بسام درويش / Oct 23, 2006

بانتظار خروج زوجتي من الغرفة المخصصة لتجربة الملابس في أحد المحلات التجارية الكبيرة، وقفتُ أتبادل الحديث ـ لإضاعة الوقت ـ مع رجلٍ كان بانتظار خروج زوجته أيضاً، وقد جلس يراقب طفله يلعب بسعادة على الأرض أمام مدخل الغرفة.  دار حديثنا عن الأطفال وكيف أنهم يجدون سعادة في اللعب بأي شيء يشاهدونه حولهم حتى ولو كان ورقة مكورة مرمية على الأرض أو حشرة صغيرة تزحف أمامهم. 

 

فجأةً، بدرت عن الطفل صرخةُ رعبٍ، رمى على اثرها ما بين يديه، وأسرع باتجاه والده ليقفز إلى حضنه ويدفن رأسه بين ذراعيه.

 

كان الطفل محقاً في رعبه، إذ ربما كانت المرة الأولى في حياته يواجه فيها هذا الكائن العجيب الغريب الذي خرج لتوّه من الغرفة. في الحقيقة، لو لم أكن أنا نفسي قد رأيت هذا الكائن من قبل، لكنتُ أصبت بالرعبِ أيضاً وانا أشاهده يخرج من تلك الغرفة بشكل مفاجِئ.

 

ذلك الكائن المخيف، لم يكن إلا امرأة مسلمة ـ ولا تسألوني كيف حزرت بأنها مسلمة! ـ بدينةً، ضخمة الجثة، متوشحةً بالسوادِ من رأسها إلى أخمصِ قدميها. لم يكن يظهر منها شيء على الإطلاق، لا يداها ولا قدماها ولا عيناها اللتان كانتا محجوبتين تماماً بنظارات داكنة. خَرَجتْ مهرولةً تَدحَلُ على الأرض دحلاً وكأنها صندوق يمشي على عجلاتٍ مخفية.

لم يكن مستغرباً أنْ يفزع الطفل، وأعتقدُ جازماً لو كان بصحبته كلبٌ صغير، لكان قد هرب أيضاً وهو ينبح برعب، أو لربما لحق بها ينهش ساقها أو ذيل ثوبها دفاعاً عن صاحبه الصغير.

===============

 

لا أعرف ممن تخشى هذه المرأة على وجهها. لا بل لا أعرف إذا كان هناك من سوف يهتم بالنظر إلى وجهها في هذا البلد، حيث لا يعبأ الناس حتى بالبطون العارية والصدور المكشوفة.

 

شعرت بالحسرة لأنّ آلة التصوير لم تكن معي لألتقط لقرائي الأعزاء صورة تذكارية لهذا الكائن. لكن الحسرة زالت وحلت محلها ابتسامة حين فكّرت بأنّ بإمكاني التقاط صورة لأية امرأة أخرى تلبس النقاب وأعرضها لهم. إنَّ أية صورة أخرى ألتقطها ستفي بالغرض، إذ ما الفرق بين كيسٍ أسودَ وكيسٍ آخر أسود طالما لا أحد يعرف ما بداخل أيّ منهما؟

 

بصراحة، لا يهمني من أمر هذه المرأة قرارها أن تعيش في كيس طوال حياتها أو أن تخرج منه لترى نور الشمس وتشمّ رائحة الزهور. إنه لحقٌّ من حقوقها أن ترضى بأن تعيش محرومة من حقها في العيش كإنسانة حرة مفضّلةً أن تعيش كجارية!..  ـ هذا، افتراضاً أنها تفعل ذلك اختياراً! ـ لكنْ، وإذ أنّ هناك أموراً كثيرة تمسني شخصياً بلباسها، فإني لا أستطيع أن أغمض عيني وأقف من هذه الظاهرة موقف المتجاهل.  ظاهرة أراها خطرةً بكل ما للكلمة من معنى، وخطرها يمسني، ومن حقي أن أطالب السلطات بأن تحميني منه.

 

قبل كل شيء، أرى في هذا اللباس خطراً على أمن الدولة، وأمن الدولة هو أمني أنا.  هناك إرهابيون مسلمون مطلوبون للعدالة تنشر السلطات صورهم على المواقع الإلكترونية وفي دوائر البريد والمؤسسات الحكومية وأماكن أخرى كثيرة، ومن واجب كل مواطن أن يُعلِمَ السلطات فوراً إذا رأى أحد هؤلاء المطلوبين؛ لا بل يحق له ـ إذا كان بقدرته أن يفعل ـ أن يوقف بنفسه هذا المطلوب للعدالة حتى حضور رجال الأمن. هناك أيضا مجرمون عاديون محليون ـ لصوص، مغتصبون، قتلة، مهربون.. ـ مطلوبون للعدالة أيضاً.  كيف لي أن اشعر بالأمن بوجود شخص يقف قربي في مصرفٍ أو محل تجاري أو يسير قرب بيتي أو يقف بالقرب من مدرسة أولادي، وأنا لا أرى وجهه ولا يديه ولا ساقيه؟.. كيف لي أن أعرف من هو بداخل هذا الكيس؟

 

ثانياً، أرى في هذا اللباس خطراً مباشراً على عائلتي، إذ كيف لي أن أعرف إذا كان هذا الكائن المختبئ داخل الكيس رجلاً او امرأة. إنه يدخل بكل حرية إلى غرف تجربة الثياب في المحلات التجارية دون أن يوقفه أحد للتأكد من جنسه.

 

ثالثاً، من المعروف أن السرقات من المحلات التجارية لا تضرّ فقط بمصلحة أصحاب هذه المحلات، إنما بمصلحة المستهلك أولاً وأخيراً.  كل قرش تخسره نتيجة للسرقات تعود فتضيفه إلى كلفة السلع؛ ومعنى ذلك أنّ السرقة تطالني لأنني بالتأكيد سأقوم بالتعويض عنها من جيبي.  كيف يمكن لأصحاب هذه المحلات أن يتأكدوا أن هذا الكائن المختبئ داخل الكيس ـ رجلاً كان أو امرأة ـ ليس سارقاً محترفاً؟

 

كيف لي وأنا اسير في شارع من الشوارع أن اشعر بالأمان بينما يمشي ورائي أو في مواجهتي شخص لا أعرف إذا كان بين يديه مسدس موجه إلى صدري أو صدر أي إنسان آخر؟  كيف لي أنْ أعرف أنّ ما بداخل الكيس ليس قنبلة تمشي على ساقين؟ 

 

إضافة إلى ذلك، لا بدّ لي من الذكر بأنّ هذا النقاب تستخدمه نساءٌ في البلاد الإسلامية يمارسن الدعارة، وقد تمرّ الزوجة أو الابنة أمام زوجها أو أبيها وهي في طريقها إلى بيت صاحبها دون أن يعرف أنها بداخل الكيس. ذاكَ شأنهم لا يهمني أمرهم على الإطلاق.

من حقهم استخدام هذا النقاب في بلادهم لأي أمر يشاؤون. أما هنا، فإنه بكل وضوح اعتداء على أمني وعلى حريتي وأطالب السلطات أن تحميني منه!

==============

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط