بسام درويش / Dec 04, 2002

الأحداث الأخيرة التي جرت في نيجيريا لم تنته بعد تماماً. ففي بلد متخلف كهذا البلد وأمثاله، لا يعقل لأحداث كهذه أن تنتهي. الجنون فيه متأصل، سواء كان في المسلمين أو في المسيحيين.

بيوت وكنائس ومساجد أحرقت. ما يزيد عن المائتين من البشر سقطوا قتلى. مئات من الجرحى. ومئات الآلاف من الدولارات ذهبت هباءً في بلد يبكي أبناؤه للحصول على رغيف خبز.

 

وإذا كان هناك بعدُ من لم يسمع بالأسباب التي أدّت إلى اندلاع هذه الأحداث فإننا نوجزها بما يلي:

احتجّ المسلمون على إقامة مسابقة انتخاب ملكة جمال العالم في نيجيريا لأنها مخالفة للحشمة. سخرت صحيفة محلية من هذا الاحتجاج وأعلنت على إحدى صفحاتها بأن "النبي" محمد نفسه لو شهد مسابقة كهذه لما تأخر عن اختيار واحدة من المتسابقات زوجة له. ثارت ثائرة المسلمين، فقاموا بمهاجمة المناطق المسيحية. أحرقوا المحلات التجارية، أحرقوا الكنائس، وذهب ضحية غضبتهم عشرات من الناس أكثرهم لا علاقة لهم لا بالمهرجان ولا بما أعلنته الصحيفة. وردّ المسيحيون الهجوم بهجوم معاكس، وقيل أنهم أيضاً قاموا بإحراق مساجد للمسلمين ومحلات تجارية كما قتلوا منهم أيضاً من قتلوا.

 

تُرى هل يستحق المسيحيون المشاركون في هذه المعمعة كلمة دفاع بحقهم، أو هل يستحق المسلمون الغاضبون لكرامة محمد كلمة تعاطف معهم؟.. من السخف أن نقول نعم!

فبصراحة ما بعدها صراحة، إن كل الأطراف، مسلمين كانوا أو مسيحيين، هم برأيي مجانين لا يستحقون دفاعاً ولا تعاطفاً، لكن ثمة كلمة حق لا مفرّ من قولها. صحيح أن للمسلمين كل الحق بالتعبير عن رأيهم بإقامة مهرجانات كهذه، ولكن، كما أن لهم الحق في إبداء رأيهم، فإن لغيرهم الحق بالرد على هذا الرأي. ربما يقف من يقول بأن الرد كان ساخراً ومهيناً للمسلمين، ولكن هل يتوقع المسلمون أن يفرضوا على العالم معاييرهم في أسلوب التعبير عن الرأي. إضافة إلى ذلك فقد كان محمد، باعترافه هو وبشهادة أتباعه، رجلاً شغوفاً باقتناء النساء، لديه من القدرة الجنسية ما يوازي قدرة أربعين أو مئة رجل. ومن هذا المنطلق، فإن القول بأنه ما تردد لو كان حياً عن اتخاذ إحدى المتسابقات زوجة له، هو قول لا يخالف الحقيقة أبداً. إنه هو القائل عن نفسه، "أحب إليَّ من دنياكم النساء والطيب!" وفي الحقيقة لم يبخل الرجل على نفسه أبداً، إذ كان له ما يزيد عن اثني عشرة زوجة عدا عن العدد الكبير من الإماء والسرايا.

 

مع كل ذلك، لا أملك إلا أن أقول بأن تورط المسيحيين في معمعة كهذه، رغم أنه كان على الأغلب دفاعاً عن النفس أمام هجمة مجنونة مفتعلة، هو بالتأكيد أمرٌ شائن يجعل مهرجاناً كهذا يبدو للمسلمين الجاهلين بمبادئ المسيحية وكأنه من الأمور التي تشجّع عليها. وعلى أية حال، فإني اتفق مع المسلمين في معارضة إقامة هذا النوع من المسابقات، ولكن ليس من نفس المنطلق.

************

يدّعي المسلمون بأن المسابقة تنافي قواعد الحشمة الإسلامية، فدعونا ننظر في هذه الحشمة التي يقولون بأنها من صلب تعاليم الإسلام!

إنَّ فَرْضَ الإسلامِ على المرأة لباساً معيناً أو نمطَ حياةٍ معين لم يكن أساساً لغاية الحشمة نفسها، بل لتذكيرها دائماً وأبداً بأنها من مقتنيات الرجل وأن مقدّراتها ليست بيدها بل بيده لأنه قوّام عليها. الإسلام في الحقيقة لا يعرف الحشمة، لا في تعاليمه، ولا في حياة مؤسسه، وإني لأتحدّى المسلمين أن يعرضوا على أطفالهم ما تحويه كتبهم الدينية من الأحاديث المتعلقة بالجنس والتي تثير تفاصيلها القرف لدى الذين يعرفون المعنى الحقيقي للحشمة. هذه الكتب،  بدءاً بالقرآن، ومروراً بالأحاديث والسيرة، وانتهاء بالمواقع الإسلامية على الإنترنت التي تهتم بجمع كل هذه الكتب، هي شبيهة ببعض تفاصيلها بالمجلات السوقية المثيرة للغرائز الجنسية، ولكن بشكل مقزِّز أكثر منها. اللهمّ إلا إذا كان المسلمون يرون سمواً روحياً في التأمل بأخبار ما علق على ثوب محمد من المني بعد جماعه مع عائشة أو بأخبار وضعه لإزار على فرجها ليتمكن من مباشرتها في صدرها وهو صائم؟.. أو لعلّهم يرون الحشمة في كتبهم التي تحدثهم عن رجال الجنة أصحاب "الذكور" دائمة الانتصاب؟..

**************

إذ أنّ الحديثَ بالحديثِ يُذكر، لا بدّ هنا من الإشارة إلى أن محمداً لم يقم بفرض الحجاب على المرأة لأجل الحشمة بحد ذاتها، إنما فعل ذلك غيرة على نسائه ولأجل راحته الشخصية فقط. ففي مطلع الإسلام كانت النساء، ومن ضمنهنّ نساء محمد، يخرجن سافرات ويستقبلن الرجال في بيوتهنّ كما كنّ يفعلن قبل الإسلام، إلى أن قرر محمد ذات ليلة أن يفرض عليهنّ الاحتجاب، والذي أصبح فيما بعد نمط حياة للمرأة المسلمة ورمزاً لحشمةٍ مزيفة كاذبة. تتحدث الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها "نساء النبي" عن قصة بدء الحجاب مستشهدة بالطبري والسبط الثمين ومراجع أخرى فتقول:

"طار البشير إلى زينب بالخبر السعيد ((الخبر السعيد هو خبر إعلان محمد عن رغبته بالزواج من زينب بنت جحش التي طلقها زيدٌ ابنه بالتبني)) قيل حملته إليها سلمى خادم الرسول وقيل بل مضى به إليها زبد نفسه، فتركت ما بيدها وقامت تصلي لربها شاكرة. وكانت وليمة العرس حافلة: ذبح الرسول شاةً وأمر صلى الله عليه وسلم مولاه أنس بن مالك أن يدعو الناس إلى الوليمة فترادفوا أفواجاً، يأكل فوجٌ فيخرج، ثم يدخل فوج. إلى أن قال أنس: يا رسول الله دعوتُ حتى ما أجد أحداً لأدعوه.. فقال صلى الله عليه وسلم: ارفعوا طعامكم. وللمرة الثانية، تدخلت السماء في الحياة الزوجية ((!!!)) للرسول صلى الله عليه وسلم بسبب زينب. ((أول مرة حين ادّعى محمد أن الله أوحى إليه بأن لا باس بأن يتزوج من زوجة ابنه والثانية هي في هذه الحادثة!!)) ذلك ان المدعوين قد طابت لهم الجلسة بعد ان فرغوا من الطعام، فأقاموا يتحدثون. وحين طال مكثهم، بدا الرسول كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك منهم قام يزور نساءه ريثما ينفض المجلس، فانصرف القوم إثر قيامه، إلا ثلاثة نفر ظلوا حيث هم، إلى أن طاف الرسول كعادته بنسائه جميعاً وتلقى تهنئتهنّ بالعروس الجديدة ((حسب الأحاديث كان يطوف على نسائه كلهنّ فيجامعهنّ في ساعة واحدة)) وآن له أن يخلو إلى زينب فإذا الثلاثة جلوس ما يزالون يسمرون. ومنعه حياؤه الشديد (!!) أن يصرفهم من بيت العروس التي كانت تجلس هنالك مولية ظهرها إلى الحائط، فخرج منطلقاً نحو حجرة عائشة، وبقي أنس منتظراً مع الضيوف حتى انصرفوا، فأسرع إلى الرسول ينبئه بذلك، فجاء صلى الله عليه وسلم واتجه نحو حجرة زينب، حتى إذا بلغ عتبتها أرخى الستر بينه وبين انس، وتلا ما أُنزِل عليه من وحي السماء: ـ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذنَ لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إِنَاهُ ولَكِن إِذا دُعِيتُمْ فادخُلوا فإِذا طَعِمْتُمْ فانتَشروا وَلا مُستَأنسين لحدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كان يؤْذي النَّبِيَّ فيسْتَحْيِي منكم والله لا يستحيِي من الحقِّ وإِذا سأَلتموهنَّ مَتاعا فاسأَلوهنَّ من وراء حجابٍ ذلِكُمْ أَطهرُ لقلوبكمْ وقلوبهنَّ وما كان لكمْ أَن تؤْذوا رسولَ الله ولا أَن تنكِحوا أَزواجَهُ من بَعدِهِ أَبدًا إِنَّ ذلكُمْ كانَ عندَ الله عَظيمًا ـ ومن تلك اللحظة، فُرِضَ الحجاب على نساء النبي، وعلى المؤمناتِ جميعاً، رمز تصون وعزة، وسمة كرامة وترفع عن الابتذال." ((مع الملاحظة بأن الآية المذكورة لا تتحدث عن عزة ولا عن كرامة ولا ترفع عن الابتذال.. ولا عن حشــمة!..  كل ما في الأمر أن الرجل لا يريد أن يزعجه أحد حين تحين ساعة الخلوة مع نسائه!))

 

هنا، أعود إلى ما سبق وذكرت بأنني اتفق مع المسلمين في معارضة إقامة هذا النوع من المسابقات ولكن ليس من نفس المنطلق الذي أسهبتُ في الحديث عنه. معارضتي لا تتعلق بموضوع الحشمة فالحشمة هي بعين ناظرها وكذلك هو الجمال.

 

شعوب العالم تختلف في تعريفها للحشمة، ولكل أمة، لا بل لكل مجموعة صغيرة داخل الأمة نفسها، نظرة تختلف عن نظرة الآخرين إليها. مفهوم الحشمة يختلف حتى بين المسلمين أنفسهم، إذ يرى بعضهم أن الحشمة هي في عدم إظهار أي طرف من أطراف الجسم، بينما لا يرى آخرون بأساً من إظهار الوجه واليدين أو غير ذلك. ولكن، هل الحشمة هي في اللباس حقاً؟..

************

كان معلم اللغة في المدرسة التي كنت أتابع فيها دراستي خلال المرحلة الثانوية عقيداً متقاعداً من الجيش يقارب الخمسين من عمره. كان وسيم الطلعة دائم الأناقة لطيف الكلام ورغم أنه كان متزوجاً لسيدة جميلة وله منها فتاة بسن المراهقة، فقد كان زير نساء بكل معنى الكلمة. كان عدد الطلاب في صفنا لا يتجاوز الاثني عشر طالباً وقد ربطت بيننا جميعاً صداقة متينة. عرفنا أن لأستاذنا مغامرات عاطفية، وفي الحقيقة كان هو نفسه يتباهى بها أحياناً. وإذ مضى على هذه القصة زمن طويل، فإني سألتزم الدقة في السرد باستثناء ذكر الأسماء.

 

اتفقنا ذات يوم على مراقبة المعلم الدونجوان، فتبين لنا أنه قد استأجر شقة في شارع الفردوس قرب سينما الدنيا. أخيراً، ظهر بأنه يذهب إلى تلك الشقة بعد ظهر كل خميس، وبعد أن يصل إليها بدقائق، يبدأ توافد مجموعة من الفتيات الواحدة بعد الأخرى وقد بلغ عددهن ذات يوم سبعة فتيات.

لا أعرف حتى اليوم من هو الذي قام بتبليغ زوجة المعلم بما كان يحدث في الشقة، ولكني على يقين بأنه كان واحداً منا. لقد قامت الزوجة بمداهمة الشقة لتفاجئ المعلم مع الفتيات يرقص معهن وهنّ سكارى وشبه عاريات. 

ما لم آتِ على ذكره حتى الآن في سردي لهذه الحادثة، أن الفتيات كلهنّ كنّ يصلن إلى الشقة متحجبات، من الرأس إلى أخمص القدمين!

 

حادثة كتلك ليست فريدة في نوعها في الشرق الإسلامي، ولكن، وإذ أنها كانت واقعةً خبرتها أنا نفسي ولم أقرأها في صحف المساء المختصة بأخبار المجتمع ومشاكله، فإنني أقدمها دليلاً لا يؤكد فقط بأن الحشمة ليست في الحجاب، إنما دليلاً على أن الحجاب يمكن أن يكون بحد ذاته افضل أداة لتسهيل الدعارة. هذا الحجاب الذي وصفه الشاعر الزهاوي بالحارس الكذاب وناشد الفتاة المسلمة أن تخلعه وتحرقه قائلاً:

مزقي يا ابنة العراقِ الحجابا واسفري: فالحياة تبغي انقلابا

مزقيه واحرقيه بلا ريثٍ فقد كـــان حارســاً كذّابـا

*********** 

قلت إني أنا أيضاً أعارض مسابقات انتخاب ملكات الجمال، وألخّص أسباب معارضتي بما يلي:

أولاً: لا يحق لأحد أن يتفاخر بشيء لم يبذل أي جهد في اكتسابه، والجمال ليس من الأمور التي يكتسبها الإنسان بجهوده الخاصة. إنه منحة من الله بالنسبة لأولئك الذين يرجعون كل شيء إلى الله، أو جينة وراثية بالنسبة للذين يحللون الأمور علمياً، سواء كانوا مؤمنين بالله أو غير مؤمنين.

ثانياً: الجمال هو في عين ناظره فقط. إضافة إلى ذلك، أومن كل الإيمان بأن الجمال الحقيقي هو في جمال الروح وحسن الطبع وليس في ملامح الوجه أو في الوزن أو مقاسات الخصر والوركين. ليس هناك إنسان ذو خلقة بشعة بل هناك إنسانٌ ذو خلقٍ بشع.

ثالثاً: تلعب السياسة أحياناً ـ إن لم نقل غالباً ـ دوراً في هذه المسابقات، وكذلك الميول الشخصية لأعضاء اللجنة

سواء كانت ميولاً عنصرية أو إقليمية. وحتى لو كان أعضاء اللجنة متجردين من كل تحيز عنصري أو إقليمي أو سياسي أو غيره، فما هي تلك الميزة الفريدة من نوعها التي يتمتع بها هؤلاء لتجعل منهم خبراء في الجمال أكثر من غيرهم من بني البشر؟..  

 

وعلى أية حال، مهما بلغت شدة معارضتي، فإنها لن تبلغ درجة قتل الناس أو إشعال النار في بيوت الذين يخالفوني الرأي، أو التحريض بفتوى على قتل من يسخر برأيي. إنّ ما قام به المسلمون في نيجيريا وما يقومون به دائماً من أعمال عنف في أمكنة أخرى باسم الحشمة والشرف والأخلاق، ليس إلا دليلاً على النفاق السائد في المجتمعات الإسلامية، حيث الفساد الأخلاقي فيها لا يقل عن ذاك الذي في المجتمعات الغربية أو غيرها، ولكن بفارق واحد: في العالم الغربي، حيثما هناك فسادٌ فإنه ظاهر للعيان، أما في العالم الإسلامي فلا أحد يعرف تماماً ما تحت الحجاب. 

===========

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط