بسام درويش / Apr 20, 2002

تحت عنوان: "صاحبةُ مطعمٍ سورية: لم أطق رؤية القنصل الأميركي يأكل" نشرت جريدة الشرق الأوسط(*) الخبر التالي: 

طردت زوجة صاحب مطعم في دمشق القنصل الأميركي العام هناك، روبرتو باورز، بعد أن دخل الأحد الماضي لتناول العشاء مع صديق له «لأنني لم أطق وجوده في مطعمنا وهو الذي يمثل دولة معادية للفلسطينيين وتنحاز لإسرائيل» وفق ما قالته مجد الطبّاع لـ «الشرق الأوسط» وهي تروي كيف طلبت من القنصل، الذي كان من المدمنين على ارتياد مطعمها «أوكسيجين» في حي باب توما بدمشق، مغادرة المطعم بلا عودة.

وقالت الطباع، وهي فنانة تشكيلية وزوجة صاحب المطعم، عارف الطبّاع، إنها أقدمت على هذه الخطوة كموقف شخصي منها «أما الأميركيون كناس عاديين فهم من زبائننا ونحن نرحب بهم دائما». وشرحت كيف تحول وجه القنصل «الى أصفر على أخضر» من شدة الحرج والارتباك وهو يغادر المطعم.

************

يُعرَفُ عن الفنانين الرسّـامين بأنهم أصحاب ذوق وإحساس وأدب أكثر من غيرهم من عامة الناس. وليتصوّر أحدنا كيف تكون لوحةٌ فنيّة يخلو راسمُها من الإحساس والذوق!!..

 

تصرّف هذه المرأة لا شكّ بأنه كان خالياً من أي ذوق وإحساس وأدب لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يوحي بأن صاحبته فّنانة!

حين يقصد هذا القنصل أو أميركي غيره مطعمها أو مطعم غيرها، فإنه لا يقصده بصفته ممثلاً للولايات المتحدة ولا طرفاً من أطراف النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.  يقصده كأي إنسان عادي حان وقت طعامه!.. ليأكل ويدفع ويمضي.

 

هذه المرأة قد فعلت حسناً حين اختارت أن تكسب عيشها من صنع الفلافل والحمّص والمجدّرة والتبّولة، إذ يبدو واضحاً أنها "فنانة" فاشلة لم تستطع أن تكسب عيشاً من فنّ يخلو من الذوق والإحساس. لكن ربما فاتها على ما هي عليه من قلّة إحساس، أن تفهم بأن صنع الفلافل أيضاً يحتاج إلى بعض الذوق.

 

أمرٌ لا أشكّ فيه أبداً هو أنه حين تحتاج هذه المرأة يوماً ما إلى عملية جراحية ولا تجد من أخصّائي يجريها لها إلا في بلاد العم سام، فإني على ثقة تماماً أن هذا القنصل نفسه لن يتردد لحظة في منحها تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. إنه لن يقول: احملوا هذه المرأة وارموها خارج السفارة لأنها تمثل شعباً خرج منه إرهابي تسبب في قتل مائتي جندي من خيرة أبناء أمتي كان وجودهم في بيروت لغرض فرض السلام بين الطوائف المتناحرة.  لا ولن يقول احملوها واطردوها لأنها كانت قليلة الأدب حين طردتني من مطعمها.  لا بل لربما لن يتأخّر هذا القنصل عن منحها تأشيرة للسفر إلى الولايات المتحدة حتى ولو كانت للسياحة والنوم في فنادقها والأكل في مطاعمها.

إساءتك يا سيدة مجد للقنصل الأميركي لم تكن إساءة له.  لقد كانت إساءة للشعب السوري وللذوق وللأدب وللفن ولكل فنان في سورية.  إساءتك هي أيضاً إساءة إلى الشعب الأمريكي وأنا واحد منهم.

 

"عيب" ليست هي الكلمة الوحيدة المكونة من ثلاثة حروف والتي يمكن أن توجّه لك. هناك كلمة عامية بثلاثة حروف، "ت ف و.." لا بدّ يوجهها لك كل فنان وكل إنسان صاحب ذوق، لأن ما قمتِ به يدعو للاشمئزاز حقاً!

 (*) الخبر عن الشرق الأوسط 19 أبريل 2002

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط