بسام درويش / Sep 17, 2004

تحت عنوان "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون"، كتب عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط (4 سبتمبر) ما يلي:

قطعا ليس كل المسلمين ارهابيين لكن بكل أسى نقول ان غالبية الارهابيين في العالم مسلمون. خاطفو التلاميذ في اوسيتيا مسلمون. خاطفو ثم قاتلو الطباخين والعمال النيباليين ايضا مسلمون. الذين يمارسون عمليات اغتصاب وقتل في دارفور مسلمون، وضحاياهم مسلمون ايضا. الذين فجروا المجمعات المدنية في الرياض والخبر مسلمون. الذين خطفوا الصحافيين الفرنسيين مسلمون. اللتان فجرتا طائرتين قبل اسبوع مسلمتان. بن لادن مسلم والحوثي مسلم، ومعظم الذين نفذوا العلميات الانتحارية ضد حافلات ومدارس وبيوت ومبان في انحاء العالم في السنوات العشر الماضية أيضا مسلمون.

يا له من سجل سيئ، ألا يقول لنا شيئا عن انفسنا ومجتمعاتنا وثقافتنا؟

هذه الصور قاسية ومخجلة ومهينة لنا عندما نجمعها ونضعها في اليوم الواحد، ولكن بدل إنكارها وتبريرها علينا أولا ان نعترف بصحتها لا ان ندبج المقالات والخطب مدعين براءتنا. وبعد الاعتراف بهذا المرض سهل علينا ان نعالج أنفسنا. العلاج الذاتي أوله الاعتراف. وعلينا بعد ذلك مطاردة أبنائنا الإرهابيين، فهم نتاج طبيعي لثقافة مشوهة. اسمعوا ما قاله شيخ التلفزيون يوسف القرضاوي، افتى جهارا بجواز قتل المدنيين الأميركيين في العراق. تصوروا عالم دين يحث على قتل مدنيين، شيخ في أرذل العمر يحرض صبية صغارا على قتل مدنيين في وقت له ابنتان تدرسان في حماية الأمن البريطاني في المملكة المتحدة الكافرة. كيف لأب مثله ان يواجه أم الفتى بيرغ الذي ذبح ابنها نحرا لأنه جاء للعراق للعمل في أبراج هندسية؟ كيف نصدقه عندما يقول لنا ان الإسلام دين رحمة ودين تسامح وهو يحوله الى دين دم؟

قبل حقبة المتطرفين هذه، كنا نعتبر اليساريين والقوميين المتطرفين مصدر افساد بتبنيهم مبدأ العنف واستسهالهم مهنة القتل، وكان المسجد الملاذ الآمن، وعلماء الدين دعاة سلم ووعظهم يتمحور حول الأخلاق الحميدة.
الاسلام مظلوم بسبب المسلمين الجدد. دين بريء، أدلته صريحة في نصوصه تحرم قطع الأشجار لضرر، وتصف القتل بأعظم الجرائم، وتدين من يطأ حتى على حشرة، وتكافئ من يروي ظمأ هرة. هذا هو الإسلام الذي عرفناه قبل ظهور جماعات التكفير وأدواتها من جمعيات ومناهج ومدرسين غزتهم افكار الجماعات السياسية فأفسدت دينهم وعقولهم.

بالتأكيد، لا يشرفنا ان ينتسب إلينا من يحتجز تلاميذ في مدرسة، ومن يختطف صحافيين، ومن يقتل مدنيين، ومن يفجر حافلات مهما كانت الآلام التي يعاني منها المنتقمون. هؤلاء هم من شوهوا وأساؤوا الى الإسلام. ولن نستطيع تنظيف سمعتنا إلا بعد ان نعترف بالحقيقة الواضحة الفاضحة التي تقول ان معظم الاعمال الارهابية اليوم في العالم نفذت بيد مسلمين. وعلينا ان ندرك اننا لن نستطيع اصلاح حال شبابنا الذين ينفذون هذه الجرائم الشنيعة إلا عقب معالجة عقول شيوخنا الذين تحولوا على المنابر ثوريين يرسلون أولاد الناس الى الحروب ويبعثون أولادهم الى المدارس الأوروبية والأميركية. (نهاية مقالة السيد عبد الرحمن الراشد)

*****

كلامٌ ظاهره حسن، أما باطنه فكذبٌ على النفس وعلى الناس معاً.

ما قاله السيد الراشد عن كون كل الإرهابيين مسلمين هو كلام حق، لا بل سنكون أكثر عدلاً منه ونقول أن هناك إرهابيين غير مسلمين أيضاً، رغم اختلاف الدوافع والمدارس.  لكن، لو توقف السيد الراشد عند هذا الحد في جَلدِ الذات، دون أن يحاول تبرئة الإسلام، لقلنا أن الرجل يعرف تماماً مصدر الإرهاب، ولكنه يخشى لأسباب اجتماعية ووظيفية ـ وبالتأكيد مصيرية ـ أن يذهب حداً أبعد مما ذهب إليه، قد يكلفه رأسه.

السيد الراشد لم يكن جريئاً ولا صريحاً، كما تحدث عنه معلقون، وما قاله لم يكن إلا ذراً للرماد في العيون.

ما قاله لم يكن إلا محاولة فاشلة لتحسين وجهٍ وُلد مشوهاً قبيحاً.

يقول السيد الراشد أنّ الإسلام "دين بريء، أدلته صريحة في نصوصه تحرم قطع الأشجار لضرر، وتصف القتل بأعظم الجرائم، وتدين من يطأ حتى على حشرة، وتكافئ من يروي ظمأ هرة.." ولكنه يتجاهل كل النصوص التي تدعو المسلمين لقتال غير المسلمين وتعلمهم على عدم الثقة بهم وتشجعهم على إذلالهم.. وماذا عن النصوص التي تسمي غير المسلمين بالفاسقين وبالقردة والخنازير؟!.. أية نصوص تلك التي يقول عنها بأنها تصف القتل بأبشع الجرائم؟.. أم لعلّه يتحدّث عن النصوص التي تحرم على المسلم قتل مسلم إلا بحقٍّ.. ويتجاهل تحليلها لدم غير المسلم؟

  

يقول أن إصلاح حال الشباب الذين ينفذون هذه الجرائم الشنيعة لن يتم إلا عقب معالجة عقول الشيوخ؟.. لكن من أين يستمد هؤلاء الشيوخ فتاواهم بالقتل والإرهاب؟.. أليس كتابهم ـ كتاب السيد الراشد ـ هو الذي يكفّر كل الناس الذين لا يؤمنون بمحمد:

  • "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم.." (آية 72 سورة 5 المائدة)
  • "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة.." (آية 73 من سورة 5 المائدة)
  • "وقالت اليهودُ عُزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنَّى يؤفَـكون. (آية 30 سورة 9 التوبة)

إذن، ما ذنب هؤلاء الإرهابيين إذا قرروا العمل بتعاليم هذا الكتاب الذي يقول لهم:

  • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 123)
  • ".. فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ" (التوبة 12)
  • يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (التوبة 73)
  • "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا مصدقاً لما معكم من قبلِ أن نطمس وجوهاً فنردَّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا." (آية 47 سورة 4 النساء)
  • "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق (أي الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.. حسب تفسير الجلالين) من الذين أوتوا الكتاب (أي المسيحيين واليهود حسب المصدر نفسه) حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." (أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام. حسب المصدر نفسه) (آية 29 سورة 9 التوبة)
  • "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم." (آية 5 سورة 9 التوبة)
  • وما ذنبهم إذا قرروا أن يعملوا بما قال لهم محمد:
  • "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. وفي رواية أخرى عنه قال: تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله." (بخاري)

في الواقع، إن كلاماً ككلام السيد الراشد لا يقود هذه الأمة إلى الخلاص من الإرهاب إنما إلى ترسيخه. هذا الإرهاب سيبقى اسماً لها إلى أن تتخلص من هذه الإيدولوجية التي تقف حاجزاً بينها وبين كل الأمم المتحضرة. وهذا لن يكون إلا حين تصل الجرأة والصراحة، بالمفكرين من أتباع هذه الملة، مرحلة ينطقون فيها بالحقيقة دون مواربة ولا خوف من فقد وظيفة أو رأس؛ مرحلة يقولون معها، "طز" بالوظيفة و"طز" بالمحاكم الشرعية، و"طز" بكل هؤلاء الشيوخ الجهلة خريجي مدارس القرن السابع وفتاواهم السخيفة.. لا بل "طز" بهكذا عقيدة تبقينا وتبقي أجيالنا القادمة في مؤخرة الأمم حتى ولو كانت هذه العقيدة من إله موجود حقاً: "مشكلتنا ليست في كثرة الإرهابيين بيننا.. مشكلتنا هي في هذه العقيدة التي تنجب الإرهابيين!.."

آنذاك فقط، يمكن أن نقول أن في هذه الأمة ككل الأمم الأخرى، أبطالاً حقيقيين.

***************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط