بسام درويش / Jan 12, 2002

ربما ليس منا، ولو لمرة واحدة في حياته، من لم يلجأ إلى القرع على الخشب لإبعاد العين الحاسدة، أو خوفاً من زوال النعمة أو الحظ. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلربما ليس منا من لم يرَ أحداً يقوم بذلك أو لم يسمع أحداً يطلب منه القرع على الخشب تفادياً لوقوع مكروه.

 

هذه العادة ليست مقصورة على شعب واحد من الشعوب، بل يمارسها الناس في دول متباعدة على اختلاف عقائدهـم ولغاتهم وأجناسهم. بعضهم يمارسها هازلاً دون أن يقيم لها أية أهمية، وبعضهم الآخر يمارسها ببعض الحرارة والإيمان رغم جهله بمصدرها أو بمعناها. وإن سُـئلَ أحدهم عن معناها أو عما إذا كان حقاً يؤمن بأنها تبعد الحسد، فإنه يجيب بما يجيب به غالبية الناس ويقول بأن "الناس هكذا يقولون!"

 

القرع على الخشب غالباً ما يتم بشكل عفوي وأحياناً بناء على طلب من الحاضرين وبشكل خاص عند التحدث عن صحة أحدهم والثناء عليها أو عن ثروته أو مدى نجاحه في العمل. وغنيٌّ عن القول إن عدم القرع عن الخشب عند ذكر أي من هذه الأمور، لن يؤدي إلى زوال الصحة أو اختفاء الثروة أو إلى الفشل المفاجئ في العمل، والناس بشكل عام يعرفون كل المعرفة أنها ليست سوى خرافة. ولكن لا بد من القول أيضاً أن هذه العادة، مثلها كمثل عادات أخرى مشابهة، تلطّف جو الحديث بين الناس وتبعث الراحة في قلوب بعضهم وخاصة أولئك الذين يقيمون وزناً كبيراً لعيون الآخرين. ومن هذا المنطلق نقول إنه لأمر طبيعي جداً أن يشعر بعض الناس أيضاً بعدم الراحة حين يعلق الآخرون على نجاحهم أو صحتهم أو ثروتهم إذا لم يُعبّر هؤلاء بطريقة ما على أنهم سـعداء حقاً لسعادتهم أو أنهم لا يحسدونهم. بعض الناس، رغم ما يتمتعون به من ثقافة بالإضافة إلى الثروة أو الصحة، يتوقعون شـيئاً من هذا القبيل، مثل القرع على الخشب، كدليل، حتى ولو كان سخيفاً، على صدق تمنيات الآخرين لهم بدوام السعادة.

 

ترجع هذه الخرافة إلى العصور القديمة حين كان الناس يعتقدون بأن الآلهة تسكن الأشـجار. ويقال أن تلك الفئة من الآلهة التي كانت تتخذ من الأشجار بيوتاً لها، كانت من النوع الكريم الذي يميل إلى المساعدة إذا عرف الناس كيف يتوسلون إليها. ولطلب معروفٍ من إحدى هذه الأشجار الكريمة الإلهية، كان على الطالب أن يلمس لحاء الشجرة، وبعد أن تقـوم الشجرة بالاستجابة للطلب، كان على الطالب أن يقرع على جذعها تعبيراً عن الشكر. ويقال أيضاً أن طالب المعروف من الشجرة كان يقرع عليها خلال حديثه معها كي يصم آذان الأرواح الشريرة المتواجدة هناك فيمنعها من سماع طلباته ويتجنب بذلك حسدها أو مكائدها.

 

من بين الشعوب التي كانت تقدس الشجرة تقديساً كبيراً، الشعوب السلتية Celtics القديمة في أوروبا التي كانت ترى فيها مظهراً من أعظم المظاهر الإلهية على الأرض، فكان الناس يقصدونها للاستعانة بقوتها للخلاص مما يواجههم في الحياة من حظ سيئ، كما كان كهنتهم "الدرويد" يقيمون أمامها شعائرهم الدينية في غابة مقدسة وعلى وجه الخصوص قبل أن تنخرط جيوشهم في معركة مع الأعداء.

 

ربما هناك من يقول بأنه إذا كان الأمر كذلك فليس هناك من ضرر في عادة كهذه أو ما شابهها من عادات طالما أن ليس فيهـا ما يؤذي. والجواب على ذلك هو أن هذا القول صحيح ولكن إلى حد ما فقط، إذ أن انعدام وجود الأذى في عادة من العادات ليس مبرراً أبداً لممارستها، لأن ممارستها تدفع، مع مرور الزمن، إلى ترسيخها وإلى إيمان البعض بها، والإيمان بخرافة يجر إلى الاعتقاد بخرافة أخرى.

 

عادة ربما لا تضر ولا تنفع، ولكن بماذا يمكننا أن نجيب على سؤال طفل لنا حين يشــاهدنا نبحث يميناً وشمالاً عن قطعة أثاث خشبية حولنا لنقوم بالقرع عليها ثلاث مرات أو أكثر؟.. هل يمكننا أن نقول له بحق أننا نطرد الأرواح الشريرة وأننا نفعل ذلك كي لا نخسر السعادة؟

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط