حسين ديبان / Nov 30, 2005

ثارت النفوس واكفهرت الوجوه وزمجرت القلوب وارتعدت الفرائص وتعالى الصراخ وبدأ النحيب والعويل وفتح الجميع أفواههم مندهشين مما حصل في مهزلة الانتخابات المصرية حيث من المتوقع حصول الإخوان المجرمين على نسبة من مقاعد البرلمان لا تقل عن الربع. وكل هذه المظاهر التشنجية التي بدت على الكثير من مثقفينا لا يفهم لها سببٌ ولا معنى، فإن كانوا لا يتوقعون فوز الإخوان فهم مخطئون وواهمون وغافلون، وإن كانوا بمواقفهم هذه يمنَون أنفسهم ببقاء الوضع على ماهو عليه من سيطرة كاملة لنواب الحزب الحاكم على البرلمان المصري، وهو مافعله هؤلاء المثقفون بمواقفهم هذه سواء عن علم أو بدونه أملا منهم بالحفاظ على بعض فتات المكاسب الذي يؤمنها بقاء سيطرة الحزب الحاكم على البرلمان، والتي ستزول حتما مع وصول هذا الكم من نواب التقية والتدليس، وإن كانوا قانعين بذلك الفتات من المكاسب فإنهم بهذا الموقف يشكلون عاملا من عوامل التأخير في طريق وصول  الشعب  إلى مرحلة الإنتقال التاريخي؛ مرحلة تجاوز حكم الطغيان بنوعيه الديني والسياسي إلى الأجواء الرحبة للديمقراطية، وماتضمنه من تنوع وتعددية وإحترام حقيقي لخيارات عموم الشعب، عندما يستعيد هذا الشعب عقله المصادر وإرادته المسلوبة.

 

فالإخوان حتما كانوا سيحصلوا على كل مقاعد البرلمان فيما لو تمت هذه الإنتخابات في ظروف تضمن لها الحرية والشفافية. ومرشد الإخوان كان سيفوز بكل أصوات المسلمين من الشعب المصري فيما لو رشح نفسه لإنتخابات رئاسية حرة ونزيهة. ومن المؤكد أن الرئيس مبارك في ظل هكذا إنتخابات حرة ونزيهة ماكان ليحصل إلا على أصوات  عائلته والمنتفعين من حكمه الفاسد، ولا أجد أي غرابة ولا يثير في نفسي أية دهشة، هذا المتوقع من فوز كاسح للإخوان في ظل  سياسة التجهيل والتزييف وغسل الأدمغة التي تمارس ضد عقل المواطن من خلال السموم التي تبثها مناهج التعليم التجهيلية والذي تطغى فيه مواد الدين والجهل والظلام على مواد العلم والنور إن وجدت هذه المواد. وأيضا مايبث من خلال مئات الألاف من المساجد التي تحولت إلى مراكز دعائية يغيب عنها وجه الله لصالح وجوه من يمثلونه من الأفاقين والدجالين الذين  تخلوا عن (دشاديشهم) القصيرة وعماماتهم وشذبوا لحاهم ووضعوا كحل عيونهم جانبا ولكن الى حين، وكذلك ما غدا عليه الإعلام (الزغلولي-العمروي) من أداة طيعة بيدهم لترويج الجهل تحت يافطة الإعجاز العلمي للقرآن، وشحن الناس بمناحات بكائية تتوسل إيمانا وعبادة ليس للإله وإنما لوكلائه في الأرض من الإخوان التجهيليين.

 

كيف لا يفوز الإخوان وقد أصبح حال الشعب على ماهو عليه، هذا الشعب الذي غدا وبشكل كامل تحت تأثير أفيونهم مما جعله أعمى البصر والبصيرة لا يرى ماحصل لأخوته في الدين من الأفغان والإيرانيين الذين عانوا كل مرارات القتل والتشريد في ظل سطوة هذا الدين ورجاله.. هذا الشعب الذي علموه أن لا يستفيد من دروس الأخرين وتجاربهم، وينتظر كالقطيع أن يجرب دموية رجال هذا الدين ولصوصيتهم من أرواحه وممتلكاته.. هذا الشعب الذي لا يدرك أن هناك اختلافا سيدفع ثمنه بين متعة ترتيل النصوص ودموية تطبيقها..

حسنا يفعل هذا الشعب بإنتخابه لهؤلاء، وكم كنت أتمنى لو أتيحت لهذا الشعب فرصة ديمقراطية حقيقية يختار فيها برلمانا كاملا من الإخوان المجرمين التجهيليين وكذلك رئيسا للدولة  منهم، حينها سيرى نموذجا في الحكم لا يختلف عن نظام الحكم الأفغاني الطالباني الدموي وهو ليس جديد على حياتنا. ولو تقرأ شعوبنا التاريخ بعيون سليمة وعقول مفتوحة لعلمت أن هذا النوع من الحكم ليس غريبا ولا شاذا وإنما هو وريث شرعي لكل أصناف الحكم الدموي التي اختلفت اسماً وتطابقت جوهرا من الراشدين الى العثمانيين مرورا بالأمويين والعباسيين والفاطميين، وحينها فقط سيدرك هذا الشعب أي مأزق دموي خطير وضع نفسه فيه، مما سيفرض عليه العمل على استعادة عقله الذي صادروه وإرادته التي سلبوها لتبدأ لحظة الإنتقال الكبرى من مرحلة الدين والخرافة الى مرحلة العلم والبرهان، ومن مرحلة الدولة الدينية الضيقة التي لا حياة فيها للآخر الى الدولة المدنية الأرحب التي يعيش تحت ظلالها كل فئات الشعب.

 

 

إن دهشة المثقفين العرب من انتخاب الشعب لممثلي الدين وبالتالي قلقهم حيال ذلك لا مبرر له اطلاقا، بل يجب أن يكون ذلك من أسباب غبطتهم وتفاؤلهم بالمستقبل، لأن السلطة هي مقتل ونهاية الفكر الديني ورجاله، فنصوص القرن السابع الميلادي التي انتفض عليها الكثير من الناس في ذلك الوقت لن تصلح بأي حال من الأحوال لتكون نظام عمل ودستور حياة لأبناء القرن الحادي والعشرين وهو الشيء الذي لن تدرك عامة الناس معانيه الحقيقية إلا حين يتاح لأصحاب تلك النصوص تطبيقها على الناس الذين انتخبوهم، فدعوا الجماهير تفعلها وتنتخبهم.. وحسنا جدا ما فعلوه بإنتخابهم.

حسين ديبان   hdiban69@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط