حسين ديبان / Apr 24, 2006

ستون عاماً تقريباً مرت عملياً على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وحوالي المائة عام نظرياً، وأكثر من ألف وأربعمائة عام مرت على تأزم العلاقة بين المسلمين واليهود بسبب نظرة النصوص الإسلامية للعلاقة مع اليهودي واليهودية. هذه النصوص التي لاترى أي أفق تصالحي لهذه العلاقة أبدا، وانما ترسم لنا نهاية عجيبة غريبة يغلب عليها الطابع الإستعلائي العنصري ويتحتم فيها إنجاز النصر الإسلامي على اليهود، وهذا النصر لن يتحقق إلا قبيل يوم قيامة المسلمين حيث ستتضامن حينها أشجار الأرض وحجارتها معهم، فتنادي تلك الأشجار والحجارة على المسلمين ليقتلوا اليهود الذين احتموا وراءها..

 

افتراض عداء الآخر للمسلم وللإسلام هو صفة ملازمة ورئيسية كان لابد لكاتب النصوص أن يستند عليها ليبرر لمريديه على الأقل السيطرة شبه الكاملة لأعمال العنف، من قتل وسرقة واستباحة للحرمات التي تطغى على نصوصه. مع وجود مثل هذه النصوص سيقتل المسلم غيره بدم بارد وطمأنينة لاتحدها إلا حدود تلك الجنة التي وعدته بها تلك النصوص، وهذه الجنة لن يصلها إلا بالمزيد من دماء الضحايا الكافرين والزنادقة والمارقين وأهل الشرك والذين لم يحرموا ماحرم الله ورسوله من أهل الكتاب يهودا ومسيحيين، وكلما ازداد عدد ضحايا المسلم كان له وضعٌ خاصٌ في تلك الجنة، فللمجاهدين والمرابطين على الثغور قصور في الجنة مع زيادة في عدد الحوريات والغلمان، وكذلك نوعية ذات جودة عالية من الخمر وأما غيرهم من المسلمين البسطاء الذين تقاعسوا عن أعمال "الجهاد" والقتل فحسنا إن استطاعوا الحصول على مجرد مأوى أو "غرفة على السطوح" في تلك الجنة. على ذات المنوال سينهب المسلم أموال الغير وهو مرتاح الضمير وعلى قناعة تامة بأن هذه الأموال ماهي إلا أمواله، وسينتهك الحرمات بدون أي وازع فقد أحلّت له نصوصه استباحة أعراض الغير. لا يجب أن يلومنا أحد حين نقول هذا، وهذا ليس احتكارا للحقيقة بقدر ماهو محاولة لتسليط الضوء على حقيقة تلك النصوص بدون لف ودوران. إنَ محاولة كثير من المثقفين المسلمين والعرب رفع المسؤولية عن النصوص الإسلامية هو تبرير "ليبرالي" لإستمرار الإرهاب الإسلامي وتبرئة للنصوص الإسلامية بذات الوقت، وهو بذات الوقت منافقة وتذللٌ لأصحاب الفكر الإسلامي الظلامي لا طائل منها على الإطلاق. جدير بالذكر هنا أن كل الترحيب الذي لاقته أطروحات الفقيه السوداني حسن الترابي الجديدة حول شهادة المرأة وزواجها من غير المسلم ومسألة الحجاب لاقيمة لها إذا ماعلمنا أن الترابي قد خرج عن الإسلام فعلا بهذه الأفكار التي جاهر بها مخالفا القاعدة الفقهية الثابتة التي تقول لا إجتهاد في نص، وهو ما كان مجال إجتهاد الترابي، وأدى لاحقا برابطة العلماء والدعاة في السودان إلى تكفيره، والدعوة الى استتابته وإن لم يكن فإقامة الحد الشرعي عليه. تماما مثلما فعل الترابي نفسه قبل أكثر من عشرين عاما حين حرض الرئيس السابق جعفر نميري على تطبيق حد الردة بحق محمود محمد طه وهو ماتم فعلا بإعدام المذكور. لب المشكلة وجوهرها يكمن إذا في النصوص وليس في تفسير خاطئ هنا أو تفسير كيفي هناك من قبل الناس لهذه النصوص، وهو مايجب أن نعترف به والبديل هو مزيد من الآلام والضحايا والتخلف والعدمية والإتكالية وإنفصام الشخصية وتلك الصفات مجتمعة هي صفات تشترك بها كل المجتمعات الإسلامية بدون استثناء. 

 

توافقا مع النصوص سعى الحاكم المسلم وبتحالف وثيق مع رجل الدين عبر التاريخ الإسلامي إلى اختلاق الأحداث التي تدعم ماجاء به قرآنهم وسنة نبيهم، مهما كلف ذلك من إزهاق لأرواح رعاياهم والرعايا الآخرين، وتدمير للممتلكات، وهدر للأموال التي تحتاجها رعيتهم حتى تساعدهم على الخروج من نفق الظلام والتخلف الذي حشرهم به رجال حكمهم وبتشجيع مطلق من رجال دينهم عبر إصدار آلاف الفتاوي على مقاس مايريد رجال الحكم ومايرغبون، وهو ماتحويه تلك النصوص وبكثرة وفي أي اتجاه يريده الحاكم ورجل الدين ماعدا اتجاهات الخير والسلام والمحبة، التي لا يعلم عنها الحاكم شيئا ولم يذق طعمها المحكوم، فلا شيء من هذا قد أوجبته تلك النصوص المليئة بالحقد وكراهية الآخر والحض على قتله وإن لم يكن فعلى نفيه وإقصائه، واضطهاد المرأة وحجبها عن الأعين في أكياس سوداء تحت إدعاء تكريمها فهي جوهرة لايجب أن تظهر للعامة من الرجال وإلا خطفوها أو سرقوها. حتى هذا التبرير مع سذاجته لا يفهم منه إلا أن مجتمع الرجال في العالم الإسلامي هو مجتمع وحشي حيواني غرائزي وغير مؤتمن على الجواهر "النساء" وهو استنتاج فيه كثير من الصحة تفرضه الآثار السلبية التي تتركها النصوص الإسلامية على من يؤمن بها.

 

بالعودة الى موضوع المقال نجد أن التيار الإسلامي قد منح قداسة كبيرة لمدينة القدس خاصة ولكل فلسطين بشكل عام، وهذه القدسية لا يبررها إلا التوافق الذي تخيله المسلمين بين ماحدث في تلك الأرض وبين نص قرآني يقول "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تَتَّبِعَ ملتهم. قل إنَّ هدى الله هو الهدى ولئنِ اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلمِ ما لك من الله وليّ ولا نصير" (البقرة 120). صحيح أن هذا النص قد أوجده محمد تماشيا وتبريرا والرغبة في استمرار سياسة الإبادة الجماعية التي اتبعها ضد اليهود خاصة وكل من هو مختلف معه بشكل عام، وهي السياسة التي ما كان على محمد إلا أن يتبعها إن أراد لدعوته أن تزدهر وتنتشر فهؤلاء الذين مارس بحقهم محمد تلك السياسة هم خير من يعرف حقيقة دعوته التي تأسست على الكذب البواح على لسان كتب الأولين واليهود والمسيحيين على وجه الخصوص. إن المجازر الوحشية التي ارتكبها محمد بحق هؤلاء هي قتل للشهود الذين كانوا يدركون أكثر من غيرهم كمية الكذب والتزييف الهائلة والتجني الصارخ والفاضح الذي أتت به دعوته.

 

ألهب هذا الترابط المصطنع بين النص والحدث القلوب المريضة والقرائح النتنة لرجال الدين والحكم معا الذين استفادوا أيَما استفادة من هذا الترابط، وهم الذين وصل أغلبهم الى كرسي الحكم تحت راية فلسطين والقدس، فلم يتركوا مناسبة تمر أو حدثا يقع إلا وجيروه لمصلحة هذا الترابط، فوجود اليهود في فلسطين يدعم الجزء الأول من ذلك النص والدعم الغربي الأمريكي لدولة اسرائيل يؤكد الجزء الثاني الخاص بالنصارى كما يُسمي المسلمون الآخر المسيحي، مدركين بذات الوقت أن نهاية سلمية لهذا النزاع من شأنها أن تطيح بعروشهم ونصوصهم، وهو ما فرض عليهم عمل ما يمكن لكي يستمر هذا النزاع، وعلى هذا الأساس تم إفشال كل محاولات حل النزاع بشكل سلمي، ووصل الأمر الى قتل من يشذ عن القاعدة ويفكر بحل سلمي للنزاع وهو ماكان مصير الرئيس المصري الراحل أنور السادات على أيدي الإسلاميين وتخوين البعض الآخر كما هو حاصل هذه الأيام تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قبل الإرهابيين وقتلة الأبرياء الحمساويين.

 

لم يصارح رجال الدين رعاياهم بأن لليهود حقا في فلسطين يتجاوز حقنا كمسلمين، وهم الذين تواجدوا على الأقل كديانة في تلك الأراضي قبل المسلمين بمئات السنين، ولم يصارح رجال الحكم والسياسة رعيتهم بأن الدعم الغربي والأمريكي لإسرائيل سببه السياسة الإعلامية اليهودية التي نجحت في مخاطبة الآخر بينما هم فشلوا وهذا الفشل هو ما كان يسعى اليه هؤلاء الحكام، من خلال تشجيعهم للإرهاب وقتل الأبرياء حيث رأينا جميعا الدعم الكبير الذي لاقته حماس من العالم الإسلامي حكاما وشعوبا ورجال دين "ملايين الدولارات من ايران وغيرها والإعلان عن أيام محددة لجمع الملايين كما فعل القرضاوي". ولم يكن تردد بعض الحكام بتقديم الدعم الا بفعل الضغط الأمريكي. إن هذا الدعم هو مكافأة لمن انتخب حركة ارهابية اسلامية ستعمل على تأكيد ذلك النص وإعادة الحيوية له من خلال مزيد من القتل والدمار ورفض الحلول السلمية، حتى يأتي ذاك اليوم الموعود الذي يتضامن به الشجر أو الحجر معهم مناديا عليهم بأن يأتوا لقتل اليهودي المتواري خلفه.

 

بات أكيدا اليوم بأنه حتى لو أرادت اسرائيل الغاء كيانها كاملا ودعوة المسلمين لإقامة دولتهم على كل أرض فلسطين، فإن هذا العرض سيكون مصيره الرفض المطلق من قبل العالم الإسلامي، فعرض من هذا النوع وأي عرض آخر للسلام بنظر حكام المسلمين وفقهائهم والشعوب التي ضللولها، هو المسمار الأخير في نعش عروشهم ونصوصهم على السواء.

حسين ديبان  hdiban69@yahoo.com      

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط