بسام درويش / May 10, 2002

انتهت أزمة كنيسة المهد في بيت لحم. خرج منها المسلحون يبتسمون ويلوحون بإشارات النصر.

حين دخلوها، لم يدخلوها لاجئين ينشدون الاحتماء بحرمها، بل دخلوها غزاة مجرمين إذ حملوا معهم أسلحتهم وقاموا باحتجاز رهبانها وكل من فيها كرهائن. تشبثهم بأسلحتهم لا يمكن أن يُفسـّـر إلا بأنهم كانوا مستعدين للدفاع عن أنفسهم حتى آخر حجر من أحجار الكنيسة. وطبعاً، لو قُدّر لذلك أن يحصل، لكانوا سيملأون العالم صراخاً متباكين على ما فعله اليهود بأقداس المسيحيين.

دخلوها مخالفين كل عرف من أعراف اللجوء إلى بيوت العبادة. ولكي نقطع أي جدل في هذا الخصوص قبل أن يطلع أي مسلم بعذر سخيف لهذا التصرّف الأحمق، ما علينا إلا أن نتصوّر ردّة فعل القائمين على مسجد إسلامي لو دخله أفراد مسيحيون مدججون بالسلاح يطلبون الحماية داخل حرمه. لا حاجة للتصوّر كثيراً إذ أنه سيُطلَبُ منهم فوراً أن يتخلوا عن سلاحهم، رغم ما للمساجد من صيت ذائع في استعمالها كمواقع للتآمر على الحكومات والتخطيط للإطاحة بالأنظمة وتخزين الأسلحة للمعارضين.

دينهم يحرّم عليهم حتى الضراط في مساجدهم، لا بل يأمرُ من أكل الثوم أو البصل منهمُ أن يرجع إلي بيته حتى لا تفوح رائحته فتمسّ بقدسية المكان. أما كنيسة المهد التي يعتبرها المسيحيون من بين أقدس المقدسات، فلا جناحَ على المسلمين إن دخلوها فدنسوها بأقذارهم وروثهم.

وقف أحد رهبان الكنيسة اليوم يتحدث مع مراسل محطة أميركية، يكاد الدمع يطفر من عينيه، وقال: فعلوا كل شيء.. جلسوا على الهيكل ودخنوا سجائرهم وتركوا صحونهم القذرة عليه. لقد رحلوا الآن!..

**********

خلال حوار عبر الهاتف بين أحد مراسلي محطة تلفزيونية أميركية وواحد من الغزاة المعتصمين داخل الكنيسة، كرر هذا الأخير عبارة "كنيستنا" مراراً عديدة مما جعل المراسل يسأله قائلاً: "لماذا تقول كنيستنا.. كنيستنا.. إنها كنيسة مسيحية وأنت مسلم.." فأجاب المناضل المعتصم بحبل الله  قائلاً: "نحن والمسيحيون أخوة.. ليس هناك فرق بيننا. إنها كنيسة فلسطينية فهي إذن كنيستنا!.."

أي نعم.. هي كنيسة فلسطينية، ولذلك فهي كنيستهم!.. هم والمسيحيون أخوان!.. ونِعْمَ الأخوّة!..

كنائس المسيحية في ظل المسلمين لا حرمة لها، لا في حربٍ ولا في سلمٍ. المسيحيون هم أخوة عند الحاجة فقط.

اسألوا أهل الشام وحلب عن أبواب الكنائس التي كثيراً ما استفاق رعاياها ليروا أبوابها ملطخة بالفضلات البشرية.

اسألوا أقباط مصر عن كنائسهم التي حُرقت ونُهبت وهوجمت ليُقتل رعاياها وهم يصلون بين جدرانها.

افتحوا كتب التاريخ واقرأوا عن الكنائس التي سُرقت من أصحابها المسيحيين ثم حّوِّلت إلى مساجد.

اسمعوا كبار المسلمين وهم يعلمون أولادهم أن يبصقوا وهم يعبرون الطريق أمام كنيسة. 

 

انظروا إلى كل كنيسة تُبنى في البلاد العربية بعد جهود والتماسات لسنين وسنين، وما أن ينتهي بناؤها حتى ترتفع بحذائها مئذنة لمسجد أو بدون مسجد، لا غاية منها إلا تذكير المسيحيين وهم يسمعونهم الآذان خمس مرات في اليوم أنهم تحت حكم المسلمين.

انظروا إلى المسيحيين وهم يخرجون في أعيادهم يحملون الشعانين أو الصلبان ثم انظروا إلى جموع المسلمين التي تتسارع من الأحياء الإسلامية أو تنزل من القرى لا لشيء إلا لتعكير احتفالاتهم. العهدة العمرية تمنع خروج المسيحيين بصلبانهم وشعانينهم، ولكن إذ تبدّل الزمان ولم يعد بقدرة المسلمين تطبيق عهدة الذل تلك، فإن التحرشات والمضايقات أصبحت "أقل الإيمان".

*********** 

أخوان؟.. تدخلون إلى كنائس أخوانكم وتحتجزونهم رهائن لضمان سلامتكم، وتعرّضون أقداسهم للدمار ثم تغادرونها بعد أن تعيثوا فيها فساداً، وتقولون، أخوان..

اقرأوا ما يقول فقهاؤكم على المواقع الإلكترونية التي لا بد وأن ينسبوا اختراعها قريباً لآية من آيات القرآن.. اقرأوا ما يعلمونكم إياه عن هؤلاء الأخوان. اقرأوا كيف ينهونكم عن إلقاء السلام على أخوانكم لأنهم لا يستحقون السلام. واقرأوا كيف ينهونكم عن الترحم على أمواتهم لأنهم ماتوا كفرة على دينٍ غير دين الإسلام. اقرأوا ما يحذركم به دينكم من اتخاذ المسيحيين حتى كأصدقاء لكم، واذهبوا بعد ذلك إليهم واضحكوا على ذقونهم قائلين أنكم أخوان.

*******

أخيراً، خرج الأخوان من كنيسة المهد يرفعون أياديهم بإشارة النصر. نعم، لقد انتصروا حقاً!.. ما تركوه وراءهم في الكنيسة شاهد على انتصارهم، لا بل وعلى حضارتهم.

***************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط