بسام درويش / Oct 28, 2001

"مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) يصدر تقريره السنوي عن أوضاع الحقوق المدنية للمسلمين في أميركا.. زيادة 15 بالمئة في حالات الإسلاموفوبيا والتمييز ضد المسلمين في أميركا خلال العام الماضي."

************ 

كان ذلك عنواناً بالخط العريض لمقال احتل صفحة كاملة في صحيفة "الوطن" التي تصدر في كاليفورنيا والمعروفة بتعاطفها مع الحكم العراقي وباتجاهها المعادي للولايات المتحدة الأميركية.

هنا، وقبل تناول الموضوع بالتعليق، لا بد من الإشارة إلى أن هذا التقرير قد نشر قبل الجريمة البشعة التي قام بها إرهابيون مسلمون على مبنى التجارة الدولي في نيويورك في الحادي عشر من أيلول.

**********

ذكر التقرير، حسب ما أوردته الصحيفة، أن حالات الإسلاموفوبيا والتمييز العنصري ضد المسلمين ما بين مارس 2000 ومارس 2001 قد ازدادت بمعدل 15 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وأنه رغم ازدياد وعي الأميركيين بالإسلام والمسلمين فإن ظاهرة الإسلاموفوبيا بمظاهرها المختلفة من تشويه إعلامي لصورة الإسلام والمسلمين وحرمان للمسلمين من حقوقهم لأسباب دينية والاعتداء عليهم وعلى مؤسساتهم تبدو في ازدياد أيضاً. وقال التقرير إنه على الرغم من وجود العديد من القوانين التي تكفل للأقليات الدينية الأميركية حقوقها إلا أن هذه القوانين لا تطبق في معظم الأحيان.

وجاء في التقرير أن 366 حالة من حالات الإسلاموفوبيا قد رصدت وأن هذه الحالات لا تمثل إلا جزءاً من حالات التمييز التي يتعرض لها المسلمون في الولايات المتحدة حيث أنه لا يتم توثيق معظم هذه الحالات لعدم وعي ضحاياها من المسلمين بأهمية وأساليب التوثيق. ويقول مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) إنه استبعد من التقرير أكثر من 200 حالة إضافية وصلته خلال العام الماضي وذلك لضعف توثيقها من قبل أصحابها.

أما عن أنواع حوادث التمييز فقد ذكر التقرير أن 37 بالمئة منها كانت تتعلق بعدم الاستجابة لحقوق وحاجات المسلمين الدينية، ثمانية بالمئة اعتداء لفظي على المسلمين، 13 بالمئة فصل المسلمين من العمل لأسباب دينية، وسبعة بالمئة عدم توظيف المسلمين لأسباب دينية. ويتابع التقرير أن 18 بالمئة من تلك الحالات التي جاء ذكرها تتضمن حرمان المسلمين من حقهم في الصلاة بأماكن العمل والدراسة أو الذهاب إلى صلاة الجمعة كما تتضمن 23 بالمئة من تلك الحالات حرماناً لمسلمات من حقهن في ارتداء الحجاب وتغطية رؤوسهن. 

***********

عدد المسلمين في أميركا حسب ما تذكره المنظمات الإسلامية يزيد على السبعة ملايين. ورغم عدم ادّخار المسؤولين عن تأليف التقرير المذكور جهداً في استعمالهم للآلة الحاسبة للخروج بكل هذه الأرقام والنسب المئوية، فإنهم تحاشوا حساب نسبة معينة ولغاية واضحة وهي تضخيم الأمور.

سياسة التضخيم ليس غريبة عن العرب رغم أنها سياسة لم تثبت فقط فشلها بل غالباً ما كانت نتائجها سلبية عليهم. هذه النسبة المئوية التي تحاشى التقرير ذكرها هي نسبة هذه الحوادث إلى عدد المسلمين في أميركا.

بناء على الأرقام التي جاء بها التقرير، فإن عملية حسابية بسيطة وسريعة تظهر أن نسبة هذه "الحالات" بالمقارنة مع عدد المسلمين الذي يبلغ سبعة ملايين، هي حالة واحدة لكل عشرين ألف!

حالة واحدة لكل عشرين ألف مسلم من أصل سبعة ملايين..

حالة وما أدراكم ما الحالة!.. فلانٌ عاملٌ مسلم، يطلب منه صاحب العمل أن لا يترك العمل للصلاة. وفلانة مسلمة يقول لها مدير الشركة إنّ تغطية وجهها أمر لا يتناسب مع أنظمة المؤسسة. (وربما جاءت للمقابلة التي تجري عادة قبل التعيين بدون غطاء للرأس أو الوجه لتفاجئ بعد استلامها لوظيفتها رب العمل بغطائها أو حجابها!)  وفلانٌ طالبٌ مسلم في مدرسة، يوجّه له طالب آخر كلمة نابية قد تتعلق أو لا تتعلق بالدين! (وما أكثر الحوادث بين الطلاب التي يسخر فيها بعضهم من البعض الآخر سواء كان ذلك لانتماء سياسي أو ديني أو اجتماعي.) وطالب تمنعه إدارة المدرسة من إقامة صلاة الجمعة في المدرسة!.. (المدارس لا تسمح أيضاً للمسيحيين بإقامة الصلوات والشعائر الدينية داخلها) وفلانٌ فُصل من عمله أو لم يُقبل لوظيفة تقدم إليها فأسرع وحوّل القصة إلى عملية تمييز عنصري وديني ضد الإسلام والمسلمين. (وما أكثر حالات الكذب التي تتم للإساءة إلى هذا البلد مثل حادثة الطالب المسلم في جامعة أريزونا - بعد جريمة الحادي عشر من أيلول - الذي ادّعى بأن الطلاب رشقوه بالبيض وضربوه لأنه مسلم، ليتبين للسلطات بعد التحقيق وبعد اعترافه هو نفسه، أنه كاذب وأن أمراً كهذا لم يحدث البتة) وعلى هذا المقياس قس..

 

حتى لو اعتبرنا كل هذه الحوادث التي جاء بها التقرير صادقة، وأنها حقاً مبنية على أساس ديني أو عنصري، فقد كان الأجدر بهذا المجلس، إذا كانت غايته حقاً مصلحة المسلمين، أن ينظر بعين إيجابية إليها ويذكّر المسلمين بمحاسن هذا البلد العظيم بالمقارنة مع أي بلد إسلامي في العالم من حيث معاملته للأقليات الدينية غير الإسلامية أو حتى المسلمة منها.

 

مجلس العلاقات الإسلامية يعرف تماماً مقدار سوء صورة العرب والمسلمين في الغرب وفي أميركا بالذات. إنها صورة لا حاجة لأحد أن يشوهها فالعرب والمسلمون أنفسهم كانوا دائماً كفيلين بذلك. العرب والمسلمون هم الذين خلقوا هذه الصورة، والادعاء بأن اليهود وشركات الأفلام هي التي أوجدتها هو ادّعاء باطل. لقد اعتاد العرب أن يعزوا أسباب مشاكلهم وتخلفهم وخلافاتهم وكل ما يعانون منه إلى اليهود والغرب والاستعمار. ربما ساهمت شركات الأفلام بتسليط الأضواء على هذه الصورة ولكنها بالتأكيد صورةٌ من إنتاج وإخراج العرب والمسلمين أنفسهم.

 

صورة أخرى كان على المسؤولين في مجلس العلاقات الإسلامية أن يتذكروها ويذكّروا بها المسلمين الأميركيين وهو يعملون على تأليف تقريرهم. هذه الصورة هي صورة الأوضاع المؤلمة التي يعيشها المسيحيون وغيرهم من الأقليات في المجتمعات الإسلامية. فإذا كانت هذه هي كل الحوادث التي يتحدث عنها التقرير نوعاً أو عدداً، فماذا يمكن أن يقال إذاً عن أعمال القتل والاغتصاب والإرهاب الفكري والسرقات والتعذيب والتضييق التي يتعرض لها المسيحيون وغيرهم من الأقليات في المجتمعات الإسلامية؟ لقد كان يجدر بهذا المجلس أن يختتم تقريره بتوجيه نداء للمسلمين يشجعهم على مطالبة الحكومات العربية والإسلامية بتحسين معاملتها لغير المسلمين لعل ذلك يعطي بعض الثقل والمصداقية لمظالمهم مهما بلغت تفاهتها.

***********

على الصفحة التالية من العدد نفسه لصحيفة الوطن المذكورة، كان هناك خبر آخر يحمل عنواناً بارزاً وبالخط العريض ايضاً، يقول: "إنجاز جديد لـ كير، (مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية).. إدارة البريد تصدر أول طابع بريد إسلامي عربي في أميركا‍‍‍"!.. ومع الخبر نشرت الصحيفة مجموعة صورٍ لأفراد الجالية الإسلامية أمام مبنى البريد الفدرالي وهم يحتفلون بإزاحة الستار عن صورة مكبّرة للطابع الجديد الذي يحمل عبارة "عيد مبارك" باللغة العربية!

************ 

مؤسسة البريد الفدرالية تصدر طابعاً للمسلمين في عيدهم. البيت الأبيض يرحب بنصب رمز إسلامي إلى جانب الرموز المسيحية خلال موسم الأعياد. كنائس المسيحيين تستقبل دعاة الدين الإسلامي وتسمح لهم بمخاطبة المصلين وشرح مبادئ هذا الدين لهم من وراء منابرها رغم ما في مبادئه من تعارض مع المبادئ المسيحية السامية ومع المثل التي تؤمن بها أميركا. الكنائس المسيحية تفتح أبوابها للمسلمين كي يؤدوا صلاة عيدهم. آلاف المساجد تُشاد في أنحاء الولايات المتحدة دون اعتراض. مئات المنظمات الإسلامية توزع كتبها ومنشوراتها بحرية مطلقة. برامج إذاعية وتلفزيونية إسلامية تُجري مقابلات مع جهلاء، وقعوا في حبائل الدعاية الإسلامية، يسيئون خلالها إلى المعتقدات المسيحية ويسخرون منها. مَعارض يقيمها المسلمون يوزّعون خلالها نسخ كتابهم "المقدس" والذي يتضمن الدعوات إلى قتال كل من لا يؤمن بالإسلام. هذه الميزات وما يرافقها من تسامح الشعب الأميركي، تتبخر كلها أمام أعين المجلس الإسلامي لأن صاحب عمل طلب من مستخدمته أن تتقيد باللباس المنصوص عليه في أنظمة الشركة. تتبخر لأن مشادة بين طالب أميركي وآخر مسلم استخدم فيها الأول عبارة تجرح مشاعر الثاني!.. كل أخلاقيات هذا المجتمع تتبخر ليصبح في نظر مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية مجتمعاً عنصرياً يعادي المسلمين ويبغضهم ويسيء معاملتهم!

 

موظفو البريد في السعودية يخلعون من على مغلفات الرسائل الموجهة إلى الجنود الأميركيين الطوابع البريدية التي تحمل رموزاً مسيحية. السلطات المغربية تعتقل مسيحيين دخلوا البلاد وفي حوزتهم نسخ من الإنجيل. السلطات في الإمارات العربية المتحدة تعتقل مسيحيين يوزعون نشرات مسيحية على قارعة طريق. أطفال مسيحيون في باكستان يسجنون ويواجهون حكم الموت لأنهم كتبوا عبارات على حائط مسجد اعتبرت مهينة للإسلام. رجال دين مسيحيون في دول إسلامية يتعرضون للسجن ولكافة أنواع التعذيب لا لشيء إلا لأنهم تحدثوا عن الإسلام من وجهة نظر مسيحية. متطوعون في منظمات خيرية وإنسانية يذهبون إلى بلاد إسلامية لمساعدة الفقراء والمرضى فيودعون السجون ويُحاكمون لأنهم حدّثوا مسلمين عن دينهم. أئمة في مساجد يلقون الخطب المشحونة بالتحريض على كراهية المسيحيين. الحاجة إلى تصريح خاص من رئيس الجمهورية في دول عربية لبناء كنيسة أو لتصليح جدار تهدم منها. عذاب المسيحيين المستمر في أغلب الدول الإسلامية وصراعهم الدائم من أجل البقاء. كل هذه الأمور وغيرها، غابت عن عقول معدّي التقرير وهم يدوّنون أعمال التمييز العنصري والديني التي يتعرض لها المسلمون في أميركا.  

إنه تقرير كان بإمكان المسؤولين عن هذا المجلس أن يختصروه مستعيضين عن كل ما جاء فيه بعبارة صغيرة من كتابهم "المقدس" يوجهونها إلى أنفسهم وإلى المسلمين: "وأما بنعمة ربك فحدّث"!..

***********

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط