هشام محمد / Jan 21, 2005

عندما تحركت القوات الأمريكية (الغازية، المحتلة، الصليبية، الكافرة) مصطحبة وراءها بعض من أفراد القوات العراقية (المتواطئة مع المحتل المجرم، والخائنة لمبادئ العروبة، والمتنكرة لروح الأخوة الإسلامية) لمحاصرة مدينة الفلوجة التي نقشت اسمها في ذاكرة التاريخ، وصارت رمزاً مشرفاً للكرامة العربية الأبية، والإرادة الإسلامية المتجددة، رقص قلبي فرحاً، وقلت في نفسي: دبور وزن على خراب عشه.

تساءلت بكثير من الاستغراب: ألا يعلم هؤلاء الأمريكان الكفرة وأولئك العراقيون الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ما ينتظرهم من الويل والخزي على أبواب الفلوجة الباسلة؟ ألا يدرك هؤلاء المغرورون بكثرة عددهم وعتادهم أن الفتية المجاهدين، ممن باعوا الحياة الدنيا الحقيرة بالحياة الآخرة الأبدية، واختاروا نار المعارك وجحيم المطاردات اليومية على جنة المحتل الزائفة ووعوده العرقوبية، أنهم لن يكونوا صيداً سهلاً وهدفاً سهل المنال؟ عموماً، هناك مثل عربي قديم يقول: "على نفسها جنت براقش." وبراقش هنا هي أمريكا الملعونة. إنها تشبه جيش فرعون الذي أوقعه عناده وغروره في الفخ، فالتهمته أمواج البحر عن بكرة أبيه. لاريب أن هناك سيناريو ما سيجعل من الفلوجة مقبرة كبرى لفراعنة العصر. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

إن الله لن يتخلى عن جنده الذين تقاطروا على الفلوجة من دول الجوار، حاملين على كفوفهم أرواحهم، حالمين بشرف الشهادة والفوز بجنان الخلد، متلهفين لتناول طعام الغداء مع رسول الله، طامعين باكتساب حبات " فياجرا إلهية" تمنحهم قوة ألف حصان تكفي لمضاجعة أثني وسبعين حورية أعمارهم تتأرجح حول الثلاثة والثلاثين عاماً كما تذكر كتب التراث. إن الله لن يخذل أنصاره الذين احيوا " طالبان" في بلاد الرافدين بعد أن غدت رماداً في أفغانستان، وجعلوا من الفلوجة خنجراً في خاصرة المغتصب الجبان وعلقماً في فم بوش المسيحي المتصهبن. إن الله لن يدير ظهره ويكتفي بالفرجة على أولئك الأبطال الذين أعادوا الاعتبار لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ليبرهنوا على أن قوانين السماء (السمحاء) صالحة لكل زمان ومكان. إن الله لن يترك أبناءه المخلصين الذين عمروا الأرض واستكملوا شروط الاستخلاف بقطع رؤوس الكفار، وبتحجيب النساء وإعادتهن ليقرن في بيتهن، وبتحطيم وتكسير أسطوانات الأغاني والأفلام الشيطانية، وبتزويج الفتيات الصغيرات القاصرات من المجاهدين الأبطال (احتذاءً بسنة نبي الإسلام وحمايتهن من المغتصب الأمريكي الشهواني)، وبتصدير السيارات المفخخة لتحصد العراقيين المتخاذلين والأمريكان الأنذال.

المآذن تضج بالدعاء.. كفوف المصلين الخاشعين تستجدي رحمة السماء.. إمام مسجد الحي، في كل ليلة من ليالي النصف الأخير من رمضان، يدعو بصوت يخالطه الدمع و يخالجه النحيب: "اللهم انصر شعب (!) الفلوجة." فترتفع أصوات المأمومين: آمين! أكاد لحظتها اسمع من بعد صوت رسول الله وهو جالس في عريشه المطل على ساحة القتال يوم بدر مبتهلاً إلى الله: "اللهم إن تهلك هذه العصابة (المسلمين) لا تعبد في الأرض." لا.. لن تسقط الفلوجة أبداً، فإني أرى في الأفق البعيد بشائر النصر. نعم! أكاد أرى أبواب السماء تنفتح ليتدفق منها مدد من الملائكة المسومين جاءوا ليثبتوا قلوب المجاهدين الأشراف ويزلزلوا الأرض تحت أقدام المهاجمين الأنجاس.
في يوم بدر المشهود، خرجت قريش المشركة في حوالي ألف مقاتل بينما كان عدد المسلمين حوالي الثلاثمائة. بحسابات المنطق فإن الكفة تميل وبشدة لمصلحة قريش، إذ كان يتوجب على المسلم الواحد أن يقاتل ثلاثة من الكفار دفعة واحدة! لكن الله لم يخذل جنده ويتركهم نهباً لسيوف وحراب قريش، إذ سرعان ما بعث بجيش مكون من ثلاثة آلاف من الملائكة كانوا في صور الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض (لابسين أبيض في أبيض مثل الأموات الطيبين الذين يأتون في المنام) قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم. لقد حفظت كتب التاريخ نماذج باهرة لمساهمات الملأ السماوي في كتابة أول نصر تاريخي عسكري للإسلام. فمن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب البيهقي (دلائل النبوة)، أن أبي بردة بن نيار ألقى بين يدي النبي ثلاثة رؤوس لقتلى قريش، ثم قال:
" يا رسول الله، أما رأسان فقتلتهما، أما الثالث فإني رأيت رجلاً أبيضاً طويلاً ضربه، فأخذت رأسه، فقال رسول الله: ذاك فلان من الملائكة." (حروب دولة الرسول، سيد القمني: ص 101).

آه.. لو أن الملائكة لم تأخذها رأفة بكفار قريش واكتفت فقط بقتل سبعين رجلاً من جملة ألف رجل. للأسف الشديد أن اللين والشفقة على الأعداء قابلها ملحد كابن الرواندي (قبحه الله) بازدراء ليطعن في الإسلام ويشكك بقوة الملائكة. لقد تساءل هذا الخبيث بقوله: "من هؤلاء الملائكة الذين أنزلهم الله يوم بدر لنصرة نبيه؟ إنهم كانوا مفلولي الشوكة قليلي البطش.." لا حاجة للرد على الأموات، ولكن انظر إلى حصيلة القتلى وحصيلة الأسرى وكلاهما بلغ سبعين رجلاً. ألا يذكرك ذلك الرقم بشيء؟ إن سبعة ومضاعفاتها (سبع سماوات، سبع أراضين، سبع سنوات عجاف، يهوى في الجحيم سبعين خريفاً) لها مكانة عظيمة وقيمة مهابة لا يشكك فيها إلا من في قلبه مرض. وأكاد أجزم أن تمكين الله المسلمين من قتل سبعين وأسر سبعين هو إعجاز إلهي آخر يضاف إلى قائمة المعجزات اللانهائية.

إن ما وقع قبل أكثر من أربعة عشر قرناً قابل للتكرار مرة أخرى. لما لا؟ فهنا مسلمون.. وهناك كفار.. وهنا أقلية مستضعفة.. وهناك أكثرية متسلطة. لا شك أن الملائكة ستنصب سيركاً مثيراً بعد انضمامها لمجاهدي الفلوجة الأخيار. فكما أن حفنة تراب في يد أفغاني كانت كافية لإحراق دبابة سوفيتية، وأن بندقية تشيكية عتيقة كانت كافية للمزارع البسيط (أبو منقاش) لإسقاط طائرة أباتشي الأمريكية، فإن رصاصة كلاشينكوف قد يطلقها مجاهد ملثم كافية لمحو فرقة أمريكية بأكملها. وما ذاك على الله ببعيد.
مضى اليوم الأول
.. فالثاني.. ثم الثالث والمجاهدون الأخيار يتساقطون كأوراق الخريف ما بين قتيل وأسير. في كل ساعة كان الأمريكيون يكتسبون أرضاً ويحصدون نصراً دون أن يصابوا إلا بخدوش صغيرة. حتى أماكن خطف الرهائن.. أقصد أماكن تقديم القرابين السماوية قد دنسها الخنازير الأمريكان. الوقت يمضي.. جيوب المقاومة تنهار.. طالبان مرة أخرى تسقط..

اقفل الستار.. وأضيئت الأنوار.. ولم يصل الإسعاف السماوي بعد! لقد ظل الملائكة المسومون دربهم إلى الفلوجة. أحدهم أسر لي بأن الله لم يبعث بجنده لنصرة المجاهدين بسبب أن هناك عناصر بعثية اشتراكية قومية صدامية منحلة قد التحقت بمجاهدي القاعدة. فلو أن (كير) البعث لم يخالط (طيب) القاعدة لما منع الله جنده السماويين من معاضدة عباده المخلصين في الفلوجة. فهذا درس قاسٍ يجب أن يعيه المجاهدون المسلمون في المرات القادمة، فلا يجب السماح لمن لهم انتماءات (كفرية) بشرف الانضمام لصفوف المقاومة إلا بعد أن يستتاب ثلاثة أيام. وهذا لعمري تفسير معقول جداً ربما لم يفطن إليه أحد من المحللين الفضائيين العسكريين الأغبياء ضعيفي الإيمان. وبما أننا لا نملك شرحاً مؤكدا يفسر لنا سبب امتناع الملائكة عن النصرة، خاصة وأن الأمريكان الملاعين لم يسمحوا للصحافيين والفضائيات من دخول المدينة، فإنه من الجائز أن يكون سبب تخلي الملائكة عن تقديم يد العون هو ذات السبب الذي حدث يوم أحد عندما عصى رماة النبال أوامر النبي محمد بأن لا يتركوا مواقعهم في الجبل مهما كان السبب. لكن لعاب رماة النبال سال لمجرد رؤية قتلى قريش في سفح الجبل فهبطوا للظفر بأسلابهم، الأمر الذي سهل على خالد بن الوليد ـ قبل إسلامه ـ أن يلتف عليهم ويلحق الهزيمة بالمسلمين. إذاً من الجائز جداً أن يكون بعض المجاهدين ـ هداهم الله وتجاوز عن سيئاتهم ـ قد عصوا أوامر قائدهم فهبطوا من أسطح المنازل للحصول على أسلابهم، فاستغل الأمريكان الفرصة لينضموا إلى صفوفهم وليلحقوا الهزيمة بهم كما حدث يوم أحد.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط