بسام درويش / Sep 14, 2002

إلى السيد "أحمد نبيل حمام".

شكراً على رسالتك التي بعثت بها إلينا والتي قصدت منها تفنيد إيمان المسيحيين بألوهية المسيح وموته على الصليب. نأسف لعدم تمكننا من نشر رسالتك للأسباب التالية:

هناك رسائل تصلنا باللغة العربية بحروف عربية واضحة مقروءة. وهناك رسائل أخرى يكتبها أصحابها بالعربية ولكنها تصلنا بشكل رموز نقوم نحن بتحويلها إلى عربية مقروءة عن طريق برنامج خاص. وإلى أن يكون بمقدورنا شراء كمبيوتر جديد ونسخة متقدمة "للويندوز"، فإنه لن يكون بين يدينا من طريقة أخرى سوى هذه الطريقة. هذا العمل يأخذ منا وقتاً لا نتردد عن التضحية به عندما تكون الرسائل قصيرة بحدود بضعة سطور. الرسائل الطويلة تحتاج منا إلى وقت طويل بعد تحويلها إلى العربية لإعادة ربط جملها وسطورها بعضها مع البعض الآخر، وأيضاً لإسقاط الرموز الكثيرة التي تبقى بين الكلمات والسطور. رسالتك، هي أولاً، طويلة جداً كما تحوي على فقرات متكررة عديدة. لقد تمكنا من قراءتها قبل تشذيبها ولكن لا نخفي عليك بأننا فضّلنا أن لا نضيع أي وقت على تشذيبها وجعلها قابلة للنشر لسبب آخر أهم من كونها طويلة. بعبارة صريحة، لو وجدنا في رسالتك ما يستحق التضحية بالوقت، لضحينا به كي لا نحرم القراء من مادة جيدة سواء كانت مؤيدة أو ناقدة.

موضوعك يا سيد أحمد ليس من المواضيع التي تهتم الناقد بنشرها، لا لأنه يحمل هجوماً على العقائد اللاهوتية المسيحية، ولكن لأن الناقد ليست مجلة تبشيرية ولا تفسح مجالاً للأبحاث اللاهوتية إلا إذا كانت من منطلق فكريّ علماني. وعلى أية حال، وبصراحة متناهية يا سيد أحمد، لا يسعنا إلا نقول لك أنك لا تبدو من خلال ما كتبت، مؤهلاً للخوض في هذه الأبحاث مطلقاً، لا من الناحية الدينية البحتة، ولا من الناحية الفكرية. مقالتك ضعيفة أسلوباً ولغةً، ومليئة بالاقتباسات الخاطئة والانفعالات العاطفية الغاضبة، وأفكارك سطحية غير ناضجة منقولة بشكل سيئ ومبعثر عن سطحيين آخرين لا يعرفون الكثير لا عن المسيحية ولا عن الإسلام. الموضوع الذي طرحته عن ألوهية المسيح وصلبه وقيامته هو أكبر منك وأيضاً أكبر مني، رغم ما يزيد عن الأربعين سنة التي قضيتُها وأنا أبحث فيه. إضافةً إلى ذلك، فإن هذا الموضوع كان موضوعَ جدالٍ بين كبار اللاهوتيين المسيحيين وكبار فقهاء الإسلام منذ ظهور الإسلام، ولسوف يبقى كذلك إلى ساعة القيامة.

من جهة أخرى يا سيد أحمد، أنا شخصياً لا أفهم سبباً يجعلك تثور، أنت أو غيرك، كل هذه الثورة، على المسيحيين لإيمانهم بأن المسيح هو إله أو ابن الله. إذا كنت تدّعي أنك حقاً قد تعمقت في المسيحية وتوصّلت إلى هذه القناعة بأن المسيحيين كفار وملحدين، فلا أحد يجبرك على الإيمان بها أو يهدد بقطع رأسك إن لم تفعل. لا بأس في أن تبدي رأيك، أما أن تنفعل وتغضب، فكأنك تعطي غيرك الحق أيضاً في أن يغضب لما تؤمن أنت به من معتقدات لا يرى فيها إلا خرافات مضحكة.

يصعبُ عليك أن تؤمن بألوهية المسيح؟.. وأنا يصعب عليّ أن أؤمن بنبوّة محمد. الفرق بيني وبينك هو إنني إذا أردتُ التخلّي عن المسيحية ورمي كتابها في سلة المهملات، لن يهدد بقطع رأسي أحد. بينما حبّذا لو جرّبت أنت أن تعلن بأنك تنبذ دين الإسلام وأنك سترمي بالقرآن في سلة المهملات! لا شكّ في أنّك ستعيش خائفاً مختبئاً تحت اسم مستعار طوال حياتك. 

في كل مذهبٍ ديني يا عزيزي أحمد ناحيتان. ناحية عقائدية إلهية يعرّفها الباحثون بالأديان بالـ "ميثولوجية" أي عِلم القصص أو الخرافات أو الأساطير التي تدور حول فكرة الآلهة والقوى الخفية. وناحية أخرى، تتعلق بالتعاليم التي تتصل مباشرة بالإنسان وتؤثّر في حياته اليومية وعلاقاته مع غيره من بني البشر.

الناحية الأولى هي ناحيةٌ إيمانيةٌ يصعب التخلي عنها إذ غالباً ما يتشرّبها الناسُ مع حليب أمهاتهم. هذه الناحية الإيمانية هي حق لك لا يجوز لأحدٍ أن يجبرك على التخلي عنها، كما يحق لك أن تعلن عنها للآخرين، أي أن تبشّر بها إن أردت. لكن، ومن نفس المنطلق، هذا الحق الذي تمتلكه هو حق للآخرين أيضاً، يمكنهم بموجبه أن يعلنوا لك عن نظرتهم الإيمانية. هذا الأمر هو أمرٌ حيوي يجب تشجيعه، لأنه يساعد الناس على تفهّم غيرهم بشكل أفضل. 

طبعاً، من حقك أن تصمّ أذنيك وتوصد نوافذك وترفع أسوارك وتمتنع عن سماع الآخرين وهم يحاولون الإعلان عن عقائدهم لك، لكن ليس من حقك أن تطلب من الآخرين إغلاق أفواههم ومنعهم عن التحدث بها، والعكس هو أيضاً صحيح. ومما كتبتَ، يظهر واضحاً أنّ النزر القليل الذي تعلمتَه عن المسيحية كان مصدره فقط أفواه أناسٍ أحاديّي النظرة.

أما فيما يتعلّق بالناحية الأخرى للدين وهي الناحية العملية والمتعلقة بشؤون الحياة وتنظيم المجتمعات وبعلاقة المجموعات الإنسانية بعضها مع البعض الآخر، فهي ما نهتمّ بالبحث فيه على صفحات الناقد. ولغاية الإيضاح أضرب لك مثلاً: هناك أناسٌ يؤمنون بألوهية البقرة. هذا من حقهم طبعاً! وإذا أرادوا أن يمتنعوا عن أكل لحم البقر، فهو من حقهم أيضاً. من ناحيتي أنا، سأحترم هذا الحق طالما أن نصوص دينهم لا تحرّضهم على قتالي لكوني من أكلة اللحوم. أما إذا نصّت تعاليمهم على ذلك حقاً، لَحَقَّ لي بأن لا أعتبرها أمراً خاصاً بهم، بل اعتداءً واضحاً على حريتي لا أستطيع أن أقف صامتاً أمامه.  

من هذا المنطلق أقول يا سيد أحمد، أنه لا يهمنا من الإسلام قولَهُ بموت المسيح أو عدم موته، أو بأن الله واحد أو تسعة وتسعون. ما يهمنا منه، هو ما يتعلق بمصيرنا وحياتنا نحن، ومصير وحياة كل الذين لا يؤمنون به، ومن ضمنهم الذين يريدون التخلي عنه.  

ننتقد الإسلام حين نسمع ونرى المسلمين يأخذون مأخذ الجدية عبارات محمد التي يدعو فيها إلى قتال كل من لا يؤمن به، مصدّقين أنها أوامر إلهية. ننتقد الإسلام لقوانينه التي شرّعها بخصوص المرأة، لأن نتائج الظلم لا تنتهي عند الفرد بل هي كالمرضِ المُعدي الذي لا يتوقف عند المريض.

الأمور التي ننتقدها هي الأمور التي تقبلُ الجدالَ حولَ صحتِها أو خطئها، أما ما يتعلق بالميثولوجيات، فلا أحد بيننا بقادرٍ على تقديم برهان للآخر يثبت به صحة عقيدته أو خطأ عقيدة غيره.

إيماني أنا مثلاً، بالمسيح إلهاً، ليس فيه ما يهدد حياتك. كذلك إيماني بما قال المسيح وعلّمه، ليس فيه ما يهدد حياتك. إيمانك بمحمد كنبي هو أيضاً لا يهدد حياتي، ولكن إيمانك بكل كلمة قالها محمد في ساعة من ساعات صداعه، ثم جعل منها قانوناً إلهياً، هو بالتأكيد أمر يهدد مصيري ومصير كل إنسان، ومن حقي أن أنتقده وأحذّر منه.

رأينا في الإسلام بدون أي مواربة، أنه دين ظالمٌ لأتباعه رجالاً كانوا أو نساءً، وكذلك لغير أتباعه، مسيحيين كانوا أو يهوديين أو هندوسيين أو عابدي قرود.. المسيحية دين سلام ومحبة، ولا يمكنك لا أنت ولا أحد غيرك أن يصفها بالعكس؛ كذلك هي البوذية وكل الديانات الأخرى. وحده الإسلامُ دينٌ عدواني يدعو للانتشار عن طريق القوة ويهدد أتباعه بالموت إن حاولوا التخلي عنه. هذا موضوعٌ يمكنك يا سيد أحمد أن تقنعنا بما لديك عنه ونعدك بأن نكون لك آنذاك آذاناً صاغية.

كلمة صغيرة أنهي بها جوابي يا عزيزي أحمد: آمِن بالحجر إذا شئت. هذا من حقك. ولكن إياك أن تضربَني به!

مع أصدق التحيات.

المحرر 14 سبتمبر 2002  

****************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط