بسام درويش / Mar 02, 2014

الإنسان يولد ضعيفاً عاجزاً كل العجز عن تدبير أموره بنفسه. يحتاج إلى من يطعمه ويوفّر له الدفء والرعاية بكل أشكالها لسنين كثيرة بعد ولادته. وخلال فترة نموّه، وحتى بلوغه مرحلة من العمر يستطيع عندها الاعتماد كلياً على نفسه ويستقل فيها عن أهله، يستمر أهله على الاهتمام به وتقديم ما هو أكثر أهمية له من الطعام واللباس، ألا وهو النصح والإرشاد. لا بل غالباً ما يستمر الأهل على إرشاد أبنائهم حتى بعد أن يكبروا ويصبحوا هم أنفسهم آباءً وأمهات.

طبعاً، نحن نتحدث هنا عن أهل صالحين يحبون أولادهم ولا يرجون لهم إلا الخير، ومعظم الأهل هم بالتأكيد كذلك. ولأنّ هذا الأمر حقيقة لا يختلف فيها إثنان، فإنه لم يكن ليخطر بفكري أن أكتب عنه لو لم أجد نفسي مدفوعاً إلى ذلك دفعاً وأنا أقرأ بعض آياتٍ من القرآن تتحدث عن الهدى.

تقول إحدى هذه الآيات، "إنّ الله يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء..."(1)

توقفت عند هذه الآية متسائلاً وعاجزاً عن معرفة الحكمة وراءها: هذا الله الذي خلق الناس من نفسٍ واحدة كما تقول آية قرآنية أخرى "هو الذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ..."(2)، لماذا يميّز بين خلقه هذا التمييز الغريب فيضلّ بعضهم بينما يهدي البعض الآخر؟ أما ما يحيّر الألباب أكثر من ذلك، فهو حكمه على الذين يضلّهم بأن يبقوا كل حياتهم ضالين لا يجدون من يهديهم لأنه لا يسمح لأحد بأن يهديهم: "ومن يُضلل اللهُ فما له من هادٍ!"(3) و"أتريدون أن تهدوا من أضلَّ اللهُ ومن يُضلل اللهُ فلن تجد له سبيلا!"(4)

 

هل يعقل أن يكون خلائق الله أنفسهم، من الآباء والأمهات، أكثر عدلاً وحكمةً من خالقهم في تعاملهم مع أولادهم، لا يتعمدون إضلالهم ويفعلون كل ما بوسعهم لتوجيه خطواتهم إذا ما لاحظوا بأنهم يبتعدون عن الطريق الصحيح؟

 

مفهوم الهدى في الإسلام لا يقبله عقلُ أي مُرَبٍّ صالح.

دعونا نتصوّر: خلائق الله من الناس يكدحون ليل نهار لتنشئة أولادهم وحمايتهم من الضلال، بينما الله الذي خلقهم يحيك المؤامرات عليهم ليفسدَ مسعاهم ويضلّ بعض أولادهم!

 

يقول محمد: "الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله!"(5)

إذا كان أفضل الخلق لدى الله أنفعهم لعياله، أفلا يجدر أن يكون هذا الله المثال الأعظم في نفعه هو نفسه لخلائقه؟

ويقول محمد أيضاً إنّ "الناس كلهم سواء كأسنان المشط"، فلماذا إذاً يميز الله بينهم فيهدي بعضهم ويضل البعض الآخر عامداً متعمداً ثم لا يسمح لأحد بهدايتهم؟

***********

مفهوم الله في الإسلام مفهوم عجيب غريب إذ يصوّره للناس كائناً رهيباً، حاقداً، متناقضاً، إله خيرٍ وإله شر، يكره الضلال ولكنه مصدر الضلال، لا يحب الظالمين أو الكفار أو الفاسقين أو الكذابين، ولكنه لا يحاول إصلاحهم أو إعطاءهم الفرصة كي يصلحوا أحوالهم ويهتدوا. فهذا الله كما يقول عنه القرآن: "لا يهدي القوم الظالمين"، و"لا يهدي القوم الكافرين"، و"لا يهدي القوم الفاسقين"، و"لا يهدي من هو كاذب كفار"، و"لا يهدي من هو مسرف كذاب"، و"لا يهدي كيد الخائنين"، و"الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم"(6)

إذا كان هؤلاء كلهم محرومين من هدى الله، فمن هو الذي يحتاج إلى الهدى إذاً؟ هل هو الذي يعرف طريق الحق أم ذاك الذي شرد عنه وضلَ؟

لماذا سلّط الله إذاً محمداً على بني البشر، يحاربهم ويفرض عليهم بحد السيف أن يختاروا بين الإسلام أو دفع الجزية، طالما أن الله هو الذي يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء؟

ولماذا أمر الله المسلمين أن يجلبوا الناس إلى الإسلام والسلاسل في أعناقهم؟(7) هل يعني ذلك أن قدرة الله على إضلال الناس هي أعظم من قدرته على هدايتهم ولذلك يحتاج إلى محمد وجيشه ليساعده في تنفيذ "مشيئته" بهدى "بعض" الناس؟ 

=============

لا أملك هنا إلا المقارنة بين مفهوم الهدى في المسيحية مع هذا المفهوم الأعوج للهدى في الإسلام.

يقول الإنجيل على لسان المسيح: "أيّ إنسان منكم له مئةُ خروفٍ، وأضاع واحداً منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضالّ حتى يجده؟ وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً ويعود به إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم، إفرحوا معي لأني وجدت خروفي الضالّ. أقول لكم إنه هكذا يكون فرحٌ في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارّاً لا يحتاجون إلى توبة."(8)

كذلك يقول الإنجيل:

"[الله] الذي يريد أنّ جميع الناس يَخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبلون."(9)

============

السبب وراء هذه النظرة المختلفة إلى الهدى بين الايديوليجيتين، الإسلام والمسيحية، يرجع إلى الفارق العظيم في مفهوم فكرة الله عموماً وعلاقة الإنسان معه خاصةً. ففي الإسلام، الله هو قائد جيش، مقاتلٌ مكّار، يسخّره محمد لخدمة أهدافه وطموحاته؛ وعلاقته مع خلائقه هي علاقة سيد مستبدّ مع عبيده لا تفارق يده العصا. بينما هو في المسيحية خالقٌ محب لخلائقه محبةً عظيمة إلى درجة أنه يبعث بروح منه ليتجسد ويعيش بينهم وليعيد من ضلّ منهم إلى ذراعيه، وعلاقته معهم علاقة أبٍ مع أبنائه. هذه العلاقة بالذات، يصعب على المسلمين فهمها لسبب وجيه، وهو أن الإسلام دين مبني على المادة في هذه الحياة وفي الحياة الموعودة، وأيّ حديث خارجٍ عن نطاق المادة يشكل معضلةً لعقل المسلم.

***********

*******

مراجع:

1 ـ (سورة فاطر 35 : 8)

2 ـ  (الإنعام 6 : 98)

3 ـ  (الرعد 13 : 33)

4 ـ النساء 4 : 88

5 ـ عن أنس بن مالك رواه البزاز والطبراني في معجمه.

6 ـ سورة البقرة، آل عمران، المائدة، الإنعام وغيرها...

7 ـ عن أبي هريرة: كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال: [أي كنتم] خيرَ الناس للناس تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام! (صحيح البخاري)

8 ـ لوقا 15 : 4 ـ 7

9 ـ 1 تيموثاوس 2 : 4

===============================

نشرت هذه المقالة في 3 يونيو 2013 ويعاد نشرها اليوم بعد أن قام السيد موريس صليبا مشكوراً بترجمتها إلى الفرنسية.

أنقر هنا لقراءة المقالة بالفرنسية 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط