هشام محمد / Nov 10, 2005

ـ 1 ـ

ورد في جريدة الحياة (1/11/2005) خبرٌ مفاده أن رسالة جوال (هاتف محمول) قصيرة وصلت إلى الكثيرين قبيل انصرام شهر رمضان بالصيغة التالية: "عرض أول مسرحية نسائية سعودية في مدينة الرياض تشارك فيها ممثلات سعوديات وخليجيات ومقيمات – أهكذا يختم شهر التوبة والقرآن؟" ابرق "لإنكار المسرحية النسائية حالاً لولاة الأمر والمفتي. اتصل الآن فالمفتي يرد على الهاتف "انشر" (...)". من الواضح أن من صاغ نص الرسالة لم يتكلف عناء شرح الأسباب الداعية للاتصال ب "ولاة الأمر" و "المفتي"، إذ ليس من ضرورة أن يذكرنا بها.

يكفي أن تكون هناك مسرحية، وهي أحد وسائل "اللهو" التي ليست لا من خصال ولا من عادات المسلمين..

يكفي أن يكون هناك نساء، وهن مصدر الفتنة والغواية وأصل الشرور والبلايا..

يكفي أن يكون هناك خروج نسائي من جدران العزلة، وما في ذلك من تطاول على سلطة الدين والعادات الذكورية..
ويكفي أن تكون هناك عناصر خليجية وعربية مقيمة تحمل بعضاً من تجارب أكثر تمرداً وشيئاً من ثقافة أكثر انفتاحاُ قد تخلخل بعض المفاهيم الراسخة عن المرأة ودورها ومكانتها، خاصة ولو قيض لتلك المسرحيات أن تتواصل وتتكرس..

المسرحية وعنوانها "وأخيراً عادوا" وكما يوحي عنوانها تتمحور حول انتزاع المرأة جزءاً من حقوقها المسلوبة من قبل الرجل، وهذا مسوغ آخر لمحاولة وأد المسرحية قبل ولادتها. شخصياً، أتصور أن المسرحية استبدلت بدروس عملية لكيفية تغسيل وتكفين الموتى، أو عرض مشاهد تسجيلية لبطولات المجاهدين في أفغانستان والشيشان والعراق، أو للتأكيد على فوائد الحجاب الأخلاقية والأخروية العظيمة، أو للثناء على ومدح الصحابة وصنائعهم الباهرة لما تعرضت للعواصف.



ـ 2 ـ

من اللافت للنظر أن توظيف تقنية الرسائل القصيرة قد بات من الوسائل الناجعة التي يستعملها أصحاب التيار الديني في تمرير أهدافهم وشحذ الدعم المعنوي اللازم لحملاتهم. عندما تقدم الدكتور آل زلفة، وهو أحد أعضاء مجلس الشورى باقتراح شجاع يطالب فيه بقيادة المرأة السعودية السيارة، تعرض الرجل إلى حرب نفسية شعواء، استخدمت فيها رسائل الجوال كأحد الأسلحة الهجومية للتنديد به وباقتراحه "الخبيث" كما يصفون. وقبلها بعام، ظهر إلى الوجود ما اصطلح على تسميته ب "القائمة الذهبية" وهي قائمة بأسماء المرشحين للمجالس البلدية في أول تجربة انتخابية ممن تم "تزكيتهم" من قبل كبار العلماء (= رجال الدين). وبالطبع فإن كل الأسماء المزكاة تنتمي شكلاً ومضموناً إلى التيار الديني، وليست المسألة متعلقة بمؤهلات المرشح وجودة برنامجه الانتخابي! وبالفعل، فقد عملت هذه القائمة كتعويذة سحرية جلبت الفوز الكاسح لهم، رغم غبار الشك الكثيف الذي حام حول عدالة ومصداقية فرز الأصوات.


ـ 3 ـ

أيضاً، من الملاحظ كثرة استهلاك المفتي والتلويح به في مقاومة أي تغيير أو ضرب أي تحرك حتى ولو بدا رمزياً تحت أسماء ولافتات مكررة مثل محاربة المنكرات وحماية الخصوصية الدينية للبلاد. قبل حوالي عامين، احتضنت مدينة جدة منتدىٍ اقتصادياً دُعيَتْ إليه أسماء لامعة في الاقتصاد والسياسة، بالإضافة إلى سيدات أعمال سعوديات. بعض الحاضرات ظهرن بلا غطاء الرأس، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً بين المتدينين الذين لا يرعبهم شيء قدر هلعهم من بروز خصلات شعر المرأة. وعلى ما يبدو، فقد خف البعض كالعادة إلى المفتي العام "محرضاً" إياه على التدخل وعلى إيقاف "المهزلة الأخلاقية" بعد أن تم تضخيم الموضوع وتحميله مالا يطاق ويحتمل. المفتي بدوره، إما عن سوء فهم لآية الحجاب الخاصة بزوجات النبي أو لخوفه من وصفه بالمتخاذل، هاجم النساء اللاتي تجرأن على الظهور أمام الرجال سافرات الوجه. إقحام المفتي في مثل تلك الأمور، ولو بدت تافهة ولا تستحق كل هذا الضجيج، يأتي من باب إضفاء الشرعية على مطالب المتدينين والتصديق عليها بختم رسمي ليس إلا. لا أبالغ لو قلت أن هؤلاء الذين يتذرعون بالمفتي هم في الأصل لا يثقون به ولا بباقي كبار العلماء، إذ دائماً ما يوصفون بفقهاء البلاط أو السلطة الرسمية. ولو أن المفتي ـ مثلاً ـ رفض التحدث أو رد مطالبهم لما انتهوا عند هذا الحد وقبلوا بفتواه.


ـ 4 ـ

ليت الأمر يتوقف عند حدود تفسيق المسارح النسائية، وتحريم الاحتفال باليوم الوطني، ورفض صور أفراح العيد مثل تعليق أدوات الزينة لما فيها من تشبه باحتفالات الكفار كما يدعون. الأخطر من هذا كله أن هناك تياراً واسعاً يمتد عبر رقعة البلاد المترامية يتواطأ مع الإرهاب القذر والمجرمين السفلة، لدرجة أن من يجرم الأعمال الوحشية يتعرض إلى قمع ليس فقط من المعجبين بدموية تنظيم القاعدة وشبكاتها الإرهابية بل حتى من بعض مؤسسات الدولة الرسمية!! هذا ما حدث بالضبط للمعلم السعودي محمد الحربي الذي وصف منفذي تفجيرات مجمع الحمراء بالرياض بالمجرمين. أتدرون ما وقع لهذا المعلم المسكين الذي سب الإرهاب وسفاكي الدماء؟ لقد تعرض إلى تهديدات بالقتل، كسر الرصاص زجاج غرفته المدرسية، وصلت إليه خطابات تدين ما قاله، سحب إلى محكمة خارج منطقته، أدانه القاضي في دينه وأخلاقه، حتى إدارة التعليم أوقفته عن العمل، وأخيراً أودع السجن. تخيل! لقد أصبح من يهاجم الإرهاب يهان ويجر إلى المحاكم ويفصل من العمل ومن ثم يرمى في السجن. أي حال وصلنا إليها هنا؟ أشعر أحياناً وأن هناك "دولة ظل" ترعى الإرهاب وتغذيه وتحميه من أمثال المعلم الحربي. وهذا ما يفسر إلى حد كبير فتاوى رجال الدين الرسميين المحتشمة ضد ابن لادن والأعمال الإرهابية لعلمهم أن الشارع ضمنياً متضامن مع الإرهاب وأعماله حتى ولو طال البلاد وأحرقها في أتونه.


وبالعودة إلى المسرحية، فقد وصف الإعلامي السعودي حسين شبشكي بأن المتكتلين ضدها بالفئة القليلة المجهولة، وبرأيي أن هذا الكلام يحتوي على الكثير من التفاؤل والقليل من الواقعية. لا أريد أن أبدو متشائماً، ولكن من الواجب أن نسمي الأشياء بأسمائها، وألا نقلل من نفوذ المتدينين المتعاظم، ولنا في قصة المعلم محمد الحربي خير مثال.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط