هشام محمد / Apr 24, 2009

نشرت جريدة الاقتصادية في موقعها الإلكتروني، بتاريخ 21 ابريل من العام 2009 موضوعاً عن آلة وضوء وتنشيف اخترعها "صليبي" استرالي اسمه انتوني جوميز يعمل لحساب شركة استرالية متخصصة في صنع الآلات الميكانيكية.  الهدف من هذه الآلة كما جاء على لسان مسؤلي الشركة هو الحد من هدر الماء وتقنين استخدامه.  يبدو لي أن جوميز هذا قد شعر بالاشمئزاز، وهو يرى المسلمين في بلاد الكانغارو يخرجون للصلاة، والماء يقطر من رؤوسهم ووجوههم وايديهم وأقدامهم.  وبمجرد أن اطلقت الشركة آلة الوضوء العجيبة، حتى تلقت 600 طلب من مناطق مختلفة على امتداد العالم الإسلامي السعيد.  الآلة كما اظهرتها الصور المرفقة بالموضوع مكونة من ثلاث وحدات: الأولى لغسل الأذن والفم والوجه، والثانية لغسل المرفقين والساعدين، أما الثالثة فلغسل الكعبين والقدمين.

 

وبما أن السلف الصالح لم يعرف يوماً مثل هذه الآلة باستثناء الاسطرلاب وساعة الرمل، وبما أن أيضاً "علماء الأمة" هم وحدهم من يملكون أسرار العلم الخفية ومفاتيحه، وهم نجومنا اللامعة التي نهتدي بها في ليل الجهل الطويل، فقد حملت الجريدة اسئلتها العطشانة لعلها ترتوي من ينابيع المعرفة الغزيرة التي تتدفق من بين أصابع علمائنا الأجلاء. لقد  تسببت "المفاجأة الاسترالية" في خلق حالة غير مستغربة من التباين في وجهات النظر بين "ورثة الأنبياء".  فهذا يجيز الآلة لاعتبارات معينة، وآخر يتحفظ عليها لاعتبارات معينة.  بالتأكيد سيسمون هذه الفوضى الفقهية، والعجز عن بناء رؤية مشتركة... بأنها رحمة للمسلمين!  لكنهم لا يرحمون المسلمين عندما لا يختلفون، بل يتصلبون في مواقفهم ضد المرأة والأقليات الدينية والآخر والمفاهيم والفلسفات الغربية المتحضرة كالديمقراطية والعلمانية والليبرالية والحداثة.

 

بعد أن خلصت من قراءة آراء "أصحاب اللحوم المسمومة"، تجولت بين تعليقات القراء.  لاحظ أن الجريدة ذات توجه اقتصادي، وبالتالي فإن من يزورون الموقع غالباً ما يبحثون عن موضوعات تتحدث عن أسواق المال، المنتجات المالية، أخبار الشركات، القرارات الاقتصادية، تطورات الأزمة المالية، وما إلى ذلك.  الطريف أن هذا الموضوع استقطب أكثر التعليقات، إذ لا شيء يسمو فوق قضايا الدين والطائفية والمرأة والجنس لدينا.  الجميع يمتلك حساسية مفرطة تجاه أي مسألة تتصل بالدين، كالحجاب والفوائد البنكية والغناء والتمثيل والنحت.  شخصياً، اجد في تعليقات القراء ترسيماً عفوياً لخارطة العقل العربي بتضاريسه الناتئة والذي يغلب عليه الانفعال أكثر من أي شيء آخر.  كما لا أنكر أني أجد في تعليقاتهم مادة للتندر والضحك، وإليك واحدة من طرائف القراء، كما جاء في تعليق مبتسر لرجل غيور اسمه عتبي عبدالقادر من الجزائر، قال فيه: "يجب أن يتأكد منها خبراء ذوي ثقة بأنها لا تحمل أي اشعاع أو غير ذلك.  انتبهوااااا".

 

تخيل، الشركة الاسترالية تمرر خطة شيطانية لإفناء المسلمين عبر آلة الوضوء، وذلك بوضع مواد مشعة ستفتك بوجه ورأس وقدمي ويدي المسلم، وهو يتهيأ للوقوف بين يدي الله!  لا ريب أن أبلسة الغرب والتشكيك في نواياه يكاد يكون من المسلمات المتعارف عليها بين المسلمين، ولولا هذا الموقف الفقهي المتأزم لما كان هناك من حاجة لتقسيم العالم إلى فسطاط الحق والخير وفسطاط الضلال والشر، ولتداعت عقيدة الولاء والبراء من الأساس، لكن أن يصل العقل إلى هذا المستوى الكاريكتوري فهو أمر يدعو للرثاء.  ذكرني تحذير هذا الجزائري بما قاله رجل بدوي لصحيفة محلية في أواخر الثمانينات، كانت تستطلع آراء الناس بشأن حزام الآمان.  تصور ما قال هذا الرجل!  قال أن حزام الأمان الذي يضعه سائق المركبة ما هو إلا خطة خبيثة من الكفار لقتل المسلمين.  كيف ذلك؟  يكمل صاحبنا الأمي تفكيكه لخيوط المؤامرة الصليبية بقوله أنه في حالة وقوع حادث، فإن الحزام سيمسك بالسائق، وسيحول دون خروجه من عربته، مما قد يتسبب في موته!  

affkar_hurra@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط