مفتي طائفة الروم الأورثوذكس في حلب والإسكندرون
بسام درويش / Oct 28, 2007

<< شهر رمضان جوّاد وصوّام

الله والإنسان، في شهر رمضان، سيقوم بينهما حوار بين الجود والهيام‏ لشهر رمضان أسماء وأسماء، لكنها كلها تريد التعبير عن زمن التوبة والغفران عند الإنسان وزمن الرضا والرحمة عند الله عز وجل.‏‏‏


الله الجواد، منّ على البشر في هذا الشهر بأهم العطايا، اثنا عشر شهراً للسنة يعطي الله وأعطى فيها كل خير وبركة، بينها شهر منّ فيه على البشر بأثمن عطاياه، في شهر رمضان أنزل القرآن جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثم (نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهرررمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزّبور لثماني عشرة خلون من شهر رمضان، وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان).‏‏‏


لهذا شهر رمضان هو (سيد الشهور) فمرحباً به وأهلاً، هو شهر الله وشهر الصيام، شهر الصبر وشهر المواساة، شهر نزول القرآن وربيعه، هو أيضاً شهر نزول سائر الكتب السماوية، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).

‏‏‏
وليلة القدر أجمل ليلة فيه، يناجي الإنسان فيها الله ويجود الله فيها بحبه عليه إنها ليلة خير من ألف ليلة ( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ،سلام هي حتى مطلع الفجر) هذا هو الجود الإلهي في شهر رمضان، أما هذا الحب الإلهي اللامحدود فإنه يجرح قلب العباد والناس، فتراهم عبر العصور استقبلوا (الكتب) وهم صائمون! لقد أنزل الله عطاياه فرفع الناس الشكران، بالتسبيح والأصوام، منة الله تلد عفة البشر.‏‏‏


اعتاد الأنبياء مقابلة الله وسماع كلمته وهم صائمون، قدسية الله لا تنزل إلا في طهارة البشر، فموسى تقبل التوراة بعد صيام أربعين يوماً، وإيليا ناجى الله بعد أربعين يوماً من الصيام ويسوع أعلن إنجيله بعد صيام أربعين أخرى.. وهذا ما أشارت إليه الآية (البقرة 183).. (على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).‏‏‏


شهر رمضان، شهر نجوع فيه حتى أن البطون الخاوية والشفاه اليابسة تعف عما من التراب لتحيا على ما في الروح، شهر رمضان تتفرغ فيه القلوب للتقوى ومناجاة الله وخشيته، يوقظ هذا الشهر القلوب ويجعلها لينة رقيقة ويلهب فيها حرارة الإيمان، إنه ( رقة بالقسوة والحرمان).‏‏‏


ليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفوس والأجساد، بل هو تزكيتها، وتربيتها على أن السعادة هي في التأمل بالله وخوفه، فتقوى الله أعظم كنز.‏‏‏


لذا خطب رسول الإسلام ذات يوم وقال: (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح.. فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه.. وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم، فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه، شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور، له حق وحرمة، فأكثر من الصلاة ما استطعت).

‏‏‏
يستقبل رمضان بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الذات وبالصلاة، ليس رمضان شهر جوع نهار وشبع ليل! ولا نهم في الليل وعطش في النهار، يجعل البعض من شهر رمضان موسم طرب وسهر وسمر لإباحة الجسد وأسر الروح، فيستبدلون مجرد الليل بالنهار، باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان وأنهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم: ألا تصومون إلا في شهر رمضان؟ لقد كنت قبلاً عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني إليهم!‏‏‏


في شهر رمضان وهب الله القرآن للناس، وفي شهر رمضان يهب الناس القلب لله، شهر رمضان زمن لمطالعة ما أنزله الله، فيرفع هذا قلب الإنسان إليه تعالى.‏‏‏


بين هذا النزول والصعود يكون الصيام ساحة اللقاء بين الله الجواد والبشر العباد! بل في زمن الصيام يعي الإنسان جود الله ويتقبل الله صوم الإنسان، جود الله يستحق صوم الإنسان، الله جوّاد والإنسان صوّام، هذا هو حوار الله والإنسان في شهر رمضان، وهذا هو معنى الصيام، جعل الله كل لياليه على أحبائنا ودنيانا وبلادنا، كلها كليلة القدر ووهب ما أنزله فيه عزاء لقلوب محبيه، بارك المولى هذا الزمن وبارك مكرميه.>>

http://csar-sy.org/arabic/modules/news/article.php?com_mode=nest&com_order=0&storyid=32

***********

من المؤكّد بأنّ قارئي يتساءل الآن عما دفعني إلى نشر مقالةٍ كهذه، ليس فيها إلا ثرثرةٌ فارغة تعودّنا على سماعها من كتّاب المسلمين وشيوخهم في شهر رمضان من كل سنة، أو حتى على مدار السنة! 

 

قارئي على حق في تساؤله لو لم يكن كاتب هذا الكلام مسيحياً.. أو على الأقلّ هكذا يدّعي. أمّا ما هو أسوأ من ذلك كلّه فكون هذا الكاتب صاحب مركزٍ رفيعٍ في كنيسة الروم الأورثوذكسية السورية، وهو المطران بولس اليازجي مطران حلب والإسكندرون.

***********

مضمون هذه المقالة، لا يستحق في الحقيقة إضاعة أيّ وقتٍ في التعليق عليه. لكن، وإذْ أنّ كاتبه مسؤول "روحي" كبير في هذه الكنيسة، فإنّه لا يمكن تجاهله إطلاقاً لأنّ هذا المسؤول لا يمثّل نفسه في ما يكتب، إنما يمثّل الكنيسة كمؤسسة وعقيدة وعموم أبناء الطائفة. 

للأسف، حتى الآن لم يصدر عن المراجع الأورثوذكسية العليا أيّ بيانٍ أو تعليقٍ على ما كتبه هذا المطران، لا من قريبٍ ولا من بعيد. هذا السكوت لا يجوز السكوت عنه لأنه يحمل معانٍ خطيرة جداً. 

هل المراجع العليا في الطائفة الأورثوذكسية راضية بما جاء على لسان وقلم هذا المطران؟.. وإذا كان الجواب على هذا السؤال بالنفي، فبماذا نفسّر سكوتها عنه؟

***********

ما جاء في مقالة هذا الرجل يختلف عن التملّق أو النفاق الذي اعتدنا على سماعه وسماع مبرراته أيضاً، وهو أخطر من أن يسمّى تملّقاً أو نفاقاً.  فَأَنْ يتحدث مسؤولون روحيون أو أشخاص عاديون عما يسمونه بالتعايش بين الطوائف الإسلامية والمسيحية أو مع طوائف الأقليات الأخرى، فإننا قد نقبل ما يقوله البعض عنهم إنهم ينافقون اضطراراً لغاية الحفاظ على وضعٍ معين. لكنّ ما كتبه هذا الرجل في الحقيقة لا يتضمّن كلمة واحدة يمكن أن يقال عنها إنّ كاتبها اضطر إليها اضطراراً. في الواقع، ليس هناك مسلمٌ في العالم الإسلامي كلّه يتوقّع أن يضطر مسؤول كنسي رفيع المستوى ـ ولا حتى أصغر شخص مسيحي ـ إلى هذا النوع من التملّق.

لذلك، وبانتفاء عذر الاضطرار، يحقّ لنا أن نتساءل: ماذا عساه يكون الدافع إلى هذا الكلام؟

هذا هو السؤال الذي نتمنى أن تخرج رئاسة الكنيسة الأورثوذكسية عن صمتها لتجيب عليه!

 

إذا كان ما كتبه هذا المطران لا يخرج عن كونه غباءً في غباء، فعلينا أن لا ننسى أنه ومن خلال منصبه يمثّل الكنيسة الأورثوذكسية هيئةً ورعيةً، وصمت الكنيسة على هذرٍ كهذا لا يمكنُ أن يُفَسَّرَ إلا قبولاً به.

هل يعني صمتها أنّ على الشعب الأورثوذكسي من الآن وصاعداً أن يقبل كحقيقة من حقائق إيمانه، بأن الإنجيل "نزل" في شهر رمضان، ـ وكلنا نعرف أنه لم ينزل أو يصعد لا في رمضان ولا في حزيران ـ أو أنّ ليلة القدر هي حقاً خير من ألفِ شهر، وأن "الحب الإلهي اللامحدود" أصبح يتمثل في شهر رمضان وليس في عملية الفداء على الصليب؟

 

نشكّ في ذلك كل الشكّ!

إذاً.. فإذا كنّا نشكّ في ذلك، ونأمل أن يكون شكّنا في موضعه، فلا بدّ لنا أن نعتقد بأنّ يكون الاحتمال الآخر لصمت الكنيسة هو لتحاشي ردود فعل المسلمين على أيّ بيان يصدر عنها، تعلن فيه أن ما جاء في مقالة المطران لا يعبّر عن العقيدة الأورثوذكسية وأنّ المطران لا يمثل الكنيسة في ما يبديه من آراء خاصة.

لكنّ هذه الآراء ليست خاصة!.. أمّا إذا كانت رئاسة الكنيسة تعتبر ما كتبه هذا المطران غباءً لا يستحق التعليق، فماذا تراه يكون موقفها لو كان قد كتب يشيد ببعض العقائد البروتستانتية أو الكاثوليكية؟

 

إذا كان هذا الاحتمال الآخر هو الحقيقة، فلا نملك إلاّ نقول: يا لهذا الخنوع والجبن والنفاق. 

 

يبدو واضحاً أن هذا الأبله قد وضع على رأسه عمامة شيخ وجعل من نفسه واعظاً للمسلمين في شهر رمضان ـ وربما أنه قد صام أيامه أيضاً ـ فهل يتحرّك أبناء الطائفة الأورثوذكسية، إن لم تتحرّك رئاستهم، ليخلعوا عنه جبّته ويخرجوه من مبنى المطرانية ويشحنوه إلى أقرب جامع؟

===================  

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط