بسام درويش / Nov 30, 2001

أعلن ناطق باسم السفارة الأميركية في باكستان أن السفيرة الأميركية في إسلام آباد، ويندي تشامبرلاين، تلتزم الصيام خلال شهر رمضان المبارك رغبة منها في فهم ما يشعر به المسلمون خلال هذه الفترة. ويضيف الناطق أن السفيرة تشامبرلاين المسيحية الأصل ترغب في اختبار القيم الروحية التي تنم عن اشتراك المسلمين بالصيام خلال الشهر المبارك. يُذكر أن السفيرة الأميركية لدى باكستان لم يمض على تعيينها بضعة أشهر إذ تم نقلها إلى إسلام آباد إبان هجوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة.

(بي بي سي أونلاين)

*************

عزيزتي مسز تشامبرلاين،

لا أعرف أية قيم روحية تأملين باختبارها من خلال صيامك مع المسلمين في باكستان أو غير باكستان خلال شهر رمضان. لكني وإذ لا خبرة لي بتقاليد الباكستانيين في هذا الشهر، لا أعتقد بأنها تختلف كثيراً عن تقاليد المسلمين العرب. لذلك، اسمحي لي يا حضرة السفيرة أن أوفّر عليك عناء تعب هذا الصيام.

سوف تستيقظين باكراً قبل ظهور خيوط الشمس لتخزّني في معدتك من الطعام والشراب ما يكفيك ليوم كامل.  وإذا كنت من المدخنين، ستقضين على علبة سجائر تعبئين بدخانها ونيكوتينها خلايا دماغك. وعند سماع أذان المؤذن ستقومين بأداء الصلاة ثم تعودين إلى النوم لساعات إضافيّة تعوّضين بها عن الوقت الذي ضاع من ساعات نومك. لا تكترثي للذهاب إلى العمل كالعادة في الوقت لمحدد.. فساعات العمل في رمضان يتم تعديلها حرصاً على راحة الصائمين.

عند الصباح، تنهضين من النوم دون شعور بالحاجة إلى طعام. معدتك متخمة إلى حد الشعور بالتقيّؤ، ولكن وإذ أنك تريدين اكتساب خبرة حقيقية وكاملة عما يشعر به المسلم خلال صيام رمضان، فإنك تفكرين بالانخراط بين الناس العاديين. وهكذا فأنت تقررين زيارة بعض دوائر العمل والقيام بالتسوّق كما يتسوق أي مواطن عادي. تذهبين عند الظهر لتتقدمي بمعاملة في دائرة حكومية أو لتطلبي مقابلة مسؤول. هناك تشاهدين طابوراً طويلاً من المراجعين؛ ففي رمضان يكون الطابور أطول مما هو عليه الحال بقية أيام السنة، والسبب هو ضيق خلق الموظفين الذي يؤدي إلى التباطؤ في تسيير المعاملات دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض. فإذا فتح أحد من الناس فمه معترضاً، جاءه جواب الموظف قاسياً وبنظرة مقطبة يذكّـره بأن "الدنيا رمضان" وأن عليه أن يتحلى بالصبر. هنا، عليكِ أن لا تفسّري طلب التحلي بالصبر على أنه من الفضائل. طلب التحلي بالصبر يعني تحذيراً بما يمكن أن تؤدي إليه قلة الصبر، وليس تذكيراً بمحاسن الصبر كفضيلة دينية. ومن أسباب التأخر في تسيير المعاملات أيضاً، هو اختفاء الموظفين بشكل متناوب لإشعال سيجارة أو تناول جرعة ماء أو أكل سندويشة خِفيةً عن الآخرين ليعود كل منهم فيبالغ في تظاهره بضيق الخلق زيادة في التأكيد لمن حوله بأنه لا زال صائماَ.

بعد انتهاء الدوام، سوف تخرجين إلى الشوارع لاكتساب خبرة جديدة تضيفينها إلى خبرتك الروحية. سوف تشاهدين الناس يهرعون إلى بيوتهم بسرعة جنونية وكأنهم يهربون من بركان أو من طوفان. إنهم يركضون كي يصلوا في الوقت الذي يعلن فيه صوت المؤذن أن وقت الطعام قد حان. سوف تشاهدين الناس يقودون دراجاتهم يسابقون السيارات بسرعتها والسيارات تكاد تمر فوق البشر. سوف ترين الناس يتدافعون لشراء ما لم يستطيعوا شراءه خلال النهار فتتعلمين كيف يتم الشتم والاستغفار من الله في آن واحد.

وإذا دُعيتِ إلى مشاركة عائلةٍ طعام إفطارها، سوف ترين كيف يتكلّف المسلمون على أطعمتهم خلال شهر الصيام مقدار ما يتكلفونه في عدة أشهر من شهور السنة. ستجدين المائدة عامرة بما هب ودب من ألوان الأطعمة، ما تكاد تختفي حتى تحل مكانها أصنافٌ وأصناف من الحلويات والفواكه. وتطول السهرات في رمضان إلى ساعات متأخرة من الليل لا تتوقف الأفواه خلالها عن المضغ، وتمتلئ البيوت بسحابات من دخان السجائر. ولكي تضيفي إلى خبراتك الروحية فلسوف تتطوعين لمساعدة النساء في تنظيف الصحون وغسل الطناجر ثم في عملية تحضير بعض أنواع الأطعمة للإفطار الصباحي، بينما يذهب الرجال إلى المقاهي لقضاء السهرة أو يجلسون أمام شاشات التلفزيون يتمتعون بمشاهدة البرامج الخاصة برمضان. زوجك يا عزيزتي السفيرة سيسعد جداً بهذه الخبرة الروحية الجديدة التي اكتسبتها في تقدير قيمة الرجل والقيام إلى خدمته.

يوم الجمعة في رمضان، تمتلئ المساجد بالمصلين أكثر من العادة. وإذا أردتِ أن تعتبري نفسك مسلمة، على الأقل خلال هذا الشهر، فلا بأس أن تقومي بأداء الصلاة أيضاً، ولكن في بيتك وليس في المسجد. بالطبع، يمكنك في بعض المجتمعات الذهاب إلى المسجد ولكن ينبغي عليك التزام المكان الذي أعدّ خصيصاً للنساء في مؤخرة الجامع، متشحة بالسواد من رأسك إلى أخمص قدميك، بعيدة عن الرجال متحاشية الاختلاط معهم أو حتى تبادل النظر معهم. لا بد من تحذيرك هنا بأن لا تقومي بمصافحة أحد الرجال قبل أن يبدأ صلاته فإن مصافحة المرأة تفسد وضوء الرجل وتجبره على إعادة غسل يديه وقدميه ووجهه وأعضائه التناسلية ليتمكن من العودة إلى صلاته مواجهاً ربه دون أثر لنجاسة على جسده. أما الفكر فشيء آخر!

أما إذا أسعدك الحظ بتعيينك سفيرة لبلادك في السعودية، فقرار الصيام هناك لن يكون قرارك. فخارج سور سفارتك ستصومين شئت أم أبيت والويل لك إذا شوهدت تدخنين أو تشربين جرعة ماء، إذ ستترك عصيّ المطوّعين على مؤخّرتك آثارها قبل أن تتمكني من أن تثبتي أنك أجنبية ومسيحية.

نرجو لك صياماً مباركاً، وزيدي يا عزيزتي السفيرة على خبرتك الروحية ما شاء لك أن تزيدي. 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط