بسام درويش / Apr 20, 1994

"كمل النِّقْـل بالزعرور.."

الزعرور، ومفرده زعرورة، هو شجر مثمر من فصيلة الورديات يكثر في مناطق البحر المتوسط، ثمره أحمر وربما كان أصفـر؛ فيه نواة صلبة مستديرة تملأ أكثر جوفه فيكون لبُّـه قليلاً. وهو إذا نضج، كثـر فيه الدود فيرمي من يشـتريه بأكثر من نصفه. لذا فإن ثمنه زهيـد، إن وجده الناس اشـتروه وإن لم يجدوه لم يسألوا عنه!.. وخلاصة الكلام، فإن الزعرور ثمر تافه لا يغني بائعه ولا يحزن لفقده الراغب بشرائه.

والفلاح لا يتذكر الزعرور إلا إذا وجد له مكاناً بعد أن ينتهي من تحميل بضاعته، فيقال أنّ حِـمْـلَ عربته أو حماره قد اكتمل بالزعرور. (والنقل بالعامية تعني ما يُحَـمَّـل على ظهر الحمار أو على العربة).

هناك أيضاً ما يُعرف بالنـقـولات ومفردها النـَّـقْـل، وهو ما يأكـلــه الناس عند تناولهم للمشروبات، كالفستق والحمّص المشوي أو المُـمَـلّـح والبزور واللوز والتفاح وغير ذلك.. وإذا أضيف لهذه النقـولات نوعٌ تافـهٌ لا يعجب الشـاربين، آنذاك يقول الناس: "كمـل النقل بالزعرور".

إضافـةً إلى ذلك، فالزعرور أيضاً صفةٌ للرجل قليل الخير وسيّء الخلق، فيُقـال، رجلٌ زعرورٌ ورجـال زعارير. وحين ينضم أحد هؤلاء الزعارير إلى جماعة من الناس لديها ما يكفيها من (المشاكل ووجع الرأس) آنذاك يقولون فيه: كمِـل النقل بالزعرور!

و"كمــل النقــل بالزعرور"، مثل تقوله جماعة من الشـعراء، إذا انضم الى قافلتهـم ناظمٌ لقافية، لا يعرف من الشعر، كما يقول مثل آخر، إلاَّ "قولة أوحشتيني"..

وتقوله عامة الناس، عندما يكمل "نقل" السياسة والوطنية بزعارير انتقلوا بين ليلة وضحاها من وراء المحراث إلى دفة الحكم، ثم أصبحوا بعد استفتاءات حرة وشرعية قادةً مفكّرين وفلاسفة عظماء.

في الماضي القريب، كمل "نقــل" النظريات الفلسفية والسياسية، حين طلع القذافي بنظريته الثالثة وكتابه الأخضر الذي علم فيه الإنسان ما لم يعلـم.. وفي الماضي الأقرب، كمل نقل المعارك التي خسرناها ثم حولناها الى انتصارات، بالوالدة المصون أم المعارك التي قيل لنا أنها لم تنتـَهِ بعد (أو لم تبدأ بعد.. يعلم الله!)

وقبل ذلك كمل نقل جامعة الدول العربية بضم الصومال وإرتيريا وموريتانيا إلى حظيرة الأمة العربية!

وأخيراً كمل "نقل" هذه الجامعة بجزر الكوموروس، وهي دولة قلّمـا سمع بها عربي أو عجمي.. وقد سبق لهذه الدولة أن تقدمت عام 1975 الى الجامعة العربية بطلب انتسابٍ إليها كانت نتيجته الرفض، وكان سبب الرفض أن أعضاء الجامعة أنفسهم لم يعرفوا آنذاك عنها شـيئاً كثيراً!

نعم.. كمـل النقل بالزعرور، لأن أهل كوموروس الذين هم خليط من الشعوب والأعراق، يعرفون بالإضافة إلى الفرنسية والسواحلية، بضع كلمات بالعربية كافية لدعوة الناس الى صلاة الصبح أو العشـية.. وبالتالي فهي أيضاً كافية لاعتبارهم أخوة وأشقاء لأبناء أمتنــا الأبية!

وقريبــاً جداً، ربما يكمل نقــل الأمة العربية بدولة زعرورة أخرى، حين يتوصل خبراء الجامعة الى معرفة مكان جزر الوقواق التي اختلف جفرافيو العرب في تعيين موقعها، فقـال بعضهم أنها في مدغشقـر أو المحيط الهندي، وقال البعض الآخر أنها في بلاد الصين أو اليابان.. اللهمّ إلاّ إذا كانت هذه الكـوموروس هي جزر الوقواق بعينها ولحمها وشـــحمها، اكتشـفتها جامعتنا العربية من حيث لا تدري، أي كما يقول المثل الآخر: "رمية من غير رامٍ!"

وإن شـاء الله تفرح الأمة العربية بضم بنغلاديش وماليزيا قريباً و"عين الحاسـد تبلى بالعمى يارب!"

============  

من كتاب لا حياة لمن تنادي لبسام درويش طبعة 1997

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط