بسام درويش / Dec 02, 2003

تحدَّثَت الأخبار الواردة من كندا عن عزم الحكومة الكندية على السماح بتشكيل هيئة قضائية إسلامية تُصدر أحكامها بين المسلمين، حسب الشريعة الإسلامية، شريطة أن تكون السلطات المدنية هي المسؤولة عن تنفيذ هذه الأحكام.

*********

قرار الحكومة الكندية هذا لا غُبار عليه من حيث المبدأ، فَلأتباعِ كلِّ طائفةٍ من الطوائف حق اللجوء إلى مراجعهم الروحية للاحتكام فيما بينهم حسب ما تمليه تعاليم دياناتهم. المسيحيون على سبيل المثال، لهم في سورية أو مصر أو بلدان أخرى، محاكمهم الروحية الخاصة بهم. لكن، وإذ أنّ التعاليم المسيحية المتعلقة بتنظيم العلاقات بين الناس، هي تعاليم أخلاقية اختيارية، ولأنّ هذه التعاليم لم تنص على أية شرائع مدنية أو عقوبات مدنية، فإن أعمال هذه المحاكم الروحية تكاد تنحصر بشكلٍ عامٍّ في قضايا الطلاق، نظراً لما يحتله الزواج من مكانة مهمة في المسيحية، وعلى وجه الخصوص في تعاليم وأنظمة الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، وهما الكنسيتان السائدتان في الشرق الأوسط.

 

الأمر يختلف بالنسبة للإسلام. فالشريعة الإسلامية تحوي من النصوص ما "ينظم" ـ إن صحّ التعبير ـ حياةَ المسلم تنظيماً كاملاً، ولأجل ضمان النظام، فإنها تحوي أيضاً عقوبات بحق الذين يخالفونها، ولكنّ المشكلة أنّ غالبية هذه الأنظمة والعقوبات التي تأتي معها ـ إن لم نقل كلّها ـ تتعارض مع أهم حقوق الإنسان التي تتعارف عليها الأمم المتحضرة، لا بل أنّ الكثير منها يتسم بالوحشية أيضاً.

 

تُرى إلى أي حدّ يمكن للسلطات الكندية أن تعمل كهيئة تنفيذية لهذه الهيئة القضائية الإسلامية؟.. هل يعني ذلك أننا سنرى رجال الشرطة الكنديين يقومون برجم امرأة مسلمة أو جلدها في ساحة من ساحات مونتريال؟

هل ستقوم السلطات الكندية بتطبيق عقوبة قطع اليد إذا أصدرت هذه الهيئة القضائية الإسلامية حكماً كهذا ضدّ مسلمٍ سرق مسلماً آخر؟

وماذا عن زواج المسلم بأربعة والذي هو من صلب تعاليم الإسلام.  صوتُ مَنْ سيكون هو الأعلى في هذا الموضوع؟ أصَوتُ الهيئة القضائية الإسلامية أم صوت الدستور الكندي؟

وماذا لو ضرب رجل مسلم امرأته لخوفه من نشوزها وحصل على براءة من هيئته القضائية بأنه لم يفعل شيئاً يخالف شريعة الله؟ هل ترفض السلطات شكوى الزوجة وتحيلها إلى محكمتها الروحية؟

وماذا عن حق المرأة المسلمة المقيمة في كندا إذا طلقها زوجها واكتفى بإعطائها مهرها الذي تعاقد معها عليه محتفظاً لنفسه بكل الأموال التي جمعها خلال فترة زواجه منها؟..

وماذا لو ذهبت امرأة مسلمة إلى السلطات الكندية تطلب الطلاق من زوجها الذي تزوج بأخرى لفترة ساعات فقط حسب شريعة زواج المتعة؟ هل ستقبل السلطات الكندية بقرار الهيئة القضائية الإسلامية بأن الزوج قد مارس حقه؟..

وماذا لو ذهبت هذه الهيئة القضائية الإسلامية إلى أقصى حد في تطبيقها للشريعة الإسلامية بالحكم بعقوبة العين بالعين والسن بالسن؟

وماذا لو ارتدّ مسلمٌ عن دين الإسلام فاحتكم أهله أو أهلها إلى هذه الهيئة، فأصدرت قراراها بالقتل إن لم يعُد عن كفره؟.. هل ستقوم السلطات الكندية بالبحث عنه وإعادته إلى هذا الصراط الأعوج أو ربما تنفيذ حكم القتل به؟..

هل السماح بتشكيل هذه الهيئة القضائية هو خطوة أولى للمسلمين في كندا يطلبون بعدها من السلطات تشكيل فرقة جديدة في البوليس الكندي تسميها "المطوّعون الكنديون" أسوة "بالمطوّعين السعوديين"، وذلك لفرض الصلاة على المسلمين ومعاقبة المفطرين في رمضان؟

أما السؤال الأخير فهو، لماذا تحث أمم العالم الخطى نحو المستقبل تحاول سبقه، بينما يبحث المسلمون عن أية طريقة للعودة إلى القرن السابع؟..

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط