بسام درويش / Dec 15, 2003

الرئيس القائد المناضل البطل، الذي وعد بأنه سيبقى يحارب حتى الاستشهاد، استسلم كالجرذ الذي وجد نفسه محصوراً في حفرة لا مهربَ له منها. لم يُطلِقْ رصاصة واحدة في وجه أعدائه. لا، ولا هو قد أبدى أية محاولة للانتحار قبل أن يواجه الذل.

خرج العراقيون والكويتيون إلى الشوارع يزغردون ويرقصون ويطلقون الرصاص ابتهاجاً، بعد أن تأكدوا أخيراً أن الكابوس لن يعود. وما أن أصبح وقوع الطاغية رهن الاعتقال أمراً واقعاً ـ لا أملاً أو افتراضاً ـ حتى بدأ الحديث يدور عمّن يجوز له أن يحاكمه على ما اقترفت يداه طوال ثلاثين سنة، لا بل، منذ أن كان في سن المراهقة حين ارتكب أول جريمة قتل.

 

منظمات حقوق الإنسان تخشى أن لا ينال حكماً عادلاً في العراق، ولذلك فهي تطالب بأن تتم محاكمته في محكمة دولية. ومجلس الحكم في العراق يقول بأن القضاء العراقي هو الأولى بمحاكمته.

 

لا شكّ أبداً في أنّ لمجلس الحكم العراقي الحقَّ كلَّ الحقِّ في التصميم على أن تجري محاكمته في محكمة عراقية وعلى يد قضاة عراقيين. فالشعب العراقي هو المتضرر الأكبر منه ومن نظامه. لقد بعثر هذا الطاغية أموال شعبه على بناء القصور وخزّن لنفسه ما خزّن منها في مصارف العالم. بذّرها على حياكة المؤامرات في العالم وعلى حروب غير عادلة أو مبررة، وعلى شراء أسلحة لم يستعملها فقط ضدّ شعوب آمنة أخرى  بل ضدّ شعبه الذي أفقره وأذلّه. حكم البلاد بالرعب وارتكب الجرائم البشعة التي تقشعر لها الأبدان. بالطبع، سيَحكم عليه القضاء العراقي بالإعدام، وقد يكون حكمه سريعاً ـ أو كما يُقال ـ تحت تأثير الكراهية والرغبة بالانتقام التي تعتمر في قلوب العراقيين؛ لكن ما الخطأ في ذلك؟.. وهل هناك على وجه هذه الأرض من يمكن أن يقول بأن هذا المجرم لا يستحق الكراهية، وبالتالي ما سوف يناله من قصاص؟..     

 

لا شكّ أيضاً أن للمجتمع الدولي حقاً في محاكمة صدام، لأنّ أذاه لم يكن مقصوراً على الشعب العراقي. لقد شنّ حرباً لا مبرر لها على إيران فتسبب بمقتل مئات الألوف من البشر. قام بغزو الكويت، الدولة الجارة الآمنة التي لم تعتدِ عليه ولا على أية دولة أخرى، فدمّر اقتصادها ونهب أموالها وقتل المئات من أهلها ولا زال حتى الآن من سكانها من لا يُعرَفُ لهم مكانٌ. هدّد بمؤامراته التي كان يحيكها كل الأنظمة المجاورة له، ودعم عمليات الإرهاب في العالم، وخصص مكافآت مالية للذين يقتلون طلاب المدارس ورواد المقاهي في إسرائيل. وهكذا، فإن للمجتمع الدولي الحقَّ بأن يطالب به، لكن وللأسف، إن مطالبة هذا المجتمع بحق محاكمته ليست للاقتصاص منه بقدر ما هي لإنقاذ حياته من حكم الإعدام، وكذلك ادّعاءً بأنه لن ينال محاكمة عادلة في بلده.

 

أما الحقيقة، فإنه لا حاجة لمجتمع دولي ولا إلى قضاء عراقي لمحاكمة الطاغية.

هذا الطاغية لا يستحق محاكمةً في مجتمع دولي يتعامل معه كإنسان ويُبقِيَ في النهاية على حياته، يأكل ويشرب ويقرأ الصحف في زنزانة مرفّهة.

هذا الطاغية، لا يستحق أن يُحاكم على يد قضاة عراقيين أو في محكمة دولية، ولا حتى في محكمة أمريكية رغم ما لأمريكا من فضل عظيم على العراق في تحريره.   

هذا الطاغية لا يستحق محاكمة من أي نوع، ولا حاجة أساساً إلى إصدار حكمٍ عليه. فحكم الإعدام قد سبق وصدر قبل الإطاحة به بزمن طويل. هذا الحكم أصدرته آهات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن وأزواجهنّ على يد المجرم وحاشيته. هذا الحكم أصدرته الأمهات العراقيات والكرديات والكويتيات والإيرانيات وأمهات أخريات في كل بلد وصلت إليه يده القذرة.

لذلك، ليس هناك حاجة إلى انعقاد محكمةٍ وإلى إصدار قرار بالإعدام، بل إلى تنفيذ قرار الإعدام. مهمة تنفيذ هذا القرار يجب أن تُعطى إلى لجنة من الأمهات من كل قطر من الأقطار المذكورة وغيرها. وأفضل طريقة لتنفيذ هذا الحكم هي أن يُربط صدام إلى مؤخرة عربة تركبها لجنة الأمهات، يَطفنَ بها في شوارع بغداد ويسحلن المجرم سحلاً إلى أن لا يبقى من لحمه وعظامه أي أثر؛ وإن بقي منه أثر، فإن كلاب بغداد أولى به من غيرها.       

***********

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط