بسام درويش / Oct 03, 2006

على العكس مما يتصوّره البعض عن أميركا، فإن نسبة المؤمنين بالله أو بكائن أسمى، تصل إلى 92 بالمئة من السكان، وذلك بناء على دراسة عميقة وشاملة صدرت مؤخراً عن جامعة Baylor   في تكساس.  مع ذلك، فإن الخروج إلى الشوارع في مظاهرات للدفاع عن الله أو أية مقدسات أو رموز دينية ليس على قائمة اهتمامات المؤمنين في أميركا على الإطلاق. لا بل، ولا حتى للتنديد بسوء معاملة أخوة لهم في المعتقد من قبل حكوماتٍ أو فئات دينية أخرى خارج اميركا.

 

في أميركا، لا نسمع عن "جماهير أميركية" غاضبة تخرج إلى الشوارع لتندد باعتداءات قام بها مسلمون على مسيحيين في مصر أو ماليزيا أو إندونيسيا او باكستان أو العراق أو فلسطين او المغرب أو الجزائر أو غيرها؛ ولا كردة فعل على اوصاف تُطلَقُ على المسيحيين واليهود في المساجد وعلى صفحات الجرائد العربية وعبر وسائل الإعلام الأخرى من إذاعات وتلفزيونات عربية وإسلامية، ولا كردة فعلٍ لتهديد مخرج سينمائي أنتج فلماً يسيء فيه إلى الله أو المسيح أو أي نبي آخر. لا بل، حتى بعد مجزرة الحادي عشر من سبتمبر، وعلى الرغم من ارتباطها المباشر بالإسلام والمسلمين، لم نسمع عن أية مظاهرة قام بها أمريكيون للتنديد بالإسلام ولا بالمسلمين!

 

هذا الأسبوع، عرضت محطة بي بي سي فيلماً وثائقياً يتعرض لوثيقة سرية تعود لسنة 1962 تدعو للتعامل بسريةٍ مع القضايا المتعلقة بانتهاكات جنسية قام بها رجال دين، ويتهم الفيلم البابا بندكت بأنه  شجّع على العمل بمقتضى تلك الوثيقة حين كان يشغل منصب كردينال.  كانت ردة فعل الفاتيكان إصدار بيان يندد بالفيلم واعتباره استخداماً سيئاً لوثيقةٍ لغاية التضليل والربط بين هذه العمليات غير الأخلاقية وشخصية البابا.

وقبل ذلك، جرى عرض أفلام كثيرة تسيء للمسيح وللبابا ولرجال الدين المسيحيين ولرموز المسيحية بشكل عام.  

لم يَدْعُ البابا ولا المسؤولون في الفاتيكان جماهير الكاثوليك في العالم للخروج بمظاهرات احتجاج من أي نوعٍ، ولا خرج الكاثوليك من تلقاء أنفسهم يطالبون بالاعتذار ويهددون بالانتقام. 

 

هنا في أميركا، يخرج الناس في مظاهرات لغاياتٍ أخرى. 

يخرجون للإعلان عن معارضتهم للحرب، أو للمطالبة بحقوق يعتقدون أن هناك إجحافاً من الحكومة بها، أو للمطالبة بزيادة رواتب، أو للاحتجاج على مرسوم جديد.. يخرجون أيضاً في مسيراتٍ ـ  marches  ـ ينظّمها أفرادٌ أو جماعات لنصرة قضايا إنسانيةٍ عالمية، أو لجمع تبرعات لدعم بحوث علمية للوصول إلى علاج للسرطان أو أمراض أخرى، أو للحفاظ على الطبيعة أو ما شابه ذلك.

 

أما العالم العربي الإسلامي فهو عالمٌ فريد من نوعه. كل شيء يهون هناك أمام كرامة الإسلام كدين والمسلمين كأمة. الجماهير هناك لا تخرج إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها الإنسانية المحرومة منها كالحرية والعمل والعدالة والمساواة. لا تخرج للمطالبة بحقها بلقمة عيش كريمة. لا تخرج للاحتجاج على ظلم.  تخرج فقط دفاعاً عن كرامة الله وكرامة الدين وكرامة الرسول.  كل شيء يهون أمام المساس بكرامة الله ورسوله ودينه وأمته!.. هذه الجماهير تخرج أيضاً للرقص والاحتفالات في الشوارع فرحاً لموت الأبرياء!..  

 

إثر نشر الصحيفة الدانمركية لرسوم الكاريكاتور المشهورة، خرج مئات الآلاف من المسلمين في مظاهرات صاخبة وعنيفة في كل أنحاء العالم، يحطمون ما يعترضهم، يحرقون السفارات والكنائس، يدمرون المباني، ويعتدون على المسيحيين، ويطالبون بإعدام صاحب الصحيفة ورسامي الكاريكاتور.. وفي غمرة هيجانهم مات بعضهم تحت أقدام البعض الآخر معساً.

 

وبعد إلقاء البابا بندكت لمحاضرةٍ فكرية في جامعة ألمانية، تحدث فيها عن علاقات الإنسان بالله وعن ضرورة استخدام العقل في الإيمان، وعن رفضه للعنف. خرج المسلمون ايضاً في مختلف أرجاء العالم إلى الشوارع، يحطمون ويحرقون الكنائس ويقتلون الأبرياء من المسيحيين، ويطالبون بصلب البابا ويهددون باغتياله وتدمير الفاتيكان على رأسه.

 

مظاهرات شبيهة بهذه جرت إثر قرار الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ومن ضمنها الحجاب الإسلامي، وكذلك إثر الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الأمريكية عن رمي نسخة من القرآن في المرحاض، وبعد عظة القس البروتستاتنتي جيري فولويل ووصفه لمحمد بأنه إرهابي، وإثر أحداث أخرى أكبر أو أصغر من هذه أو تلك.  لا بل منذ سنوات، خرجت الجماهير الإسلامية في كاليفورنيا في مظاهرة احتجاج على حكم قضائي صدر بحق شاب إيراني مسلم اغتصب فتاة صغيرة مدّعين أن الحكم صدر عليه لأنه مسلم!..

 

أي خبرٍ يمس الإسلام من قريب أو من بعيد، يحرك المسلمين اينما تواجدوا في العالم، فيدفعهم للخروج في مظاهرات مجنونة كتلك.  لكن لم نسمع عن مسلمين يخرجون في أي مكان من العالم العربي أو الإسلامي للاحتجاج على مسّ كرامة الإسلام والمسلمين على ايدي المسلمين انفسهم.

 

لم نسمع عن مظاهرة إسلامية تخرج للتعبير عن الغضب، تجاه ما تتعرض له مساجد الشيعة والسنة على السواء من تدمير من قبل الطرفين، كل يوم تقريباً!

 

لم نسمع عن مظاهرة واحدة قام بها المسلمون احتجاجاً على ما يجري في دارفور حيث قُتل حتى الآن ما يزيد عن مئتي ألف مسلم على أيدي مسلمين وشُرّد منهم ما يزيد عن المليونين!

 

لم نسمع عن مظاهرة عربية إسلامية واحدة تخرج للتعبير عن الغضب للمجازر التي قام ويقوم بها المسلمون في الجزائر ضد المسلمين. ما يزيد عم مئة ألف إنسان مسلم ذهبوا ضحية أخوانهم من المسلمين هناك، عدا آلاف عمليات الاغتصاب للنساء والبنات المسلمات التي قام بها مسلمون!  

 

لم نسمع عن مظاهرة واحدة قامت بعد أن قتل النظام السوري ما يزيد عن عشرين الف مسلم خلال يومين من الزمن في مدينة حماة!

 

لم نسمع عن مظاهرة إسلامية احتجاجاً على الإساءات التي توجه لـ "كرامة" رسولهم على محطات تلفزيون عربية وفي صحف عربية!

 

ولم نسمع عن مظاهرات في أي بلد عربي ضد قرارات الحكومة التونسية بمنع التونسيات من ارتداء الحجاب!

 

إننا إذا افترضنا بأن الله بحاجة إلى إنسانٍ كي يدافع عن كرامته وعن مقدساته، فإننا لسوف نفترض أيضاً أنه سيختار من له الخبرة قبل كل شيء كإنسانٍ في الدفاع عن كرامته وحقوقه الإنسانية المقدسة. وبناء على ذلك، فإن شعباً خاملاً ذليلاً وقانعاً بذلّه مؤمناً بأنه قدرٌ مكتوب عليه، هو آخر من يحق له الدفاع عن كرامة أي شيء بما في ذلك هذا الله.  

************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط