بسام درويش / May 04, 2004

(المتطرفون المسلمون والإرهابيون والذين يتعاطفون مع الإرهابيين، لا يمثلون الإسلام؛ والأغلبية الساحقة من المسلمين، هم من المعتدلين الذين يعارضون الإرهاب والعمليات الانتحارية وقتل الأبرياء!..)

 

هذا ما سعى لإثباته الدكتور زهدي جاسر ـ وهو طبيب مسلم يعمل في فينكس أريزونا ـ من وراء تنظيم مسيرة للمسلمين يوم الخامس والعشرين من أبريل.

كانت طموحات الدكتور جاسر كبيرة، إذ كان يأمل أن يشارك في المسيرة عدد كبير من المسلمين، وكذلك أن تكون هذه المسيرة انطلاقة لمسيرات أخرى مشابهة ينظمها المسلمون في كل أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.

جهود الدكتور لم تنته بالفشل الذريع فقط، إنما أثبتت العكس تماماً!

**********

منذ الحادي عشر من أيلول السيء الذكر، لم يصدر عن المسلمين ـ لا في أمريكا ولا في أي مكان في العالم ـ أي رد فعلٍ منظم لإدانة ذلك العمل أو أي عمل إرهابي آخر مشابه. على العكس تماماً، كان الرأي العام الإسلامي، محلياً وعالمياً، واضح التعبير عن تعاطفه مع الإرهابيين، لا بل في أحيان كثيرة معبراً عن سعادته.  

لم نسمع أيضاً عن مسلمين في أي مكان من العالم، خصوصاً هنا في أمريكا ـ حيث ينعمون بتسامح لا تنعم به أقلياتهم الإسلامية في بلادهم التي أتوا منها ـ يقومون بمظاهرة للتعبير عن استيائهم من المجازر التي يقوم بها المسلمون ضد المسيحيين في مصر أو باكستان أو إندونيسيا أو ماليزيا أو نيجيريا أو غيرها. هذه المجازر التي لا يمكن للمسلمين بأي شكل من الأشكال ربطها، لا بإسرائيل، ولا بأمريكا، كما جرت عادتهم على إيجاد المبررات لكل عمل إرهابي.

 

غاية الدكتور زهدي من تنظيم هذه المسيرة، لم تكن في الحقيقة إدانة الإرهاب بقدر ما كانت سعياً لتحسين صورة الإسلام والمسلمين. لو كان المسلمون حقاً ضدّ الإرهاب، ولو كانوا حقاً يحترمون هذه الأمة التي فتحت أبوابها لهم، لَما كانوا قد انتظروا حتى اليوم، بل لكانوا خرجوا فوراً بعد الحادي عشر من أيلول إلى الشوارع يعلنون عن غضبتهم وتبرئهم من الإرهابيين.  ولكي لا يُنظرَ إلى المسيرة كإدانة متأخرة جداً للإرهاب من قبل المسلمين، فقد عمل منظمها على دعوة المسؤولين الروحيين من مختلف الديانات للمشاركة فيها، وبذلك يضفي عليها صبغة الشمول، ولكن في الوقت نفسه، يعطي المسلمين فضل تنظيمها ورعايتها.    

مما قاله الدكتور زهدي وهو يعمل على الإعداد للمسيرة: "إننا نريد ان نؤكد للمجتمع الأمريكي أن الغالبية العظمى للمسلمين تدين استهداف الأبرياء بناءً على تعاليم ديننا. كذلك نريد أن نشجّع جميع المسلمين في أرجاء هذا البلد على أن يأملوا بأن مسيرات كهذه هي ممكنة التحقيق."

***********

جاء يوم الخامس والعشرين من إبريل وآنت ساعة المسيرة وأخذ المشاركون يتوافدون. وكانت المفاجَأة ـ غير المُفاجِئة لي على الأقل ـ هي أن عدد المشاركين كان بحدود ثلاثمائة شخص غالبيتهم العظمى من غير المسلمين!!. وقيل أنّ عدد المسلمين كان بين ثلاثين وخمسين شخصاً (ربما كانوا من أصدقاء الدكتور زاهد الذين لم يأتوا إلا إكراماً لعينيه!)

**********

عدد أفراد الجالية الإسلامية في فينكس هو بحدود خمسين ألف. وإذا رفعنا نسبة المسلمين الذين شاركوا في المهرجان إلى مائة شخص.. لا بل حتى لو افترضنا تكرّماً، أن المسلمين كانوا هم الأغلبية، اي بنسبة ثلثين مقابل ثلث من غير المسلمين، فهذا يعني أن نسبة "صفر فاصلة أربعة بالمائة" من مجموع مسلمي فينكس استجابوا لدعوة الدكتور زهدي لإدانة الإرهاب. هذا بالطبع إذا افترضنا أيضاً أنّ إدانتهم للإرهاب إدانة صادقة وليست نفاقاً.

صفر فاصلة أربعة بالمائة فقط من أصل خمسين ألف مسلم جاؤوا يشاركون في المسيرة!.. إننا إذا اعتبرنا هذه المشاركة نموذجاً يحتذي به المسلمون في أرجاء الولايات المتحدة، كما يحلم الدكتور زهدي، فإنه لمن العدل أن نفترض أنّ نسبة صفر فاصلة أربعة بالمئة من مجموع المسلمين في أميركا لديهم الاستعداد لإعلان معارضتهم للإرهاب. أي، ثمانية وعشرون الفاً من أصل سبعة ملايين من المسلمين يقال بأنهم يتواجدون في هذا البلد.

أهذه هي الأغلبية الساحقة من المسلمين التي يتحدث عنها الدكتور زهدي؟..

يقول الدكتور زهدي، أن هذه المسيرة ما هي إلا بداية وإنه يأمل مع الزمن أن تستجيب أغلبية المسلمين لهذه الدعوة!..

مع بالغ احترامي للدكتور أقول: إذ لم يكن في نيته خداع الناس فإنما هو يخدع نفسه!.. وإذا كان يحاول خداع الناس فعليه أن يتذكّر بأنه يمكن أن يخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنه لا يمكن أن يخدع كل الناس، لا بعض الوقت ولا كل الوقت! أما إذا كان هو نفسه مخدوعاً، فنصيحتي له أن يعود لدراسة مبادئ الإسلام بتجرد، وبالتجرد وحده سيدرك لماذا آلت جهوده إلى الفشل.. وآنذاك أيضاً، سيبدأ بالبحث عن دين آخر أو على الأقل سوف يقنع بنبذ الإسلام.    

**********

هل هناك حقاً مسلمون معتدلون وآخرون متطرفون؟..

رغم أن نتائج هذه المسيرة الفاشلة تحمل الجواب، فلا بأس من الاستفاضة في الإجابة زيادة في الفائدة:

لا.. ليس هناك مسلمون معتدلون ومسلمون متطرفون. هناك مسلمون فقط. إذا كان هناك معتدلون فإنهم إما جاهلون بدينهم أو منافقون، أو أنّ منهم من لا يشتري الإسلام بقشرة بصلة ولكنه لا يجرؤ على التصريح بذلك. أما الذين يوصفون بالمتطرفين فهم المسلمون الحقيقيون، وهم كلهم جنود في جيش الإسلام، إما نشطون أو احتياط. إنّ أية محاولة لخلق صورة معتدلة للإسلام مصيرها الفشل، فقد بدأ الإسلام كأيدولوجية عدوانية تعتمد الإرهاب ولا زال كذلك.

لقد أعلن محمد الحرب على كل العالم منذ الساعة التي نمت فيها أظافره.

**********

سؤال آخر تبرزه هذه المسيرة الفاشلة: هل كان لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) دورٌ في إفشالها؟.. ولماذا لم يشارك بها؟.. الجواب على ذلك نجده في مقالة الدكتور دانييل(1) يقول فيها، إنّه يبدو بأنّ، "الدكتور زهدي جاسر لم يكسر نفسه لمنظمة كير للمساعدة في التخطيط لتلك المسيرة.. ولو كانت المسيرة ضدّ سياسة الولايات المتحدة أو إسرائيل لكان الحشد أكبر بكثير!". ثم يضيف الدكتور بايبس بعد ذلك ملاحظة إلى مقالته في وقت لاحق (16 مايو) تقول: "مما يثير الاهتمام هو أنّ منظمة كير عجزت عن حشد عدد أكبر من الناس لمسيرة أخرى أشرفت على تنظيمها في 14 مايو حيث لم يخرج في هذه المسيرة أكثر من 150 شخصاً من أصل خمسين إلى سبعين ألف مسلم في أريزونا حسب ما ورد في صحيفة Tribune "فرع فينسكس". أما الصحيفة الرئيسية في أريزونا Arizona Republic   فقد ذكرت أن العدد لم يتجاوز 75 شخصاً!

(1) "مسيرة للمسلمين المعتدلين في فينكس" 30 أبريل 2004 رقم المقالة 1775

===============

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط