ميرزم عيد / Aug 09, 2005

"حمير انكلترا تحصل على حقوقها. نريد أن تكون الحيوانات سعيدة وفي صحة جيدة"، هذا ما صرح به متحدث باسم بلدية بلاكبول شمال غرب انكلترا بعد صدور قرار يضمن حقوق عمل الحمير بتحديد ساعات عملها؛ تبدأ في العاشرة صباحا وتنتهي حكماً في الساعة 7 مساء من كل يوم، كما يحق للحمير فحصاً طبياً يقوم به بيطريون، إضافة إلى فترة استراحة رسمية للعلف. إضافة إلى ذلك، أرغم هذا القرار المراقبين البلديين على التحقق من تخصيص ساعة محددة لتناول الحمير الطعام، لاسيما أن هناك نحو 200 حمار على شواطئ منتجع بلاكبول الذي يرتاده عدد كبير من السياح؛ حيث تعمل الحمير في نقل السياح إلى الشاطئ منذ أكثر من قرن وبخاصة بعد تقاعدها من عملها السابق في المناجم!!..

 

هذا ما يحصل في انكلترا. هكذا تفكر الحكومة الانكليزية اليوم بعد انتهائها من قضايا حقوق الإنسان. هم يرفعون شعار: حيوانات سعيدة وفي صحة جيدة. هذا الشعار ـ حتماً ـ لا يعنينا نحن السوريين حكومة وشعباً. هو شعار طوباوي غير قابل للتحقيق عندنا ولو بعد مئات الخطط الخمسية التي تخطط حكومتنا الموقرة لتنفيذها. شعارنا المرحلي هو: مواطنون سعداء وفي صحة جيدة. المشكلة في هذا الشعار المرحلي هي مرحليته "المستدامة". يعني تأتي الحكومة ثم تطير ويبقى الشعار مرحلياً. أنا شخصياً لا تقلقني هذه الحقيقة التي تحولت إلى بديهة. ما يثير السخرية لدي هو المفارقة بين حميرهم (حمير الانكليز) وحميرنا. عندما يتبادل الانكليز الشتائم فيما بينهم لا ينعت أحدهم الآخر بالحمار. قد ينعته بالحقارة والوطاوة والوصولية والانتهازية.. الخ ولكن ليس بـ "الحمرنة". عندنا الأمر مختلف. أبسط عبارة تحقير: "جحش ابن جحش"، أو مع تعديل طفيف في العبارة حرصاً على الذوق العام: "حمار ابن حمار"!!. المفارقة في الموضوع تحصل عندما نطبق نظرية النسبية على الشاتم والمشتوم. أعتقد أن شعور المشتوم بالاهانة سيختلف، ولو قليلا، عندما تصبح العبارة: "حمار انكليزي ابن حمار انكليزي!!.."

 

لكن دعونا نتساءل، وبعيداً عن توجيه إهانة لأحد: من هو المسؤول عن "تجحيش" الناس عندنا؟. ليس كل الناس بالطبع؛ بل فئة كبيرة منهم، لأن الآخرين، على ما يبدو، محصنون (جينياً أو اكتساباً) ضد داء "الحمرنة"!.. هل هي حكومتناالموقرة؟.. هل هم رجال السياسة المحنطة والإعلام الموجه؟.. هل هم رجال الدين المتطرفون حتى النخاع؟.. أم هم ديوك الأحزاب الموالية للسلطة والملتحفة تحت عباءتها إلى يوم الدين؟!.. ثم، ولكي نكون منصفين، ألا يتحمل هؤلاء الناس، والذين ارتضوا لأنفسهم الخنوع لهذا الداء، قسطاً كبيراً من المسؤولية عنه؟؟. لن نبحث في هذه الأسئلة الكثيرة، والتي تحوي ضمنيا الإجابة بين طياتها، لكننا نعتقد (بمرارة وسخرية) أن انتقال هؤلاء الناس من حالة "الحمرنة" المفروضة إلى حالة "الأنسنة" المرجوة يستوجب عليهم تجاوز حالة "البقرنة" المتوارثة!!. ولمن أشكل عليه فهم هذا المصطلح الأخير (البقرنة: مأخوذ من أبقار) نسوق المثال التالي، وهو على ذمة الراوي الدكتور أحمد صبحي منصور، من دون تعليق:

{في عصر الخليفة المأمون كان الشاعر العتابى يسير في شوارع بغداد، فدخل السوق وهو يأكل الطعام، وكان ذلك يخالف المروءة أو"الاتيكيت" لدى أرباب الطبقة العليا، ولذلك احتج عليه صديقه قائلا "أتأكل الطعام في السوق ويراك الناس؟" فقال له العتابى ساخراً: "وهل أولئك ناس؟ إنهم بقر"، فاحتج صديق العتابى وزمجر، فقال له العتابى: "سأريك إن كانوا ناساً أم بقراً" ثم صعد إلى الربوة ونادى في الناس "يا قوم هلموا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"،  فتدافع إليه الناس واجتمعوا حوله، وأقبل يحدثهم يقول: روى فلان عن فلان عن فلان أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال..  وظل يخرج من حديث إلى آخر وقد تعلقت به العقول والقلوب والعيون، وسيطر على المستمعين، إذا حرك يده يميناً تحركت رؤوسهم يميناً، وإذا أومأ برأسه يسارا التفتوا يسارا. إلى أن قال لهم: "وروى غير واحد (أي أكثر من واحد) "أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ لسان أحدكم أرنبة أنفه دخل الجنة" وسكت.. فإذا بكل واحد من المستمعين يخرج لسانه يحاول أن يصل به إلى أنفه، وأصبح منظرهم مضحكا، فالتفت العتابى إلى صديقه ساخراً وقال: ألم اقل لك أنهم بقر؟!}

***********  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط