بسام درويش / Sep 20, 2009

الر! تلك آيات الكتاب الحكيم!

*********

يقول الكتاب الحكيم:

"فيُضِلُّ الله من يشاء ويَهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم." (سورة إبراهيم 14 : 4)

معنى هذه الآية لا يصعب على أي ناطقٍ بالعربية، سواء كان مثقفاً بنحوها أو غير مثقف. إنها واضحة كل الوضوح على العكس من الكثير من الطلاسم القرآنية التي لا زال "علماء المسلمين" لا يجدون لها من تفسير سوى القول بأنّ "الله أعلم بمراده بذلك...!" (كتفسيرهم لعبارة "الر" التي تبتدئ بها هذه الآية نفسها)

هذه الآية تقول بكل بساطة إنّ هذا الله يهدي من يريد ويضلّ من يريد وهو القدير الحكيم!   

المشكلة إذاً، ليست في فهم معنى الآية، إنما في فهم الحكمة وراءها.

***********  

إذا كان اهتداء الإنسان إلى طريق الحق أو ابتعاده عنه هو قرار إلهي مفروغٌ منه، فالسؤال المطروح إذاً، ما هو ذنب الإنسان الضالّ؟ وما هو فضل الإنسان الذي لم يضلّ؟

غرابة هذه الحكمة الإلهية لا تتوقف عند هذا الحد. لننظر فيما تقوله آية أخرى متابعةً الحديث عن الموضوع:

"مَن يُضلِلِ اللهُ فلا هادي لهُ ويَذَرهُم في طغيانهم يعمهون." (الأعراف 7 : 186)

أي، وبعبارة بسيطة: عندما يقرر الله أن يضلّ عبداً من عباده فلن يجرؤ أحدٌ على مخالفة هذا القرار الإلهي بالتفكير بمساعدة المسكين الضال للعودة عن ضلاله. ولأن الله حكيمٌ واسعُ الاطلاع، فإنه يعرف ما يدور بأذهان البشر وأنهم سوف يتساءلون عن السبب، ولذلك، فإنه يجيب على تساؤلاتهم ويحذرهم في آية أخرى قائلاً: "أتريدونَ أن تَهدوا من أضلَّ اللهُ، ومن يُضللِ اللهُ فلن تجدَ له سبيلاً." (النساء 4 : 88) [بالمناسبة، فليتأمل القارئ بهذا التخبيص اللغوي حيث يبدا الله بمخاطبة الناس بصيغة الجمع ثم يتحول إلى صيغة الفرد: "أتريدون" .. فلن تجدَ!"] أي، وبالكلام البسيط: أتريدون مخالفة أوامري بمساعدة الضال للعودة عن ضلاله... أنا أحذركم.. إني إذا اضللتُ أحداً فلن يكون هناك من يعيده إلى الطريق الصحيح!

*************

يا لهذا الإعجاز ويا لهذه الحكمة!

أيّ إلهٍ عادلٍ هو هذا الله الذي يقرر أن يضلّ بعض خلقه، ويحرمهم من العودة إلى الهدى، ثم يوقد لهم نار جهنم يزجّهم فيها ويعذّبهم إلى الأبد لأنهم ضلوا وابتعدوا عن صراطه المستقيم، ليس بمحض إرادتهم، إنما بقرار منه هو نفسه...!

وأيّ إله حكيمٍ هو هذا الله الذي يضلُّ بإرادته بعض خلقه ثمّ يعطي أوامره لبعض خلقه الآخر بقتالهم لأنهم كفروا وضلّوا:

"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليومِ الآخرِ ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُه ولا يَدينون دينَ الحقِّ من الذين أوتوا الكتابَ حتى يُعطوا الجِزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون" (التوبة 9 : 29)، ذلك لأنهم "كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله" و" ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا" (النساء 4 : 167)

هذه التخبطات القرآنية لا حدود لها على الإطلاق، فنحن عندما نستمع إلى ما يعلمنا إياه القرآن بأنّ الله "هُوَ الَّذِي أرسلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ!" (التوبة 9 : 33) فإننا نتساءل: لماذا يكبّد الله نفسَه مشقّة إرسالِ رسولٍ كمحمد، مسلّحاً إياه بكتابٍ يصفه بأنه "هدىً" للعالمين، إذا كان قد قرر سلفاً أن يضلّ بعض الناس إلى الأبد حارماً إياهم من أية فرصة للعودة إلى طريق الهدى؟

لمن جاء محمد بالهدى...؟ إذا كان المهتدون لا يحتاجون إلى من يهديهم لأن الله قرر سلفاً ان يهديهم، وإذا لم يكن هناك أي أملٍ للضالين بالعودة إلى الصراط المستقيم لأن الله قرر أن يضلهم ولا يسمح لأحد بأن يهديهم.. فما هي الغاية من إرسال محمد إذاً؟ وما نفع ترداد المسلمين ملايين المرات كل يوم: "إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين..!؟"

************

عزيزي القارئ، إذا اعتقدت أن القرآن يقف عند هذا الحد من التخبيص في موضوع الهدى فخذ نفساً عميقاً وتابع القراءة.

هذا الله الذي تفتقت مخيلة محمد عنه ليس هو وحده الذي يملك القرار في التلاعب بالبشر. هناك شريك له في إضلال الناس على الرغم من أنّ أهم تعاليم القرآن تقوم على القول بأن الله لا شريك له بشيء! لننظر فيما يقوله القرآن:

"...ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً." (النساء 4 : 6) ويقول أيضاً: "ومنَ الناسِ من يُجادل في الله بغير علمٍ ويتّبع كلّ شيطان مَريد. كُتِبَ عليه أنه من تولاه فأنه يضلُّهُ ويهديه إلى عذاب السعير." (الحج 22 : 3 ـ 4) كذلك يقول: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، ولقد اضلّ منكم جِبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون!." (يس 36 : 60 ـ 62)

إذاً، فيبدو واضحاً أنّ هناك قاسماً مشتركاً بين الله والشيطان، على الأقلّ في موضوع خداع الناس وإبعادهم عن الطريق الصحيح. وإذا كان الله والشيطان يشتركان معاً في عملية إضلال الناس، فكيف للإنسان الضعيف أن يفرّق بين وسوسة الشيطان ووسوسة الله؟ 

تُرى هل هناك منافسة بين الله والشيطان على إضلال الناس، أم أن الشيطان والله ليسا في الحقيقة إلا اسمين لمسمّى واحد تقمص في نفس محمد فكان نتاج ذلك التقمص ما يزيد عن البليون من الجهلة الذين لا زالوا يؤمنون بهذه الحكمة!

==============

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط