بسام درويش / Nov 14, 2008

كتب الدكتور أحمد البغدادي مقالة يبدو أنها حازت على إعجاب كثيرين إذ بعث لي بعضهم بها، وما زال آخرون يفعلون ذلك برغم مرور فترة لا بأس بها على نشرها، ينصحوني بقراءتها أو يطلبون مني التعليق عليها.

==========

الدكتور أحمد البغدادي إنسان وكاتب عظيم أكنُّ له كل الاحترام على الرغم مما تتضمنه بعض مقالاته من آراء أخالفه فيها مخالفة تامة، لكن، وإذ لا يمكنني أن أتجاهل المناخ الإرهابي الذي يعيش فيه كل كاتب عربي، فلا بد لي من أن أتفهّم خوف الكاتب وهو يستخدم أسلوب النقد غير المباشر.

أمّا ما لا يمكنني تجاهله، فهو استخدام الكاتب عباراتٍ لغاية الاحتماء بها في حالة تعرضه للمساءلة دون أن يقدّر عظمَ خطرها على عقول قرائه أو حتى على قضيته التي يكتب من أجلها. للأسف، بعض هذه العبارات يشكّل خطراً على عقول القراء ـ وخاصة المسلمين ـ أعظم بكثير مما يشكله خطر الأصوليين أنفسهم.

فيما يلي نصّ المقالة موضوع الحديث، وهي بعنوان "الأمة التي ليس لها مثيل".

================

"هذه الأمة هي الأمة الإسلامية، والتي ليس لها من الإسلام سوى الاسم، ولكن لا توجد أمة تضاهيها في 'المناقب' والصفات، حتى أنه يمكن القول أنها كاملة الدسم، أقصد الأوصاف، لكن لا تتطابق مع أغنية الفنان الراحل عبد الحليم حافظ.

 ونظرا لان هذه المزايا والمناقب لا يمكن حصرها في مقال صغير بهذا الحجم فسنوردها بإيجاز ليتمتع بها من لا يعرف هذه الأمة وخباياها. ومن هذه المناقب التالي: 
1 ـ أنها عالة على الأمم الأخرى في كل شيء من ملبس ومأكل وتقنيات وتعليم وصناعة وسياحة. ولو قلنا لكل ما تستخدمه هذه الأمة في حياتها أن تعود إلى أصل منشأها، لبقوا حفاة عراة.
2 ـ الوحيدة التي لا تزال تتعصب عنصريا ضد الآخرين من خلال التصنيفات الدينية (كافر ومؤمن)، والجنسية (رجل وامرأة.)
3 ـ الوحيدة التي تؤمن بالرق والعبودية.
4 ـ الوحيدة التي تتدخل في كل شيء لحياة الإنسان، حتى في غرفة النوم والأحلام.
5 ـ الوحيدة التي لا تزال تخضع لرجل الدين وتشاوره في كل صغيرة وكبيرة.
6 ـ الوحيدة التي يزداد فيها التدين ويرتفع مؤشر الجرائم المختلفة في نفس الوقت.
7 ـ الوحيدة التي تملك بلايين الدولارات والفقر والأمية تعششان بين شعوبها.
8 ـ الوحيدة التي تنص دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام، وفي نفس الوقت لا تسمح بتأسيس أحزاب دينية!!!
9 ـ الوحيدة التي لا تتبنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتدعي أنها أول من عرف هذه الحقوق.
10 ـ الوحيدة التي تقيم وزنا لرجل الدين رغم علمها انه لا ينفع ولا يضر.
11 ـ الوحيدة التي تكفر غير المسلم وفي نفس الوقت تركض وراءه ليوفر لها الحماية العسكرية من المسلم.
12 ـ الوحيدة التي لا تزال تؤمن أن المرأة لا تزال مجرد متاع للفراش.
13 ـ الوحيدة التي تدخل الهزائم العسكرية الواحدة تلو الأخرى ولا تحس بالمسؤولية.
14 ـ الوحيدة التي لا تحاسب مسؤوليها ومواطنيها ماليا.
15 ـ الوحيدة التي تكثر من الصلاة والملابس الدينية والهيئة الدينية كذلك، وفي نفس الوقت تنتشر فيها الرشوة والفساد السياسي والإداري.
16 ـ الوحيدة التي لا تؤمن بالديمقراطية إلا باعتبارها سلما للقضاء على الديمقراطية نفسها.
17 ـ الوحيدة التي توجد بها دساتير بلا ضمانات.
18 ـ الوحيدة التي توجد بها قوانين مطبوعات ونشر ضد الحريات الفكرية .
19 ـ الوحيدة التي توجد بها مدارس وجامعات ولا يوجد فيها تعليم جيد.
20 ـ الوحيدة التي توجد فيها عشرات الأحزاب والتجمعات الدينية منذ الربع الأول من القرن العشرين، ولم يتمكنوا إلى اليوم من إقامة دولتهم الدينية .
21 ـ الأمة الوحيدة التي تفتخر أنها امة ' اقرأ '، وشعوبها لا تقرا إلا بضعة دقائق في الأربع والعشرين ساعة.
22 ـ الوحيدة التي ترى في مكاتب مؤسساتها مظروفا لوضع الأوراق التي تذكر فيها البسملة من شدة التدين، والموظف لا يكاد يعمل.
23 ـ الوحيدة التي توجد بها وزارات أوقاف للشؤون الدينية في حين أن الإسلام لم يذكرها قط
24 ـ الوحيدة التي خلافا لمبادئ الديمقراطية تجد رجل الدين يدلي بصوته في الانتخابات العامة.

25 ـ الوحيدة التي تفرح حين تضع مثقفيها خلف القضبان وحين تشردهم في المنافي.
26 ـ الوحيدة التي لا تزال تستخدم مصطلحات التكفير قبل التفكير.
27 ـ الوحيدة التي لا تدين الإرهاب، بل تؤيد الإرهابيين باسم التدين الزائف.
28 ـ الوحيدة التي تجد فيها رجل الدين يسكت على ظلم النظام السياسي.
29 ـ الوحيدة التي تتاجر بدينها، فتنتشر فيها الرقية الشرعية وتفسير الأحلام عبر الموبايل.
30 ـ الوحيدة التي لديها رجال دين يفتون في كل شيء، ثم يحتجون بأنّ الدين تخصص!!
31 ـ الوحيدة التي لا تعرف كيف تعيش الحياة، ولا تريد للآخرين العيش بسلام.

مثل هذه الأمة لن تتقدم حضاريا مليمترا واحدا في مضمار الحضارة كما هي حال الأمم الأخرى بل ستسوء أحوالها وتتردى يوما بعد يوم، وتقول هل من مزيد؟:

==============
لقد أبدع الدكتور بغدادي في مقالته ما عدا في عبارة واحدة وأخرى تشابهها في المعنى، صغيرة في عدد كلماتها، لكن عظيمة في خطرها. أمّا عِظمُ خطرها فهو في صدورها عن كاتب له من التأثير على عقول شبيبة اليوم أكثر مما قد يتصوره بعضنا. 

هذه العبارة الصغيرة تنسف بنظري كل الغاية العظيمة التي لا أشك مطلقاً بأن الدكتور البغدادي سعى إليها من خلال كتابته لهذه المقالة.

============

وَصَفَ الدكتور الأمة الإسلامية بأنها تعتمد على الأمم الأخرى في كل شيء وأنها لو عادت إلى منشئها في كل ما تستخدمه لبقي أتباعها حفاة عراةً.

قال إنها الأمة الوحيدة التي تتعصب عنصرياً ضد الآخرين من خلال التصنيفات الدينية (كافر ومؤمن) والجنسية (رجل وامرأة).

وقال إنها الأمة الوحيدة التي تؤمن بالرق والعبودية، والوحيدة التي تتدخل في كل شيء يتعلق بحياة الإنسان، والوحيدة التي ما زالت تخضع لرجل الدين وتشاوره في كل صغيرة وكبيرة، والوحيدة التي يرتفع فيها مؤشر الجرائم كلما ازداد فيها  التدين، والوحيدة التي تملك بلايين الدولارات والفقر والأمية يعششان بين شعوبها، والوحيدة التي لا تؤمن بحقوق الإنسان، وإلى ما هنالك من أوصاف أخرى لا حاجة إلى تكرارها.

كلامٌ لا غبار عليه إطلاقاً يثبته الواقع، لكنّ هذا الواقع ليس وليد نفسه إنما هو نتيجةٌ لِحدث، وللأسف، عاب الدكتور البغدادي الواقعَ وتجاهل الحدث الذي أنجبه ويا ليته قد توقف عند حدّ التجاهل.

استهلّ الدكتور مقالته بقوله: "هذه الأمة، هي الأمة الإسلامية، والتي ليس لها من الإسلام سوى الاسم...!" وبذلك وضع اللومَ على الأمة وأعطى المذنب وثيقة براءة.

هل حقاً إنّ هذه الأمة ما كانت لتتفرّد بهذه الصفات، لو "لم يكن لها من الإسلام إلا الاسم" وليس الفعل...!؟

أنا على يقين من أنّ الدكتور البغدادي يعرف تمام المعرفة أن "تحلّي" الأمة الإسلامية بهذه الصفات لا يرجع إلى أنها ليس لها من الإسلام سوى الاسم إنما على العكس تماماً، إذ لولا الإسلام وتعاليمه لما كانت قد تفرّدت بصفاتٍ كهذه دون غيرها من أمم العالم.

في الواقع، يومَ لا يعودُ لأمة الإسلام من الإسلام إلا اسمه، فإنّ معظم هذه الصفات ستختفي، ولن يقف بينها وبين العالم المتحضر آنذاك أية عقبة!

هذه الصفات "الحميدة" والميّزات الفريدة لم تكتسبها أمة الإسلام من أيّ دينٍ غير دين الإسلام الذي تحمل اسمه.  

أليس هو القرآن ـ فعلاً وليس اسماً ـ الذي زرع كراهية الغير في قلب هذه الأمة بنصوصه التي تأمر بقتال هذا الغير حتى يؤمن به أو يدفع ضريبة حياته صاغراً مُهاناً: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب (أي المسيحيين واليهود) حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون". (أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام، حسب تفسير الجلالين) (التوبة 9 : 29).

 

أليس هو الإسلام الذي يأمر المسلمين بفرض إسلامهم على الغير وتهديدهم بطمس الوجه إن لم يفعلوا ذلك: "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا مصدقاً لما معكم من قبلِ أن نطمس وجوهاً فنردَّها على أدبارها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً" (النساء 4 : 47)؟

أليس هو الإسلام الذي يطلق أبشع العبارات على الذين لا يؤمنون به ويصفهم بالقردة والخنازير أو بالدوابّ: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الأنفال 8 : 55)؟

أليس هو محمد الذي زرع في عقول المسلمين أنهم أمة ذات عقل بينما المسيحيون لا عقل لهم؟ قال رجل لمحمد: "يا رسول الله ما أعقل فلاناً النصراني، فقال محمد: مه، (أي اكفف!) إن الكافر لا عقل له، أما سمعت قول الله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)" (انظر تفسير الجلالين ـ سورة الملك 67 : 10)

أليس هو محمد الذي علم المسلمين الترفع على غيرهم حين قال لهم: "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" (صحيح مسلم، كتاب السلام)؟

أفليس الإسلام هو الذي أوهم المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس... هذه الأمّة نفسها التي يصفها الدكتور البغدادي بأنها أعظم أمم العالم تخلفاً وتعصباً وعنصرية واضهاداً للإنسان وحقوقه، وأنها أمة لو عادت إلى منشئها لبقي أبناؤها حفاة عراةً...؟ ترى ما هو هذا المنشأ؟

أبالاسمِ فقط تؤمن أمة الإسلام بالرق والعبوديّة، أم أن الإسلام هو الذي ـ بالفعلِ ـ يعلّم المسلمين أنّ لهم الحق بامتلاك ما شاؤوا من العبيد والإماء...؟ "ليستأذنكمُ الذين ملكت أيمانكم..." (النور 58).

ترى من أين استوحى المسلمون أيضاً فكرة كون المرأة متعة للفراش...؟ أليس هو محمد الذي علّمهم  أنّ "خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره." أو "إذا صلّت المرأة خَمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ! (عن أبي هريرة: كنز العمال للمتقي الهندي).

أليس هو عمر بن الخطاب (الذي عُرفَ عنه بأنه كان يشارك محمداً باستنزال الوحي فيما يسميه الفقهاء "بمشاركات عمر") الذي قال لزوجته:

"إنما أنتِ لعبةٌ في زاوية البيت. وجميعُ الملاعبةِ مع النساءِ لهوٌ إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد."؟ (إحياء علوم الدين للغزالي).

أو ليس أيضاً هو القرآن الذي وصف المرأة بأنها من متاع الدنيا، لا بل جعلها في مرتبة واحدة مع الخيل والأنعام والحرث...؟ "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب" (آل عمران 3 : 14).

لا بل أليس هو الإسلام الذي يعلّم بأنّ الزواج نوعٌ من الرقّ؟ "النكاح نوع رق فهي (أي المرأة) رقيقة له (للزوج) فعليها طاعة الزوج مُطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة: قال محمد: ‘أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة’. وكان رجل قد خرج إلى سفرٍ وعهدَ إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في الأسفل فمرض فأرسلت المرأة إلى محمد تستأذن في النزول إلى أبيها فقال محمد: ‘أطيعي زوجك. فمات فاستأمرته فقال: أطيعي زوجك. فدُفن أبوها فأرسل محمد إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها’. وقال محمد: ‘إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها’". (إحياء علوم الدين للغزالي)

أهي الأمة "التي تتدخل في كل شيء لحياة الإنسان، حتى في غرفة النوم والأحلام"، أم أن الإسلام هو الذي يتدخّل في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس الذين يشكّلون هذه الأمّة...؟ أليست هي تعاليم الإسلام التي "تفصّل وتخيّط" للمسلمين كل دقائق حياتهم، من كيفية الجماع وتوقيته وكيفية الاغتسال أو التبرّز أو التبوّل، أو البصاق أو التحية أو الطعام أو التثاؤب أو العطاس وهلم جراً...!(افتحوا كتب الأحاديث لتجدوا فيها العجب العجاب من فيض هذه المكارم التي تميزت بها أمة المسلمين)

أهي أمّة الإسلام التي ترفض تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أم أنه الإسلام هو الذي يعلّم المسلمين على رفض التعايش مع الغير وعدم القبول بحقوق الغير؟ لا بل أليس هو الإسلام الذي حرم المسلمين أنفسهم من أقدس حقوق الإنسان وهو حق الاختيار: "‏من غير دينه فاضربوا عنقه" ‏(موطأ مالك)؛ و"‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، بكفر بعد إيمان أو بزنى بعد ‏ ‏إحصان‏ ‏أو يَقتلَ نفسا بغير نفس فيُقتَل (سنن الدارمي)؛‏ و"‏‏لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا أحد ثلاثة نفر النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة (سنن الدارمي)؛ و"‏من ‏جحد ‏آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن ‏محمدا ‏عبده ورسوله فلا سبيل لأحد عليه إلا أن يصيب ‏حدا ‏ ‏فيقام عليه (سنن ابن ماجه)؛ و"فإن تولَّوا (أي أعرَضوا وابتعدوا عن الإسلام) فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً" (سورة النساء 4 : 89)؟

كيف لأمّة أن يكون لدساتيرها أية ضمانات إذا كان القرآن هو دستورها بحسب هذه الدساتير أنفسها...؟ ومن ثمّ، كيف لإنسان في أمّة كهذه أن يضمن لنفسه حقاً من الحقوق يخالف هذا الدستور الذي لا يقبل نقاشاً ولا تعديلاً على الرغم من أنه كُتِبَ لدولة في القرن السابع الميلادي ولأناسٍ كانوا يعيشون في ظل أشجار النخيل ويرتحلون على البعير ويعيشون على الغزو؟ 

وفي ظل دستور كهذا الدستور ـ القرآن وملحقاته من موسوعة الأحاديث ـ كيف يمكن أن يكون لهذه الأمّة قوانين تضمن لأفرادها الحق بالتفكير أو الكلام أو الطبع والنشر...؟ ألم يأمر "النبيّ" رجاله ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ باغتيال المرأة المرضعة عصماء بنت مروان لا لسبب إلا لأنها قالت بضعة أبيات شعر في هجوه؛ وعندما عاد قاتلها إلى معلمه هنّأه وطمأنه بأنه لن ينتطح فيها عنزان...! (غزوات الرسول وسراياه لابن سعد).

كيف يمكن أن نلوم أمّة لعدم إدانتها الإرهاب ولتأييدها الإرهابيين، ودستورها يشرّع الإرهابَ ويَعِدُ الإرهابيين بالمكافآت في الدنيا وفي الآخرة. "فَليقاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء 4 : 74).

أهو حقاً "تديّن زائف" أن لا تدين أمة المسلمين الإرهاب أم أنه هو التديّن عينه...؟     

كيف ننتقد أمة المسلمين لانتشار خزعبلات الرقية وتفسير الأحلام فيها وقد كان نبيّها يرتقي ويرقي، ويفسّر الأحلام ويستمع إلى مفسّريها.

أهي حقاً أمّة لا تعرف كيف تعيش الحياة أو لا تريد للآخرين العيش بسلام...؟

لا أعتقد أن هناك أمة على وجه الأرض بما في ذلك أمة المسلمين لا تعرف كيف تعيش الحياة أو لا تريد العيش بسلام مع الآخرين أو لا ترغب للآخرين بعيش بسلام. فكما أنه هو ذنب الحاكم في توجيه أمته إلى معاداة غيرها من أمم العالم، كذلك هو ذنب الإسلام في توجيه أمته إلى معاداة كل أمم الأرض قاطبة. الذنب ليس ذنب أمة المسلمين، إنما هو ذنب دستورها الذي يمسك بخوانيقها بنصوصه المرعبة الرهيبة، والذي لم يسلخ عنها حريتها فقط، إنما قدرتها حتى على مجرد التفكير بالانتفاض لاستعادة هذه الحرية. 

الذنب ليس ذنب المسلمين إنما هو ذنب الإسلام، إن هم تخلّصوا منه فلن يبقى هناك ما يقف بينهم والتعايش مع غيرهم. كما ولن يبقى هناك ما يدعوهم إلى تكفير أحد، ولا حتى إلى تكفير بعضهم البعض الآخر. لن يعود هناك ما يعلمهم أنّ العبودية أمر حلال، ولن يعود هناك ما يجعلهم ينظرون إلى المرأة على أنها إنسان أدنى.  

أمّة الإسلام ضحيّة، وكفانا نلومها على ما هي عليه من حال. لنوجّه لومنا لمن يستحق اللوم وهو الإسلام نفسه.

أنا على ثقة بأن لسان حال الدكتور البغدادي يريد أن يقول: "هذه الأمّة التي لن تتقدم شبراً واحداً ما بقيت "تعمل" بتعاليم الإسلام..."، ولا أشكُّ أبداً في أنه أراد أن يقول ذلك لولا قناعته التامة بأنّ قلمُه ليس هو الذي سيتعرض للكسر فقط إنما رقبته أيضاً؛ وبعبارة أخرى، إنه عرِفَ حدّه فوقف عنده. أنا على ثقة من ذلك، وكنت أتمنى لو أنه قال ما قال دون أن يبرر عيوب الأمة بقوله إنها لا تعرف من الإسلام إلا الاسم.

تمنيت لو استعاض عن عبارته تلك التي استهل بها مقالته بسؤال صغير في نهاية المقالة يطرحه على قرائه في نهاية المقالة ويترك لهم الاستنتاج.  هذا السؤال هو: "أتعرفون لماذا...؟"

إذا كان يصعب على الكاتب العربي أن يضع الإصبع على موضع الجرح خوفاً من السيف، فإن "أضعف الإيمان" بقضيّته التي يعمل من أجلها هو أن يتحاشى قول ما يشوّش عقول قرائه ـ وأنا أقدّرهم بالملايين ـ كي لا يحمل جريرتهم.   

لا ألومكَ إذا خفتَ من السلطانِ فسكتَّ... ألومك إذا خفتَ فداهنْت!

===================

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط