بسام درويش / Oct 02, 2003

"إن المجتمع اليهودي على الرغم من صغره أصبح قوة عالمية لا نستطيع محاربتها باستخدام القوة فقط ولكن باستخدام العقول كذلك".

"لقد قتل الأوروبيون ستة ملايين يهود من مجموع 12 مليون ولكن اليهود الآن يحكمون العالم بالوكالة.."

"إن بضعة ملايين يهودي لا يمكنهم هزيمة 1300 مليون مسلم".

"نحن نحتاج المدافع والصواريخ والقنابل والطائرات المقاتلة والدبابات والبوارج لحماية أنفسنا".

هذا بعض ما جاء في كلمة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، التي ألقاها في افتتاح قمة منظمة المؤتمر الإسلامي والتي طالب فيها المسلمين "باستخدام العقل" وحثّهم على "الأخذ بأسباب العلم والتعليم" لمحاربة اليهود الذين وصفهم بأنهم "يحكمون العالم". 

قوبل خطاب الرئيس الماليزي بعاصفة من التصفيق وقوفا من قبل رؤساء الدول المشاركة في القمة!

************

دعوة مهاتير محمد المسلمين إلى "الأخذ بأسباب العلم والتعليم"، دعوةٌ لا يخالفه فيها بالتأكيد أحد.

لا أحد في العالم الحر المتحضّر يتمنى أن يرى خُمسَ سكان الأرض يقبعون في ظلام الجهل، إذ أن ما يُلْحِقه جهل هؤلاء من أذىً بهذا العالم هو أعظم مما يصيبهم هم أنفسهم منه. لكنّ المشكلة في هذه الدعوة، هي صدورها عن شخصٍ لا يفهم معنىً أو قيمةً للعلم.

مهاتير محمد يشجّع المسلمين على الأخذ بأسباب العلم كي يصبحوا أفضل من اليهود وكي يستطيعوا القضاء عليهم. هذه هي الغاية الأسمى من السعي وراء العلم بنظره!..

***********

حين يشجّع زعيمٌ مسلمٌ المسلمين ـ ويؤيده في ذلك بقية الزعماء المسلمين ـ على "الأخذ بأسباب العلم" لا لغايةٍ إلا لكي يكونوا أفضل وأقوى من اليهود أو المسيحيين أو البوذيين أو غيرهم، فإنه في الحقيقة لا يحثّهم على السعي وراء العلم، إنّما وراء الجهل بعينه. إنه يحثّهم على السعي إلى الوراء وليس إلى الأمام!

عندما كان لويس پاستور يقضي ليله ونهاره في مخبره يعمل على إيجاد علاجٍ لداء الكَلَبِ، لم يكن الهدف أمام عينيه أن يثبتَ أنه أفضل من اليهود أو المسلمين أو غيرهم، إنما كان هدفه الوحيد الإنسان ككل.  

هذا القول يصحّ في كل عالِمٍ غربي سواء كان مسيحياً أو يهودياً، لا بل لا شكّ يصحّ في العلماء من "المسلمين". ابن سينا، على سبيل المثال، حين كتب "القانون في الطب" أو "الشفاء"، لم يذكر في أي منهما أنّ غايته من تأليفهما كانت التفوّقَ على اليهود أو المسيحيين أو الهندوس.

الأطباء الذين أجروا مؤخراً عملية فصل التوأمين المصريين أحمد ومحمد، لم يخطر بفكرهم حين قرروا أن "يأخذوا بأسباب العلم" أنهم يريدون أن يصبحوا أطباء كي يتفوقوا على المسلمين أو غيرهم، إنما كانوا يحلمون باليوم الذي يستطيعون فيه استعمال علمهم للتفوق على آلام البشر، بغض النظر عن دينهم ولونهم وجنسهم. كذلك لم ينظروا اليومَ ـ وهم يقومون بالعملية ـ إلى هذين الطفلين المسلمين، على أنهما قد يكبران لينضما إلى قائمة المتطرفين الإرهابيين الذين يقلقون أمن وراحة العالم.  

رؤساء الجامعات في العالم الغربي، حين يلقون خطبهم على مسامع الطلاب الجدد، غالباً ما يكررون على مسامعهم، أنهم في طريقهم إلى التحصيل العلمي العالي ليساهموا بعد تخرجهم في بناء عالم أفضل. إنهم لا يقولون لهم بأن الغاية من تحصيلهم العلمي هو التفوق على المسلمين أو غيرهم من بني البشر.

*********

المسلمون العرب ليسوا وحدهم الذين يعانون من مرض "عقدة اليهودي"، بل يعاني منه كل مسلم حتى ولو كان يعيش في أنأى جزيرة من الجزر. هذه العقدة لم تظهر بسبب أو بعد تأسيس دولة إسرائيل أو المنظمة الصهيونية، إنما ظهرت مع نشوء الإسلام نفسه. لكن، لوجه العدل يتوجّب علينا أن نقول، أنّ الغربيين عانوا أيضاً من هذا المرض إنما مع فارق واحد، وهو أنّ جذور العقدة لديهم كانت دينية من صنع البشر، بينما كانت ولا زالت جذورها لدى المسلمين دينية من صنع الله. لذلك، لا غرابة أن سَهُلَ على الغرب التخلّص منها بينما بقيت لدى المسلمين مرضاً عضالاً لا خلاص منه إلا بقرار إلهي "ينسخ" قراراته السابقة.

إنه لغريبٌ أن نرى زعماء الأديان في العالم، يعملون على إعادة النظر في كل المفاهيم الدينية القديمة للخلاص من كل ما أدّت إليه تفسيراتها الخاطئة من كراهية بين الناس، بينما نرى زعماء المسلمين في مؤتمر القمة هذا يصفقون وقوفاً مرحبين بما جاء في خطاب الرئيس الماليزي.    

**********

"سيطرة اليهود على العالم" هي أغنية يغنيها كل عاجز عن مجاراة اليهود في استعمالهم للعقل. اليهود لم يسيطروا على العالم إنما أثبتوا وجودهم في هذا العالم رغم قلة عددهم ورغم الاضطهاد الذي عانوا منه على مر التاريخ. لقد أثبتوا وجودهم تجاراً وعلماء وأطباء ومحامين وممولين، وأيضاً كأفراد عاديين كادحين من أجل لقمة العيش. أعان بعضهمُ البعضَ الآخر، تعاضدوا وتماسكوا، لا ليتغلبوا على العالم ويسيطروا عليه، إنما ليستطيعوا الصمود كأقليّةٍ أمام أكثريةٍ ما برحت تحاول إبادتهم. أما إذا تطوّر إثبات وجودهم إلى سيطرة على العالم ـ رغم ما في هذا القول من سخف ـ فإن ذلك حلالٌ عليهم، لأنهم لم يقضوا أيامهم ولياليهم وهم يتباحثون في شرعية أو عدم شرعية بدء المسلم أو المسيحي بالسلام، ولا في جواز أو عدم جواز تهنئة المسلم أو المسيحي بأعياده الدينية. لقد انكبوا على الدراسة والعمل، وبالدراسة والعمل حافظوا على وجودهم، وأثبتوا هذا الوجود. 

مهاتير محمد يحث المسلمين اليوم على "الأخذ بأسباب العلم"، كي يتمكنوا من إنتاج المدافع والصواريخ والقنابل والطائرات المقاتلة والدبابات والبوارج لحماية أنفسهم!.. حماية أنفسِهم مِنْ مَن؟!.. أَمِنْ أربعة عشر مليوناً استطاعوا أن يحموا أنفسهم من الاضطهاد والإبادة على مر التاريخ باستخدامهم العقل فقط!..

**********

المسلمون ليسوا بحاجة إلى صواريخ ودبابات ومدافع ليتخلصوا من مرض "عقدة اليهودي". حلُّ عقدتهم يتم بمحاولتهم النظر إلى العالم من منظار غير ديني. اعتقاد المسلمين بأن العالم يتكاتف جبهة واحدة ضدّ الإسلام هو اعتقاد صحيح وإن لم يكن صحيحاً فلابدّ من أن يصبح صحيحاً. كيف لا يكون ذلك والمسلمون لا يتعاملون مع العالم إلا من خلال الدين.  

في كل بلاد العالم وحتى في إسرائيل بالذات، نسمع عن أناسٍ يخرجون في مظاهراتٍ أو سياسيين أو رجال دين مسيحيين أو يهود، يعلنون تعاطفهم مع الفلسطينيين والعرب، فماذا عن الجانب العربي والإسلامي؟..

الإسرائيليون ليسوا همُ الذين انتخبوا شارون رئيساً للوزراء بل العرب والمسلمون. والإسرائيليون ليسوا همُ الذين يعملون على إقامة الجدار العازل بل العرب والمسلمون. 

حين نسمع عن مسيرات عفوية في شوارع دولٍ عربيةٍ وإسلامية، تخرج لتندد بالعمليات الانتحارية الإرهابية التي تستهدف الأبرياء في إسرائيل وغيرها، وتطالب بمحاكمة المشجعين عليها، فآنذاك سيسقط هذا الجدار دون استخدام معولٍ واحد.

حين نسمع عن زعيم عربي يقف أمام أبناء شعبه ويخطب فيهم بجرأة ويقول: لقد آن الوقت لأن نمد يدنا إلى الإسرائيليين ونتعاون معهم لخلق سلام عادل في هذه المنطقة لنا ولهم؛ آنذاك سيتقاعد شارون ويفتح مقهىً في أحد شوارع تل أبيب.

حين نسمع عن إمام مسجد يخطب في المصلّين يقول لهم إنّ أفضل صلاة لهم اليوم أن ينطلقوا لمصافحة جيرانهم اليهود والمسيحيين، أو أن يحملوا أغصان زيتون ويرموها عوضاً عن الحجارة؛ آنذاك سيسقط الجدار العازل من تلقاء نفسه، وسيبدأ الإسرائيليون بتفكيك دباباتهم وتحويلها إلى معاول تُستخدم في إعمار إسرائيل وفلسطين معاً.

وآنذاك أيضاً، ستغيب ذكرى مهاتير محمد وأمثاله في مزبلة التاريخ.  

***********

******

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط