلها تستريح عظام فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل المسابكي وهم أخوة ثلاثة من موارنة دمشق استشهدوا في حوادث 1860 الطائفية وأعلنهم البابا بيوس الحادي عشر في عداد الطوباويين عام 1926. وبداخلها أيضاً تستريح عظام راهبٍ فرانسيسكاني اسمه البادري توما الكبوشي.

 

حرصاً على الأمانة في التأريخ فإننا ننقل واقعة مقتل الأب توما كما وردت تماماً في كتاب قديم طبع في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات من القرن الماضي بمطبعة القديس بولس في حريصا بلبنان. هذا الكتاب هو نسخة منقولة عن النسخة الأصلية والمكتوبة بخط يد أحد كتَّاب الحكومة الدمشقيين الذين عاصروا أحداث 1860 . النسخة الأصلية كانت محفوظة في مكتبة مدينة برلين عدد 9787 إلى أن ابتاعتها الجامعة الأميركية في بيروت لتكون محفوظة في مكتبتها. لا بد من الإشارة هنا إلى أن الكلمات الواردة بين قوسين هي إضافات لجامع الكتاب وناشره الخوري قسطنطين باشا المخلصي، أما الكلمات التي وردت بين قوسين مضاعفين فقد أضفناها نحن لشرح بعض العبارات العامية التي لم يقم الأب قسطنطين جامع الكتاب بشرحها.

***********

                                     

"في قتل البادري توما الكبوشي ومحاكمة القتلة "

 

(تعريف عنه) ثم انه كان في الشام راهب إفرنجي كبوشي اسمه البادري توما فهذا استقام في الشام في دير الكبوشية (الكبوشيون أول من قدم الى دمشق من المرسلين وكان ديرهم فيها بقرب دير إخوانهم الفرنسيسكان بمكان دار الياس الزيات اليوم والبادري توما الكبوشي أول من أدخل تطعيم الجدري في دمشق) نحو خمسة وثلاثين سنة وهذا كان كاره ((أي مهنته)) حكيم ويدق الى الجدري في الشام للنصارى والإسلام واليهود وكل أهالي البلد من الكبير الى الصغير يعرفوه وكان نافع الناس في مادة الدق الى الجدري ((لقاح الجدري)) حتى أولاد الفلاحين يحضروهم الى عنده يدق لهم وكان عنده أجير اسمه إبراهيم أمارة من طائفة الكاثوليكية فهذا رباه ولد."

 

(اختفاء غريب) فيوم من الأيام في 24 كانون الثاني (شرقي) سنة 1840 نهار الأربعا الموافق للهجرة في 2 رمضان سنة 1255 طلع من الدير نحو الساعة عشرة وتوجه الى حارة اليهود لأجل دق الجدري فقال له أجيره الى أين رايح. فقال له رايح الى حارة اليهود فتوجه الراهب وتمسى{ تأخر في العودة مساءً } فلما نظره أجيره انه تمسى سكر الباب وراح الى حارة اليهود الى المحل الذي كان قال له عليه البادري وما عاد رجع فحضروا ناس ليلتها حتى يسهروا عنده دقوا الباب لم احد رد. فقالوا ربما يكون نايم فثاني يوم حضروا البعض حتى يصلّوا وجدوا الدير مسكر ((وجدوه مغلقا)) دقوا الباب بزيادة لم احد رد.

فتوجهوا احكوا الى قنصل فرنسا فحضر القنصل والخواجا ابودين (1) والناس معهم ونزلوا مسطوح الدير وجدوا الدير ما هو رايح منه شي ((غير مسروق)) والطبيخ على النار محروق فاحتاروا في هذه المادة. حفروا جنينة الدير احتساباً لئلا يكون أحد نزل قتلهم لأجل الطمع لم وجدوا احد . فتحوا صناديقه وجدوا عنده دراهم عين نحو ماية ألف غرش ووجدوا صندوق باسم أجيره فيه نحو عشرة آلاف فصاروا يفحصوا من نهار الخميس الى نهار الجمعة في رمضان سنة 1255 .

 

(امارة ودليل) فبان (حينئذ) ان ناس شافوه في حارة اليهود ولم عاد طلع وأجيره لما كان راح يدور عليه شافوه ناس رايح بعجلة وقت المساء سألوه الى أين رايح قال لهم معلمي توجه الى حارة اليهود ولم رجع والدنيا أمست. رايح بطلع عليه من هون ((سأذهب للبحث عنه هنا))

 

(الحاصل) فتوجه الخواجا ابودين لعند شريف باشا وقرر له ما حصل وطلب اظهار البادري وأجيره وحصل بذلك جرنال مطول الشرح فيه سؤالات وجوابات وانوجد البادري وأجيره. والبادري قتل في بيت داود هراري وأجيره في بيت يحيى ماير فارحي ووجدوا لحم البادري وعضامه وطاقيته مرميين في قليط ((نهر في دمشق)) في وسط سوق الجمعة قدام بيت موسى ابو العافية حيث (القنا) الكبير مارر من بيته وعند مطالعة الجرنال تنفهم المادة بالتفصيل (يراد بالجرنال هنا التقرير الذي تضمن استنطاق الرجال المتهمين بهذه الجريمة وقد حرره رجال الحكومة أو كتابها الذين منهم المؤلف نفسه وقد أفادنا صديقنا الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف أن الخوري يوسف الحداد حرر تقرير مطول بهذه الدعوة بإيعاز أو اقتراح بحري بك ثم نشر تقارير بالفرنساوي والإيطالياني كاملة وملخصة وطبع قسم منها في صراخ البري وممن كان له يد في فحص هذه الجريمة الدكتور ميخائيل مشاقة وكتب عنها في تاريخه المخطوط: (الجواب على اقتراح الأحباب) ما يطابق هذه المذكرات. لأنه وجد في كتبهم أن الدم عندهم يأخذوه لأجل يوضعوه في الفطير فدعوى الراهب وأجيره لها جرنال مخصوص بالسؤالات والجوابات وانما نتكلم عن الذي ليس هو من داخل الجرنال باختصار.

 

(تفصيل) وهو ان البادري توجه الى حارة اليهود في اليوم المذكور لأجل يلصق ورقة عند الكنيس في تركة واحد إفرنجي حكيم اسمه السنيور طرانوبا توفي وان تركته بدها تصير (تقسيمها) يوم الأحد فالذي له خاطر يشتري شيء من التركة يحضر للدير وكذلك كان مراد البادري من بعد ما يلصق ورقة في حارة  اليهود يتوجه يلصق ورقة في حارة كنيسة الروم وبعدها لم عاد رجع الى حارة الكنيسة. لصق الورقة بل لما انمسك ((أي حين اختطف)) بقيت الورقة معه فلما فقد البادري وأجيره ضاجوا القناصل، قونسلوس فرنسا وقونسلوس النمسا وأرسلوا خبر الى شريف باشا بما حصل.

 

(همة القنصل) فشريف باشا احتار بأمره لأنها مادة إفرنج {أي قضية تتعلق بأجانب} وراهب إفرنج وأجيره. وكانمحبوس في حبس السرايا رجا اسمه محمد التلي (من الزبداني) هذا كان قبل (ذلك) بسنة آغا خراج وطلع في بطنه ((أي في ذمته)) للميري ألف وخمسماية غرش فانحبس لأجل يوردهم ((الى أن يدفعهم)) فأرسل خبر الى قونسلوس فرنسا ان يطالعه وهو يظهر هذه المادة فترجى الباشا بإطلاقه من السجن وتعهد لمحمد التلي بأنه إذا اظهر البادري يدفع له زيادة عن المطلوب ويحضر له بزابرط ((جواز سفر)) من دولة الحماية (فرنسا) فهذا يرجع له الكلام."

 

(همة شريف باشا) ومن خصوص شريف باشا أرسل احضر أربع حاخامات وسألهم عن البادري وأجيره فأنكروا فهددهم بالضرب فطلبوا مهلة أربعة وعشرين ساعة لأجل يجمعوا اليهود في الكنيس ويرموا حرم عليهم فتوجهوا ورموا حرم على كل من يقر من اليهود ولو مات تحت العذاب فبلغ الخبر الى الباشا بان الحاخامات رموا الحرم على كل من يقر من اليهود ولو كان تحت العذاب فبلَّغ الخبر الى الباشا أن الحاخامات رموا حرم على الذي يقر فأحضرهم وحبسهم ومسك بعض أناس من معترين اليهود مقدار عشرة أنفار وصاروا يعذبوهم فلم كان أحد يقر.

 

(محمد التلي) وأما ما كان من محمد التلي فصار يتجسس ومن زود فرازته ((ولشدة فراسته)) توجه الى سوق الجمعة ومعه قونسلوس فرنسا وترجمان قونسلوس الإنكليز الى المحل الذي ملصوق به الورقة فنظر أن الورقة هذه التي (كان) مراده يوضعها جانب كنيسة الروم لان قبلاً يوم ان فقد البادري ((قبل أن يُفقد البادري بيوم) كان وضع الورقة التي تخص اليهود ونظروها جملة من النصارى ((رآها بعض النصارى)). ففي جانب مكان الورقة حلاق يهودي اسمه سليمان. فسألوه من لصق الورقة فقال انه ما كان موجود حينما التصقت ولكن كان توجه يفصد في بيت الحاخام ميمون فلما حضر (الحلاق) نظر لمة (تجمع) وعمالين يقرأوا الورقة وقالوا ان البادري توما حضر لصقها وتوجه فقالوا له ايش شكل البرشانات التي لصقها بها قال لهم انها خمري. فقالوا له انك ما كنت موجود فمن اين عرفت شكل البرشانات احكي لنا الصحيح. فتغيرت ألوانه فمسكوه وأرسلوه الى شريف باشا وقرروا له بما حصل فأحضره شريف باشا وأمر عليه بالضرب فلم يستقر ((يعترف)) فوضعوا له الكعاب في مصادغه وصار القواص باشي يبرم بند السيف على الكعاب والضرب عمال على ظهره وعلى كعب رجليه.

 

(اسحق بشوتو) فبأثناء ذلك حضر الى عنده واحد إفرنجي اسمه اسحق بشوتو يهودي فقال له قريت أم لا. فقال له لا ما قريت ولا رميت أحد. فقال له إصحى تقر أنا طالع لعند الوزير اترجى فيك. فطلع لعند الوزير وقال له افندم هذا لو كان معه خبر هذه المادة أما كان قرّوا (إذ) هم في الكلام حضر واحد تفكجي من الذين واقفين على ضرب اليهودي واعرض للباشا افندم ان الخواجا اسحق هو الذي لم عمال يخلي ((الذي لا يدع)) اليهودي يقر، فتخلق ((فغضب)) الوزير وأمر عليه بزيادة العذاب ووضع الكعاب ثانياً بمصادغه واسحق بشوتو لما نظر الوزير تخلق نهض بسرعة وهرب ركضاً على حارة اليهود لأجل يعطي خبر للذين قتلوا البادري.

 

(الإقرار) وحينما الحلاق نظر اسحق تركه وراح أقر عن الذين قتلوا البادري وهم داود هراري واسحق هراري وأخيهم وعمهم يوسف هراري ويوسف لينادو وموسى ابو العافية وموسى السنانكلي وانهم قتلوه في بيت داود هراري فطلبوه مع (بواسطة) أجير داود هراري وبوصوله قالوا له ادخل اذبح هذا البادري فقال لهم ما هي صنعتي. فذبحه داود هراري وكمل عليه اسحق هراري وهارون هراري وهو مسكه لهم فأرسل شريف باشا التفكجي باشي وقواص باشي مسكهم جميعهم وصار يحضرهم الواحد بعد الواحد ويسألهم وكلهم أنكروا وصاروا يعتذروا انه بوقتها جميعهم ما كانوا في بيوتهم بل في مخازنهم وكلما سأل واحد يوضعه في محل لوحده ففي الليل ارسل احضرهم واحد بعد واحد واحضر الحلاق وصار يسألهم والحلاق يقول لهم يا فلان أما ذبحتموه في المربع الخربان وأخذتوا دمه وكسرنا رأسه على السماط في يد الهاون وهم ينكروا.

 

(إعادة الإقرار) فثاني يوم شريف باشا أرسل مسك خادم داود هراري وسأله فأنكر فرمى عليه الضرب فأقر مثل ما قر الحلاق فعند المساء أحضر شريف باشا الحلاق وداود أجير داود هراري وأمر لهم بالجلوس فجلسوا وأحضر اسحق هراري فقرر ((أي اعترف)) الحلاق والخادم قدامه، وهو ينكر ويقول نحن ناس تجار ما هي مصلحتنا ولا لنا قلب نذبح عصفور. فأمر شريف باشا أن واحد يمسكه من ذقنه وواحد يمسكه من.. وصاروا يعذبوا فيه فلم كان يقر فأمر أن يرموه في البحرة فرموه في البحرة فبعده استقر حكم قرار الخدام والحلاق وثاني يوم قروا الجميع ما عدا موسى السنانكلي ناكر بالكلية وانضرب كثير ما قر ومنهم موسى أبو العافية اسلم وسموه محمد أفندي أبو العافية وصار يفسر من كتب اليهود عن قبح ديانتهم (عملهم) ومسك (شريف باشا) خمسة وستين ولد من المكاتب وحبسهم.

 

(متابعة الفحص) ويومها نزل مير لوا وقونسلوس الفرنساوي والخواجا شبلي ايوب ومنصور التبان والتفكجي باشي واخذوا معهم أجير الهراري والحلاق فدخلوا أولاً الحلاق الى بيت داود الهراري فدلهم على المحل الذي قتلوا فيه البادري فوجدوا فيه أثر دم بالحيطان ((على الجدران)) ونظروا السماط الذي كسروا عليه العضام وطلبوا يد الهاون الذي كسروا به (رأسه) فإذا هي مطعجة وطلبوا السكين التي ذبحوا بها فأحضروا غيرها. فطالعوا الحلاق الى خارج البيت وجابوا أجير داود هراري فأوراهم ((أراهم)) جميع المحلات حكم ((أي بحسب)) ما أوراهم الحلاق فطلعوا من البيت وأخذوا الحلاق وحده وأبقوا أجير داود الهراري عند (في) البيت وتوجه سليمان (الحلاق) قدامهم الى مصلَّبة ((تقاطع)) سوق الجمعة وقام حجر ((أي رفع حجراً)) وقال في هذا المحل رميناه ثم أحضروا أجير داود هراري وصاروا يضيعوا عليه وأخذوه من غير درب فقال ما هو الدرب من هنا ثم مشي قدامهم ودلهم حكم ما دلهم الحلاق. فنزلوا أولاد النصارى وجدوا نهر قليط جاري وماؤه قليل وبجانب الحيط في سفل الحفرة موجود عضام وطاقية البادري وحنكه فيه كم شعرة من ذقنه فوضعوهم في قفة وأرسلوهم الى شريف باشا فحضر أولاد الهراري (لعنده) وأوراهم العضام فعادوا أنكروا فأرسل العضام الى القنصل والقنصل احضر حكما ((أي أطباء)) إسلام ونصارى (منهمم ميخائيل مشاقة) ونظروا العضام ووضعوا أختامهم أنها عضام بني آدم لئلا فيما بعد اليهود يدعوا انهم عضام غنم أو غيرهم والقنصل غسلهم ووضعهم في صندوق وجوَّخه وعمل له موكب ودفنه في دير الكبوشية (2) وصار اليهودي لم يقدر يطلع من بيته من البهدلة والضرب والبصاق في وجهه وذقنه .

 

(حفظ الدم) والقونسلوس طلب من شريف باشا الدم فسألهم عن الدم فأنكروا مادة الدم انهم ما أخذوا دم فصار الوزير يعذبهم فأقروا انهم أعطوه الى موسى أبو العافية فأحضر موسى أبو العافية وسأله عن الدم فأجاب بأنه ما عنده دم فأمر عليه بالضرب فأقر ان الدم في بيته وموضوع في الخرستان من (في) داخل حلبية وراء دفة مسحورة في وسط القاعة. (الخرستان خزانة من خشب والحلبية آنية لوضع الحليب ويراد بالدفة المسحورة دفـة خفية لا يعلم بها إلا واضعها واسـتعمالها كان كثيراً للخفايا.) فيومهـا أمرني الوزير ((والحديث لكاتب المذكرات)) أن أنزل معهم حيث كنت من جملة كتابه فركبوا موسى أبو العافية على حمار ونزل القنصل والخواجا شبلي أيوب والخواجا منصور التيان وعلي آغا النونو توفكجي باشي ودخلوا موسى أبو العافية الى قاعته فصار يقول لحرمته افتحي الخرستان وطالعي حلبية دم البادري فصارت تلطم وتبكي وتقول له ويه. الظاهر جنيت من زيادة القتل ((أي الضرب)) لا في عندنا دم ولا غيره. داورها في الحكي التفكجي باشي لم كانت تقر فأخذه التفكجي باشي وأخذ حرمته معه الى عند الوزير فأراد الوزير يعذبه ويعذب

حرمته فأقرت ان الدم اخذه منها الديان (الحاخام) فحالاً أبو العافية خبط لفَّته قدام الوزير ((أي رمى بعمامته على الأرض)) وقال بحيث أن دين اليهود مركب على هالحال ما هو بالازم عليه ((ليس له به حاجة)) واسلم بساعتها فلففوه لفة بيضة وسموه محمد أفندي أبو العافية فالحرمة بساعتها أرسله الى بيتها وأبو العافية رجع الى الحبس (اللفة البيضاء كانت مختصة بالمسلمين دون النصارى واليهود. ومن سلالة محمد أبو العافية درويش أفندي ابو العافية المهندس واخوته وكلهم اليوم مسلمون) وثاني يوم احضر الوزير باقي الجماعة وقال لهم أبو العافية أقر أن الدم عند الحاخام وانتم ايش تقولوا فأنكروا. عذبهم فأقروا جميعهم ان الدم عند الحاخام فأحضر الحاخام سأله فأنكر. عذبه ما أقر. فوضعوا له كعاب على مصادغه ما أقر. فقام الوزير وجرد سيفه بحمق لأجل يقر ما أقر بل مد رقبته لأجل يقتله ويخلص من كل ذلك. والحلاق وأجير الهراري قاعدين يذكروه بواحدة بعد واحدة. هذا ما كان من أمر البادري.

 

(قتل الخادم) وأما ما كان من قتل أجير البادري فكان شريف باشا أثناء سؤاله الحلاق عن البادري سأله عن أجيره (ابرهيم) فقال انه انقضى غرضه في غير محل فوقتها حيث كان الوزير ماسك تحقيق قتل البادري ما تحقق منه عن مادة قتل الأجير بل قصد انه متى ما ظهر (أمر) البادري يتحقق على أجيره فلما ظهرت مادة البادري طلب القنصل إظهار أجيره فالوزير احضر الحلاق وقال له كنت سألتك عن أجير البادري وقررت لي انهم قضوا مصلحته في غير محل فيلزم تقول لي الصحيح فأجاب ان داود أجير داود الهراري في ليلة ان قتلوا البادري وكانوا عمالين يدفروا العضام ((أي كانوا مشغولين بالتخلص من العظام)) قال له ابن معلمه: روح الى مراد فارحي وقول له ان البادري مسكوه عندهم ومرادهم بهذه الليلة يقتلوه فلربما يحضر أجيره يدورعليه فتحايلوا عليه ودخلوه الى محل واقطعوا فرطه (اقضوا غرضه). وانه توجه الى عند مراد فوجد عنده اسحق بشوتو فقاموا خرجوا الى سوق الجمعة وصاروا يكزدروا ((يتمشون)) بالحارة وهو رجع الى عند معلمه قال له انه قال الى مراد. ومراد قال له انت روح على شغلك فبعده رد أرسله معلمه (فبعد ذلك عاد فأرسله معلمه) الى مراد فما وجده فدق على (باب) بيت يحيى ماير فارحي فطلع المذكور فتح له وقال له معلمي أرسلني لأجل أستخبر منكم عن الأجير فقال له مسكناه (أمسكنا به). ان كان تريد ادخل. فدخل ومسكه معهم وذبحه مراد فارحي هو ويوسف فارحي واصلان فارحي واسحق بشوتو ويعقوب أبو العافية وهارون اسلامبولي. هذا ما قرره له أجير داود الهراري فأحضر المذكور وسئل عن ذلك فقرر مثل ما قرر الحلاق فالوزير أرسل كمش ((أي بعث فألقى القبض على)) يحيى ماير واصلان فارحي وموسى فارحي ابو مراد والباقي هربوا فأصلان فارحي اخذ مرسوم أمان من الوزير وقرر بخطه وختمه طبق تقرير الحلاق والخادم. وماير فارحي لم كان يقر وكذلك موسى فارحي وانمسك روفائيل دويك كاتب مراد فارحي لأجل يقر عن مراد فما أقر فضربوه ضرب مؤلم. ومن الجرنال ينفهم ما حصل. ومات يوسف هراري ويوسف لينادو واثنين آخرين أحدهم حارس والثاني شهد انه نظر يومها البادري توما ناحية السروجية. هذا ما انتهينا إليه من مادة البادري توما وأجيره.

 

(العفو) وبعده حضر أمر من محمد علي بإطلاق اليهود جميعهم فأطلقهم شريف باشا وصار فرح عظيم من اليهود وعملوا عراضات يومه وشتموا النصارى كثير حتى صار عليهم شكاوات الى الحكم فارتجعوا.

 

(لم يتوسع المؤلف بكلامه عن استعمال اليهود للدم ولا لذكر ما أفضت إليه هذه الجريمة الواضحة الفاضحة وقد أهاج أمرها اليهود في جميع العالم واهتم بها أغنياؤهم وكبار رجالهم في جميع الممالك وأرسلوا وفداً الى مصر لمقابلة محمد علي باشا مسلحاً بسلاحهم الظافر المعروف وطلب رجال هذا الوفد إعادة فحص هذه الدعوى والمتهمين بها لكن محمد علي باشا آثر أن يصدر أمره بالعفو عن جميع الذين اشتركوا واتهموا بها وهذه صورة المرسوم المذكور: " انه من التقرير الذي رفعه الينا الخواجات مونتيفيوري وكارنيو    Montifiori et Carnio   اللذين جاءا لطرفنا مرسلين من جل عموم الأروباويين التابعين لشريعة موسى اتضح لنا انهم يرغبون الحرية والأمان للذين صار سجنهم من اليهود والذين فروا هرباً من الفحص في حادثة البادري توما الراهب الذي اختفى في دمشق في ذي الحجة 1255 مع خادمه ابرهيم وبما انه بالنظر لعدد هذا الشعب الوفير لا يوافق رفض طلبتهما فنحن نأمر بالإفراج عن المسجونين ونطمن الهاربين عند رجوعهم . هذا مرسومنا اعتمدوا عليه.")

 

من الهوامش التي جاءت في الكتاب:

(1) كان لدولة فرنسا في دمشق قبل ان يستولي عليها ابراهيم باشا وكيل قنصل M. Baudin  ثم تعين معه قنصلاً من الدرجة الأولى‏ Le Conte De Ratti-Menton

(2) لا نعلم في اي سنة انقطع الكبوشيون عن دمشق ومتى باعوا ديرهم فإن عظام البادري توما نقلت الى كنيسة دير الآباء الفرنسيسكان في دمشق حيث يرى الداخل إليها الى جهة الشمال كتابة على قبره تدل عليها.

=============

تعليق:

حكاية استعمال اليهود لدم المسيحيين وخلطه بالفطير أو خبز العيد ليس هناك في الحقيقة ما يؤكدها، ولا شك في أنها حكاية من الحكايات التي تفتقت عنها أذهان المسيحيين خلال العصور الماضية لغاية إثارة الخوف في قلوب الأطفال وتحذيرهم من الاقتراب من المناطق التي يسكنها اليهود، إضافة إلى أنها لا بد كانت مظهراً من مظاهر العداء الذي خيّم على علاقات المسيحيين مع اليهود آنذاك. إنها حكاية لم يقم أحد من الذين يتحدثون عنها بذكر مرجع موثوق لها يمكن الاعتماد عليه. 

لقد كان اليهود على مدى العصور الماضية، مثلهم مثل كل الأقليات الذين يسكنون في المدن الكبرى وفي تجمعات خاصة بهم، هدفاً لأقاويل وإشاعات كثيرة. وكان يدفعهم إلى التقوقع في مناطقهم الخاصة وابتعادهم عن بقية فئات المجتمع، رغبةٌ بالمحافظة على تقاليدهم وخشية من الانصهار في المجتمعات الكبيرة مما قد يؤدي إلى زوالهم كأمة وكدين أو بعبارة مختصرة، للحفاظ على استمرارية وجودهم. وكما يثير كل شيء مغلق التكهنات عادة، كذلك أثار اليهود لحرصهم الشديد على التقوقعِ، فضولَ وتكهناتِ الناس الذين أصبحوا يرون فيهم سراً من الأسرار أو حتى سحرة  ومتآمرين.

ربما أنّ أحداثاً فردية قد جرت فعلاً في وقت من الأوقات فأنتجت تلك الأحداث قصصاً لتصبح القصص فيما بعد بتشجيع من المتعصبين حلّة ألبسوا المجتمع اليهودي بها. ولذلك، وحرصاً منا على أن لا نكون عنصراً مساعداً على نشر ما لا أساس له، اقتضى أن ننبه بأنه طالما ليس هناك من مراجع تؤكد حكايات كهذه لا بد من القول ببطلانها.

بسام درويش

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط