بسام درويش / May 02, 2015

موقع العربية يشبه الصحف الصفراء الرخيصة التي تبحث عن أي حدث مهما بلغت تفاهته، فتضع له العناوين المثيرة وتعلق عليه بأسلوب سخيف لغاية اجتذاب القراء.

من هذه الأخبار ما نشرته مؤخراً لمراسلها في لندن كمال قبيسي تحت عنوان "الأميركية التي ترحب بالجميع بين زبائنها إلا المسلمين،" جاء فيه:

"في أميركا، الموصوفة ببلاد الحريات والقوانين التي تمنع التمييز، جدل حول أميركية اسمها جين مورغان، ومنعت منذ 4 أشهر أي مسلم أن يكون من زبائنها في شركة تملكها لبيع البنادق والمسدسات مع ناد للرماية بولاية أركنساس، من دون أن يمنعها أي قانون، ولا اتخذت منظمة إسلامية، ومنها "كير" الشهيرة، أي خطوة بحقها عبر القضاء، سوى احتجاج روتيني، ما أن صدر حتى مات كأنه لم يكن.

ومنذ يومين ذكرت جين أن حجم أعمالها تضاعف بعد القرار الذي اتخذته تحت شعار "منطقة حرة من المسلمين" ووضعته مكتوبا مع عبارة ثانية عند مدخل حقل الرماية، مضيفة فيما قرأته "العربية.نت" عنها بموقع "نيويورك ديلي نيوز" أنها لا تتحرى عن الأشخاص، بل تتعرف إلى ديانة الواحد منهم من اسمه فقط، فإذا رن لحنه بأذنها بطريقة توحي بأنه من أتباع الدين الحنيف، فإنها ترد طلبه سريعا.

ذكرت أيضا لمحطة "فوكس نيوز" الأميركية، أنها وضعت لوحة كتبت عليها عند مدخل "حقل الرماية" حيث يتدرب زبائنها على السلاح، واسمه Gun Cave Indoor Firing Range في أركنساس، عبارة كلها تحدي، وفيها تقول: "أنا الكافرة التي حذركم امامكم منها" الا أن أحدا لم يتقدم بأي شكوى، بل فقط احتجاج صدر عن "مجلس العلاقات الأميركية- الاسلامية" المعروف باسم CAIR اختصارا، وآخر عن "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" المختصر فرعه بأحرف ACLU في أركنساس.

وما فعلته منظمة "كير" الى الآن هو رسالة بعثت بها الى النائب العام في أركنساس، إريك هولدر، تحثه على التحقيق في حجم العنصرية الي تمارسها جين بحق المسلمين، متذرعة بأنهم ارهابيون كالنازيين، أو كأعضاء جماعة KKK ممن قرأت "العربية.نت" بأن أفرادها يؤمنون بتفوق البيض عنصريا على الآخرين، وبمعاداة كل سامي أو أفريقي.

وحذرت جين أعداءها، بأن عددا كبيرا من المؤيدين لموقفها "أعلنوا عن استعدادهم لتغطية تكاليف أي دعوى قضائية" يقيمها أحدهم عليها، وقالت: "نحن نتعامل مع أسلحة فتاكة، لذلك لن أسمح لنازي أو لواحد من "كو كوكس كلان" بأن يأتي الى الحقل للتدرب على السلاح" في اشارة منها الى أنها لا تستهدف المسلمين فقط، الا أنها تضعهم مع النازيين الجدد، كما وجماعة Ku Klux Klan في سلة واحدة كإرهابيين ممنوع التعامل معهم."

=====================

لا يخفى على القارئ الحصيف أن كاتب الخبر السيد القبيسي يسخر من أمريكا بإشارته إليها بأنها "الموصوفة ببلاد الحريات والقوانين التي تمنع التمييز..."

من المعروف بأن المراسل الصحفي الملتزم ينقل الخبر عادة دون أن  يضمنه رأيه، حيث أن المزج بين الخبر والرأي الشخصي قد يعرّض المراسل لفقد مصداقيته. لكن من يتابع الأخبار الذي ينقلها القبيسي لموقع العربية يعرف تماماً أنه من الأشخاص الذين لا مصداقية لهم على الإطلاق، وأنّ لا فرق بينه وبين التابلويد "العربية" التي تستخدمه كمراسل لها.

يتباكى القبيسي على ما آلت إليه أمريكا فلا يرى في "حرياتها وقوانينها التي تمنع التمييز" إلا مجرد وصف لا غير لأنّ صاحبة محل لبيع الأسلحة لم تفعل في الواقع إلا ممارسة حقها في هذه الحريات  التي يمنحها إياها القانون.  

***********

الحريات في أمريكا لا تنتظر بالتأكيد شهادة توثيق من أحد، وبالذات من هذا المتطفل على مهنة الصحافة.

مالكة المحل، سواء كانت محقة في رفض بيع السلاح لمسلم أو لم تكن، فإنّ قرارها لا يقلل من كون أمريكا بلد الحريات حقاً وليس وصفاً. هذا البلد الذي يمارس فيه المسلمون حقوقاً لا يجرؤون حتى على مجرد التفكير فيها في أي بلد إسلامي، ومنهم منظمة "كير" نفسها التي يتحدث القبيسي عنها والتي تعمل بمطلق الحرية في أمريكا بينما تعتبر منظمة إرهابية في دولة إسلامية كالإمارات العربية المتحدة. 

كان على القبيسي قبل أن يمدّ لسانه وهو يلهث باحثاً عن كلمة يغمز بها للإساءة إلى أمريكا، كعادته في أخباره التي يبعث بها إلى صحيفته الصفراء، أن يتوقف قليلاً عن هزّ ذنبه فرحاً باستنتاجاته وأوصافه، ليفكّر ويحدّث قراءه عن الديانة التي لا نفتأ نسمع المطبلين من أصحاب الدعاية الإسلامية وهم يصفونها بديانة التعاليم السمحاء. كان عليه أن يحدث قراءه عن كيفية تطبيق المسلمين في بلادهم لهذه "السماحة" على المسيحيين، سواء كانوا من مواطنيها أصحاب الأرض الأصليين أو من زوارها أو العمال الآسيويين من المسيحيين وغير المسيحيين الذين يُضربون ويهانون ويجبرون على اعتناق الإسلام. كان عليه أن يتحدث عن المسيحيين الذين يساقون إلى السجون والمحاكم لأنهم أقاموا صلواتهم حتى داخل بيوتهم، أو عن مصادرة الكتب أو الرموز الدينية من الأجانب في المطارات بمجرد اكتشافها في حوزتهم لأنها تتعارض مع تعاليم الدين السمح. كان عليه أن يحدث قراءه عن الكنائس التي تحرق والرؤوس التي تقطع دون أن تخرج مظاهرة واحدة للمسلمين في أي بلد من البلدان يرفعون فيها رايات تحمل ولو عبارة واحدة من القرآن تدين هذه الأعمال البشعة وتؤكّد سماحة الإسلام.

بنظر هذا القبيسي، كل الأعمال التي يقوم بها المسلمون ضد المسيحييين لا تنتقص من "سماحة الإسلام"، بينما تصبح أمريكا مجرد بلدٍ "موصوف" ببلد الحريات، لأن مالكة محل أسلحة قررت أن لا تبيع سلاحاً للمسلمين أو أن لا تسمح لهم بالتدرب في محلها.   

إذا كان قرار امرأة صاحبة محل أسلحة برفض بيع أسلحة لمسلمين قد جعل الحرية في أمريكا مجرد ادّعاء، فماذا أبقى المسلمون من هذا الدين الذي يصفونه بـــ "السمح"، والذي لا تتضمن تعاليمه في الحقيقة ذرة سماحة!

قبل أن يفكّر مسلمٌ بالتباكي على الحرية في أمريكا، عليه أن يبدأ بتحرير نفسه من الظلم الذي يخنع هو له، إذ لا يجوز لعبدٍ أن يتباكى على حرية أحد من الناس وهو مكبّل القدمين واليدين واللسان.

************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط