بسام درويش / Jan 03, 2015

خطر بفكري أن أكتب موضوعاً عن السعادة، فرحت أتصفّح محركات البحث بالعربية على الانترنت أستطلع رأي الحكماء وأيضاً رأي الناس البسطاء من أمثالي.

وكان من الطبيعي أن يقودني البحث قبل كل شيء إلى عشرات المواقع الإسلامية التي تتضمن مختلف الأجوبة على الموضوع، وهو أمرٌ لا غرابة فيه، حيث أنّ الإسلام دين كامل وشامل ليس هناك في الحياة من أمرٍ إلاّ وقد أشبعه دراسة وأوجد له الحلول. وهكذا، فقد أخذت العناوين تبرز أمامي: "الإسلام وسعادة الإنسان"؛ "سعادة الإنسان بعلوّ همته من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية" (لا يفوتكم التأمّل بكلمة "علوم إسلامية")؛ "مفهوم السعادة في الإسلام"؛ "سعادة الإنسان في القرآن الكريم"؛ "سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة"؛ "سعادة الإنسان في الشكر والصبر"... وعشرات العناوين الأخرى المشابهة.    

 

لكن، وقبل أن أعود لاختيار كلمات جديدة عساها تضيّق البحث فتخلصني من علماء الإسلام ومراجعهم الحكيمة، وجدتُ نفسي أحطّ الرحال في موقع الشيخ "العلامة" محمد بن صالح العثيمين حيث وجدت له موضوعاً عن القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية يقول فيه إنّ "الدينُ جاء لسعادة البشر ولانتفاء الشرّ عنهمُ والضرر..." ليسهب بعد ذلك في الشرح قائلاً "إنّ ديناً هذا شأنه، (يعني الإسلام) جديرٌ بأن يهتم به الإنسان ويعتنقه ويدعو إليه ويؤيده!"

***********

هنالك قررت تأجيل بحثي الذي كان لغاية فكرية واجتماعية بحتة، لأتأمل فيما قاله هذا الشيخ الحصيف الذي مات في مطلع هذا القرن، مخلفاً عشرات الكتب والبحوث التي حرص فيها على نصح المسلمين بأن لا يتخطوا حدود القرن السابع، وأن لا يلوّثوا عقولهم بما لا يرضي الله ورسوله.   

***********

لن أتحدّث هنا عن الدين بشكل عام، وعمّا إذا كان مجلبةً لسعادة البشر أم لا، فهذا موضوع يحتاج إلى جلسةٍ أخرى لا بدّ لي من عودة إليه. إنما قررت التوقف للتأمّل بقول هذا "العلامة" بأن الدين الإسلامي بالذات قد جاء لسعادة البشر ولانتفاء الشر عنهم والضرر في الدنيا والآخرة، وهو لذلك حسب رأيه، دين جدير بأن يهتم به الإنسان ويعتنقه ويدعو إليه ويؤيّده...!

قررت التوقف لأعطيَ الفقيه حقه.. إذ من يعرف..؟ فلربما كان مصيباً حقاً برايه فيجعلني أسارع إلى اعتناق هذا الدين بعد أن أجد في تعاليمه كل أسباب السعادة الإنسانية التي أنشدها.  

***********

فتحتُ كتب التاريخ الإسلامي أبحث فيها عن تلك السعادة التي يُفترض بأنها قد ملأت قلوب الناس بعد "نزول" الإسلام عليهم وخاصة حين كان "النبي" محمد لا زال يعيش بين ظهرانيهم، فوجدت رواياتٍ عن الدماء التي سالت، وعن البيوت التي أحرقت على رؤوس أصحابها، والأمهات اللواتي ثُكلن بأولادهن وأزواجهنّ أو أنهنّ قد جرى اغتيالهنّ غدراً. قرأتُ عن آلاف الرؤوس التي قطعت، والأملاك التي نهبت، والنساء التي سُبيت أو بيعت في أسواق النخاسة... وكلّ ذلك لغاية تأسيس دولة ودين الرحمة والسعادة.

اطلعت بعد ذلك على كتب التاريخ الإسلامي بعد رحيل "النبي"، وقرأت عن الذين تنفسوا الصعداء لموته وقرروا العودة إلى جهلهم و"جاهليتهم"، فشنّ عليهم رجال النبي حرباً راح فيها ما يزيد عن الثلاثين ألف إنساناً... وكل ذلك من أجل الحفاظ على دين الرحمة والسعادة الذي جاء به "النبي."

ثم أبحرتُ في كتب التاريخ الإسلامي الأخرى لأقرأ عن خلفاء "النبي" الذين تصارعوا حتى الموت على حكم دولته من بعده، وعن خلفاء آخرين جاؤوا بعدهم فقُتِل من قتل منهم بالسيف أو السمّ أو الحرق أو السحل، وعن مئات الآلاف الذين راحوا ضحية سعيهم وراء السلطة والمال والتوسّع... كلّ ذلك لمتابعة مسيرة شعلة دين الرحمة والسعادة.

تصفحت كذلك كتباً أخرى، فقرأت عن فترة رخاءٍ عاشها المسلمون على حساب أممٍ غزوها ونهبوا خيراتها واستعبدوا أبناءها وادّعوا حضارتها!

وإذْ أوجعني قلبي وأنا أقرأ سجلات التاريخ تلك، حاولت أن أتخطاها معللاً نفسي بأن تكون فترة الجهاد من أجل السعادة الإنسانية قد انتهت أخيراً، ليتوصّل المسلمون بعدها إلى إحلال السعادة الحقة بين الناس، والتفاخر بها على المعتّرين من شعوب العالم الأخرى الذين لم ينعم الله عليهم بنعمة الإسلام... ونظرتُ إلى حال المسلمين اليوم، عرباً وغير عرب، فوجدتهم أكثر شعوب العالم تخلفاً. لا زالوا يقتتلون، يرهب بعضهم البعض الآخر ويرهبون العالم معهم أيضاً. يعيشون في حمامات الدماء والفساد والفقر والتخلف والمرض. يقطعون رؤوس الأبرياء والأسرى ويتاجرون بالنساء والأطفال ويسرقون وينهبون. وجدتهم عبيداً ومُستَعبِدين في آنٍ واحد. وكذلك وجدت مئات آلاف المساجد التي لا زالت تُبنى لتعليم هذا الدين وترسيخه بهدف تحقيق السعادة!  

وعلى الطرف الآخر، وجدت أولئك الذين لم يعرفوا الإسلام قد وصلوا إلى القمر والكواكب الأخرى، واخترعوا الأدوية لتخفيف آلام الناس بمن فيهم أتباع الإسلام، واخترعوا الطيارات والسيارات لتخفيف الحمل عن الحمير والجمال المساكين. وجدتهم يبنون المدارس والجامعات والمستشفيات، ويؤسسون الجمعيات الخيرية التي لا تفرّق بين أتباع دين أو عرق أو جنس وينتشر متطوعوها في أنحاء العالم لمساعدة ذوي الحاجة... فأيقنت آنذاك بأنّ "ديناً هذا شأنه" جديرٌ فقط بمعتنقيه دون غيرهم إلى أن يأتي اليوم الذي يفني فيه بعضهم البعض الآخر فيشعر العالم آنذاك بالسعادة الحقيقية والأمان والازدهار.

==================  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط