بسام درويش / Jun 02, 2002

في عددها رقم 815 الصادر في 18 إبريل الماضي، نشرت صحيفة بيروت تايمز تفاصيلَ خبرِ ندوةٍ أقامها "مركز الحوار العربي" في واشنطن، والتي كانت الغاية الرئيسية منها، حسب العنوان، تقديم: "أفكار واقتراحات لكيفية التعامل مع موضوع الإسلام في المجتمع الأمريكي".

 

جاء في سياق الخبر التي نشرته الصحيفة المذكورة ما يلي: ".. أظهرت استطلاعات أخرى للرأي العام الأمريكي تدني مستويات ثقة المواطن الأمريكي العادي في المسلمين وتزايد الاعتقاد الشائع بان الإسلام يدعو أتباعه إلى العنف، ولذلك قام مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن بتنظيم ندوة باللغة الإنكليزية لتدريب المثقفين العرب والمسلمين في مواجهة تلك الصور النمطية السلبية التي ازدادت تعمقاً بعد مرور ستة أشهر على الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن."

 

بعد ذلك، وتحت عنوان: "دافع عن الإسلام ولا تعتذر" ذكرت الصحيفة بعض ما جاء في هذه الندوة فقالت: "وكان أول المتحدثين في ندوة مركز الحوار، الدكتور لؤي صافي مدير الأبحاث في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا، فقال أنه في غمار محاولات المواطن المسلم في أمريكا تعريف أخوانه من غير المسلمين بالإسلام، ينبغي ألا يتورط أحد في الاعتذار عما اتخذه بعض المسلمين من مواقف لمجرد أنهم ينتمون إلى العقيدة نفسها، وعلى المسلم الأمريكي أن يوضح لهم أن مبادئ الإسلام وأركانه واحدة، ولكن أساليب التطبيق تختلف في الجوانب والتفسيرات ومن ثم يجب ألا يحكم الأمريكيون على الإسلام بممارسات البعض وإنما بما دعا إليه القرآن الكريم من أنه ‘لا إكراه في الدين’ وأن المسلمين لا يسعون إلى فرض عقيدتهم أو مثلهم وقيمهم على الآخرين. ورداً على ما لجأ إليه اليمين المسيحي المحافظ في الولايات المتحدة من تعمد الإساءة إلى الإسلام باللجوء إلى نصوص قرآنية معينة في محاولة دمغ الإسلام بالدعوة إلى العنف مثل حض المسلمين على قتال المشركين والكفار، نصح الدكتور لؤي صافي الحاضرين باستخدام رد منطقي مفاده أنه من السهل على أي شخص اقتطاع نصوص من أية رسالة سماوية بعيداً عن السياق الذي وردت فيه للإساءة إلى تلك الأديان وضرب مثلاً على ذلك بأن السيد المسيح عليه السلام له مقولة تعني ‘أنا لم أجئ لإرساء السلام ولكنني جئت بالسيف’، ولكن إذا رجع المرء إلى بداية ما قاله فسيجد أنه بدأها بقوله (طوبى لصناع السلام). ومن هنا فإن استخدامه لكلمة السيف جاء في سياق استهدف التحذير من أنه سيجيء بالسيف لمحاربة الأعمال الوحشية. وبتطبيق المنطق نفسه يجب أن ينبه المسلمون أخوانهم الأمريكيين بأن آيات القرآن وسوره جاءت في سياق تاريخي معين وكان هناك سبب لنزول السور وفقاً لذلك السياق وان القرآن يجب أن يؤخذ ككتاب فُصّلت آياته في ذلك السياق الذي يجب التعرّف عليه بدلاً من اقتطاع آيات من سياقها للخروج بمعنى مغرض على طريقة ‘ولا تقربوا الصلاة’."

ذكرت الصحيفة أيضاً عن مشترك آخر في الندوة وهو عبد الوهاب الكبسي المدير التنفيذي للمعهد الإسلامي في واشنطن فقالت عنه بأنه خلال حديثه خرج "بنتيجة مفادها أن من واجب كل مسلم في أمريكا المساهمة في تعريف الآخرين بالإسلام حتى باستخدام الآيات التي يستخدمها اليمين المسيحي الأمريكي في الإساءة إلى الإسلام، وقال الأستاذ عبد الوهاب الكبسي أن من تلك الآيات مثلاً، ‘واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم’ وبعد أن يشرح المسلم السياق الذي وردت فيه تلك الآية في سورة البقرة يجب أن يقرأ لأخيه الأمريكي غير المسلم الآية السابقة لها، ‘ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين’ وأن يقرأ ويشرح الآية التالية لها وتقول، ‘فإن انتهوا فالله غفور رحيم’."

أخيراً أشارت الصحيفة إلى متحدث آخر وهو الكسندر كرونيمر وهو أمريكي عمل سابقاً في وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن إسلامه وتزوج من مسلمة من أصل مصري. ومما قاله كرونيمر "أن أفضل وسيلة لإظهار حقيقة الدين الإسلامي بسماحته وقيمه وبمبادئه هي استخدام سبعة نصوص قرآنية مترجمة باللغة الإنكليزية يطرحها على الجمهور الأمريكي ويطلب منهم تحديد أي منها يعتقدون أنها نصوص من الإنجيل وأي منها من القرآن، وبعد أن تختلف الإجابات وتشير إلى أن معظم هذه النصوص  مقتبسة حسب اعتقاد الجمهور الأمريكي إما من الإنجيل وأما من التوراة يفاجئ السيد كرونيمر الحاضرين أو المشاركين بأنها كلها آياتٌ من القرآن الكريم ويستدل من إجاباتهم على حقيقة يدركها معظم الأمريكيين وهي أن القرآن يتحدّث عن قصص الأنبياء وعلى رأسهم سيدنا موسى وسيدنا عيسى.. إلخ.."

يقول السيد كرونيمر أيضاً: "إن قراءة الفاتحة بالإنكليزية أمامهم تذكر الأمريكيين بصلواتهم وتشعرهم بأن الله الذي يعبده المسلمون هو الخالق والإله الذي يتضرّع إليه المسيحيون واليهود."

أخيراً يقدم السيد كرونيمر نصيحة غالية للحاضرين وهي تجنب الدخول في جدال حاد مع المتطرفين لأن الجدال مع الأحمق يسفر عن نتيجة واحدة وهي أن الحاضرين لا يستطيعون أن يميزوا بينه وبين من يسقط معه في هوّة الجدل العقيم."         

*********

 

برافــــو!.. أخيراً يعترف المسؤولون عن الدعاية الإسلامية بتدني ثقة المواطن الأمريكي في المسلمين وبتزايد الاعتقاد "الشائع" بأن الإسلام يدعو أتباعه إلى العنف.

بعد جريمة الحادي عشر من أيلول، طلع من يدّعي بأن الأمريكيين أخذوا يتدفقون على المساجد لإعلان إسلامهم. أوهموا العالم آنذاك بأن الحصول على شرف الدخول في الإسلام أصبح ـ لكثرة الراكضين وراءه ـ يحتاج إلى معاملة، لا بل ولربما إلى بطاقة كوتا. سخرتُ آنذاك من ادّعاءاتهم في مقالة لي بعنوان "أعجوبة الإسلام يوم الحادي عشر من أيلول". أما الآن، فقد "طارت السكرة وجاءت الفكرة" كما يقول المثل العامي، وأقرّ المسلمون بأن ثقة المواطن الأمريكي بهم أصبحت متدنية. (وليتأمل القارئ في كلمة "متدنية" وكأنها كانت في يوم من الأيام عظيمة مرتفعة!)

الصورة السلبية للإسلام والمسلمين آخذة في التعمق، يقول الخبر، إلى درجة أصبحت فيها الحاجةُ ماسةً لتدريب المثقفين العرب والمسلمين للعمل على تبييضها!

حين وصلتُ في قراءتي لتفاصيل الخبر إلى العنوان الفرعي الذي يقول: "دافع عن الإسلام ولا تعتذر"، اعتقدت أن أصحاب الدعاية الإسلامية قد قرروا أخيراً الإقلاع عن اتباع أساليب الكذب والخداع في غمار الدفاع عن تعاليم الإسلام. لقد اعتقدت حقاً أن الحميّة الدينية قد اشتعلت في قلوب هؤلاء وهم يرون المسلمين يتنكرون لتعاليم دينهم أو يتسترون على بعضها محاولة منهم لإرضاء الغربيين الذين يلحون عليهم في أسئلتهم عما إذا كان في الإسلام حقاً ما يدعو إلى القتل والإرهاب. صدقاً.. هكذا كان اعتقادي!..

اعتقدت أن الدكتور لؤي صافي سيطلب من المسلم أن يقول للأمريكيين الذين يطرحون عليه أسئلة كتلك:

ـ نعم.. أنا لا أخجل من مبادئ الدين الذي أؤمن به. ولتعلموا بأن القرآن ينظر إليكم ككفار ومشركين وبأنه يعلمني أن لا أثق بكم ولا أصادقكم وإن فعلتُ ذلك فإنني أكون قد استوجبت غضب الله. (قرآن 5 : 51)

ـ نعم.. القرآن يدعوني إلى محاربتكم وقتالكم إلى أن تؤمنوا بدين الإسلام، وإن لم تؤمنوا فعليكم أن تدفعوا ضريبة بقائكم على قيد الحياة، لا بل عليكم أن تدفعوها ذليلين صاغرين لحكم الإسلام. (قرآن 9 : 29)

ـ نعم.. القرآن يعلم بأن المرأة مخلوق أدنى من الرجل وأن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل. كذلك يعتبرها القرآن شيئاً من الأشياء التي يمتلكها الرجل كالجمال والمال والذهب والفضة. ولكنكم معشر الأمريكان حمير مغفلون إذا اعتقدتم أن بإمكانكم مخالفة مشيئة الله بجعلكم المرأة في مستوى الرجل. (قرآن 2 : 282 كذلك 3 : 14)

ـ نعم.. نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين قال وهو الصادق الأمين بأن العالم لن ينتهي حتى يتم القضاء على كل اليهود إلى درجة يخونهم فيها الحجر والشجر فيخبر عن مكان اختبائهم مطالباً المسلمين بقتلهم.  (صحيح بخاري)

ـ نعم.. نحن لا نخجل بما يعلمنا إياه القرآن عن جنّات النعيم وعما فيها من مكافآت للذين يقاتلونكــم، كالحوريّات العذارى اللواتي يبقين عذارى بغض النظر عن عدد المرات التي ندخلهنّ فيها. وكالغلمان المخلدين الذين سيخدموننا ويقدمون لنا الفواكه والخمر ونحن جالسون متكئون على الأرائك السماوية. ولتموتوا في غيظكم أيها الأمريكان الكفار لأنكم لن تحصلوا على هذا النعيم بل ستُعذَّبون في نار جهنم وبئس المصير هو مصيركم. (قرآن 52 : 16 23) (قرآن 56 : 12 26)

ـ نعم.. نحن لا نخجل من الإقرار بأننا نلجأ إلى إرهاب كل من يخالفنا الرأي ونبينا محمد هو قدوتنا في ذلك حين أرسل بمن يغرز السيف في صدر امرأة كتبت بضعة أبيات شعر تنتقده فيها.        

***********

صدقاً.. هكذا كان اعتقادي!.. ولكن خاب ظني حين تابعت القراءة فوجدت الدكتور لؤي صافي يشجّع المسلمين على الاستمرار في خداع الأمريكيين حتى ولو كان ذلك على حساب تعاليم القرآن. الدكتور صافي يطلب من المسلم أن يخدعوا الأمريكيين بآية هو نفسه يعرف أنها منسوخة اي باطلة وملغية بأمر من الله وهي التي تقول: "لا إكراه في الدين.." (قرآن 2 : 256 )

**********

ما هي قصة الناسخ والمنسوخ؟

ربما يتساءل بعض القراء عن قصة النسخ هذه التي نتحدث عنها بين الفينة والأخرى، وأنا لا أستغرب تساؤلهم مسيحيين كانوا أو مسلمين. لقد سألت كثيرين من عامة المسلمين عما إذا كانوا قد سمعوا بالناسخ والمنسوخ ولم أُفاجأ حين كان جواب أغلبهم النفي. لا بل حين سألت الكثيرين منهم عن معنى كلمة "نسخ" كان الجواب يأتي فوراً بأنها تعني "القيام بعمل نسخة أو صورة مطابقة للأصل". هكذا أيضاً اعتقدت أنا نفسي حين بدأت بتعلّم القرآن. لذلك، تعال قارئي العزيز أشاطرك ما تعلمت.

يفسّر قاموس "المنجد في اللغة والأعلام" كلمة "نسخ" بما يلي: نسخ الشيء نسخاً أي أزاله وأبطله. وهكذا فحين يقول فقهاء الدين المسلمون بأن آية من الآيات في القرآن قد نُسخت، فإنهم يعنون بذلك أنها أُبطلت أي أزيلت. وفي القرآن عدد كبير من الآيات المنسوخة، أي آيات أُبطل عملها. ولكن، لإبطال عمل آية من الآيات، لا بدّ أن يكون هناك آية أخرى تحكم ببطلانها لتحلّ هي محلّها؛ هذه الآيات تسمى بالآيات الناسخة. في ذلك يقول القرآن: "ما ننسخ من آيةٍ أو نُنْسِهـا نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعلمْ أَنَّ الله علَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير!" (البقرة 106)

إذا كان الدكتور المخضرم لؤي صافي يشجّع المسلمين على استعمال آية منسوخة بطل عملها، فإنه إما خبيث مخادع وجب علينا تعريته، أو مغفل جاهل بالدين، وجب علينا تنويره. ولننظر ما يقول علماء الدين في المسلم من أمثال هذا الدكتور الذي يتحدّث في القرآن وهو على جهل في الناسخ والمنسوخ:

"روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أنه دخل يوماً مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلاً يُعرف بعبد الرحمن بن داب وكان صاحباً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقد تحلّق عليه الناس يسألونه وهو يخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر فقال له علي رضي الله عنه: أتعرف الناسخ من المنسوخ، قال: لا، قال: هلكتَ وأهلكتَ. أبو من أنت، فقال: أبى يحيى، فقال له عليّ رضي الله عنه: أنت أبو اعرفوني. وأخذ أذنه ففتلها فقال: لا تقصّ في مسجدنا بعد." (من كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم لابن سلامة)

وهنا، لا يسعنا إلا أن نشد على أذن الدكتور صافي ونفتلها فتلاً شديداً بالنيابة عن عليّ بن أبي طالب لتعذّر وجوده، ولنطلب منه أن لا يعود فيقصّ هذه الترهات لا في مسجد ولا في غير مسجد. نقول ذلك لأنه ليس هناك من فقيه مسلم إلا ويعرف بأن "لا إكراه في الدين" هو جزء من آية، منسوخٌ، أي ملغي بطل عمله، والقول به هو جهل بالقرآن وعلومه.

يقول ابن سلامة في الكتاب المذكور: "فأول ما ينبغي لمن أحب أن يتعلّم شيئاً من علم هذا الكتاب - أي القرآن العظيم الابتداء في علم الناسخ والمنسوخ اتباعاً لما جاء من أئمة السلف رضي الله عنهم أجمعين لأن كل من تكلّم في شيء من علم هذا الكتاب العزيز ولم يعلم الناسخ والمنسوخ كان ناقصاً"

وهكذا، فحتى لا يكون علمي ناقصاً، بدأتُ دراستي أول ما بدأتُ، بالاطّلاع على الناسخ والمنسوخ في القرآن، فحقّ لي بذلك أن أكون أجدر بالحديث عن القرآن من الدكتور صافي وكل من لم يطّلع على الناسخ والمنسوخ من حملة أبواق الدعاية الإسلامية.

فيما يتعلّق بالآية موضوع الحديث، يقول ابن سلامة في كتابه: "قوله تعالى: ‘لا إكراه في الدين’ جميعها محكم (أي ثابت) غير أولها نسخها الله تعالى بآية السيف."

عبارة "لا إكراه في الدين" هي جزء من آية تقول: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، ويعني الفقيه ابن سلامة بقوله أن جميعها محكم غير أولها، أي أن النسخ شمل أولها فقط وهو الذي يقول "لا إكراه في الدين"، أما آية السيف الناسخة فهي التي تقول: "فإذا لقيتم الذين كفـروا فـضـرب الرقـاب (أي اقـتـلـوهم بضرب رقابهم) حتى إذا أثخنتموهم (أي أكثرتم فيهم القتل) فشـدّوا الوثاق فإما مَـنـًّـا بَـعْـدُ وإمـّـا فِـداءً (أي ولكم أن تطلقوا سراحهم فيما بعد أو تبادلوهم بأسـرى من المسلمين أو المال) حتى تضع الحرب أوزارهـا ذلك ولو يشـاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قُـتِـلوا في سـبيل الله فلن يضلَّ أعمالهم." (سورة محمد  47  : 4)

إن المطّلع على كتاب "الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لابن سلامة" يجد بأن كل الآيات التي يتشدّق أصحاب الدعاية الإسلامية بها وهم يحاولون تعريف الغربيين على الإسلام هي آيات منسوخة أي ملغية بفعل وقوة أية السيف التي أتينا على ذكرها والتي جاءت فيما بعد حين قويت شوكة محمد وأصبح لديه من القوة ما يكفي لإظهار طموحاته بالسيطرة على العالم عن طريق القوة.

من الآيات التي نسختها آية السيف، الآية التي تقول: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" (البقرة: 191)  والآية التي تقول، "فـإن انتهوا فإن الله غفور رحيم" (البقرة 192) إذ جاءت آية السيف تبطل ما تتضمنه من العفو. كذلك أبطلت آية السيف ما جاء في الآية رقم 20 من سورة آل عمران القائلة: "وإن تولّوا فإنما عليك البلاغ." أي إذا لم ابتعدوا ولم يرغبوا بالإسلام فليس عليك يا محمد إلا البلاغ. (أنظر كتاب "الناسخ والمنسوخ" المنشور على هذا الموقع)

**********

مما قاله الدكتور المذكور، وهو يحاضر في طلائع قوات جيش الخداع الإسلامي الذي يعده للنزول إلى ساحة المعركة، نصيحة وجهها لجنود هذا الجيش باستخدام ما وصفه "بالرد المنطقي" على الذين يقتطعون نصوصاً من القرآن بعيداً عن سياقها بغاية الإساءة إلى الإسلام. وكعادة دعاة المسلمين لا يملكون حيلة في تعريف الغربيين على الإسلام إلا من خلال الطعن بالمسيحية، فقد ضرب لهؤلاء مثلاً بقوله بأن: "السيد المسيح عليه السلام له مقولة تعني ‘أنا لم أجئ لإرساء السلام ولكنني جئت بالسيف’، ولكن إذا رجع المرء إلى بداية ما قاله فسيجد أنه بدأها بقوله (طوبى لصناع السلام). ومن هنا فإن استخدامه لكلمة السيف جاء في سياق استهدف التحذير من أنه سيجيء بالسيف لمحاربة الأعمال الوحشية."

لا أعتقد أن القارئ، مسلماً كان أو مسيحياً، يمكن أن يصدّق بأن هذا الرجل يتمتع بأية مصداقية وهو يتحدث عن المسيحية بعد أن اتضح له جهله وخبثه وهو يتحدث عن أمور جوهرية وحساسة في دينه. 

أولاً، العبارة التي استعارها الدكتور الحصيف من الإنجيل هي التالية وليست بالأسلوب المقتضب الذي استعمله بخبث ظاهر. قال المسيح: "لا تظنوا أني جئت لألقي على الأرض سلاماً، لم آتِ لألقي سلاماً بل سيفاً. أتيت لأفرّق الإنسان عن أبيه والابنة عن أمها والكنّة عن حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أباً وأماً أكثر مني فلن يستحقني. ومن أحب ابناً أو بنتاً أكثر مني فلن يستحقني. ومن لا يحمل صليبه ويتبعني فلن يستحقني. (متى الفصل العاشر عدد 34 38)

ثانياً، تظاهر الخبيث بأنه يستعير من الإنجيل عبارة ليبيّن خطأ الناس حين يستشهدون بعبارات غير كاملة من القرآن بقصد الإساءة إليه، ولكنه وتحت هذا الستار قصد بخبث ما بعده خبث الإساءة إلى المسيحية وهو يفعل بالضبط ما يعظ بعدم جواز فعله، لا بل طلع أيضاً بتفسير من عنده لعبارة المسيح هذه بقوله بأن، استخدام المسيح لكلمة السيف جاء في سياق استهدف التحذير من أنه سيجيء بالسيف لمحاربة الأعمال الوحشية."

عندما يحاول القزم أن يبصق على وجه العملاق فإن بصاقه لا بدّ يرجع إليه فيغطي وجهه. هذا هو حال الدكتور السفيه لؤي صافي وهو يحاول أن يجد في الإنجيل ما عجز العالم كله من قبله عن العثور عليه.

ربما يتساءل معي القارئ قائلاً: من أين أتى هذا الأبله بهذا التفسير وأي سياق اخترعته مخيلته الهزيلة؟.. أتراه قال ما قال عن بلهٍ أم عن خبث؟.. وعلى هذا أجيب بأنه قال ما قال عن بله وخبث معاً، فالخبث ليس ذكاء بل سلاحاً في يد البلهاء الغارقين في بلههم يدفعهم لأن يفعلوا ويقولوا أي شيء لتعزية نفوسهم العاجزة عن الخروج من تعاسة الجهل التي يعيشون فيها.   

المسيح لم يأتِ بالسيف ولم يبشّر بحمل سيف. والمسيح لم يقل بأنه سيجيء وهو يحمل سيفاً لمحاربة الأعمال الوحشية، وهذه ليست إلا قصة شبيهة بقصص أبي زيد الهلالي التي تزخر بأمثالها الكتب الإسلامية والتي تتحدث عن المجيء الثاني للمسيح ومحاربته لقوى الشر بسيفه. 

ما عناه المسيح بهذه العبارة واضح كل الوضوح فيما جاء بعدها من كلمات. الابن سيترك أباه من أجل اسمه وكذلك ستفعل الابنة والأم والأب والكنة والحماة. وكما يفصل السيف الإنسان عن رأسه أو روحه فهكذا سيؤدي إيمان الناس بالمسيح إلى انفصالهم عن أحبائهم من أجله، ولسوف يؤدي ذلك إلى عداوة بينهم وبين أقرب المقربين إليهم. لذلك قال أيضاً، يصبح أعداء الإنسان أهل بيته.  

حين استلّ بطرس الرسول سيفه وضرب خادم رئيس الكهنة فقطع أذنه، أخذ المسيح الأذن من الأرض وأعادها إلى مكانها على رأس الخادم ثم قال لبطرس: "اردد سيفك إلى غمده لأن كل من أخذ بالسيف بالسيف يهلك." (متى 26 : 52 ) فهل يمكن لإنسان أن يصدّق أن المسيح الذي ينهى عن استعمال السيف سيعود فيحمل هو سيفاً يحارب به.

حين قال المسيح لأتباعه: "من لا يحمل صليبه ويتبعني فلن يستحقني"، فقد عنى أن على المسيحيين أن يتحملوا العذاب من أجل اسمه لا أن يعذبوا هم الآخرين من أجل اسم الله كما يعلم القرآن: "قاتلوهم ، يعذّبهـم الله بأيديكم ويُخْـزِهم وينصركم عليهم ويشـفِ صدورَ قومٍ مؤمنين."(القرآن 9 : 14 )

كلمة صغيرة نقولها لمدّعي العقل هذا: في الإنجيل ليس هناك ناسخ ولا منسوخ، فبراءة اختراع الناسخ والمنسوخ هي للقرآن وحده لا ينازعه فيها أحد.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط