هشام محمد / Sep 10, 2004

ـ 1 ـ

قبل حوالي شهر استضاف الإعلامي المصري محمود سعد في برنامج "الحدث" عبر قناة MBC محمد بكر يونس زوج المذيعة السعودية رانيا الباز. للذين لم يسمعوا بالقصة.. نقول لهم أن زوج المذيعة الهمام استشاط غضباً كعادة كل رجل سعودي ينضح بالذكورة (لا تعرف الأسباب على وجه التحديد) وانهال على المسكينة بالضرب والركل والصفع حتى سالت دماؤها بغزارة وسقطت مغشياً عليها. حمل الرجل زوجته المضرجة بالدم في سيارته، ليلقي بها بالقرب من أحد بوابات مستشفيات جده، قبل أن يلوذ بالفرار. المهم أن الزوجة لحسن حظها لم تمت رغم وحشية الاعتداء عليها، وخضعت لعمليات تجميلية حتى استعادت جزءاً كبيراً من عافيتها. أما زوجها فقد سلم نفسه للسلطات السعودية وأودع السجن. عندما تداولت وسائل الإعلام وخاصة المكتوبة حكاية رانيا الباز استقبلها الناس ما بين غاضب وشامت وما بين مصدق ومكذب. أحد الأصدقاء وصف المسألة لي بأنها لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان، خاصة أنه لا يثق بما يحمله الإعلام الرسمي. لم أعلق كثيراً فأنا أعرف أن سر امتعاضه يعود أصلاً إلى أمرين: أولها إنّ الضحية امرأة لا تستحق هذه الضجة، والمرأة هي أصل الخطيئة، ومصدر شقاء بني البشر. وثانيها أنها مذيعة سعودية كسرت المألوف بظهورها عبر الشاشة الفضية بوجه سافر في مجتمع يعد كشف الوجه تطاولاً على الدين واعتداءً سافراً على الثوابت والمسلمات.

ـ 2 ـ

كان من المفترض أن يمكث الرجل في حبسه لفترة أطول لولا أن الزوجة بكل سذاجة تنازلت عن حقها الخاص لتفوت على نفسها وعلى بني جنسها فرصة تاريخية للانتقام لكرامتهن المهدرة وحقوقهن المسلوبة. خرج البطل الهمام من سجنه ليتلقفه محمود سعد في برنامجه ليحكي لنا نصف الحقيقة الغائب. المفاجأة غير الجميلة أن الزوج جاء للبرنامج بكرت يخبئه في جيبه وهو يعلم جيداً أنه بواسطته يستطيع لو لعب به أن يخرس كل الانتقادات، ويجتذب إليه القلوب والعقول المسكونة بالخرافة والسحر. ظلت يده في حركة مكشوفة تعبث بكر حبات السبحة (إحدى أدوات النصب الدينية التقليدية)، وظل طيلة اللقاء ينثر بهار آيات قرآنية وأحاديث نبوية تماماً كما يفعل رجل الكهف بن لادن ومجرمو الجماعات الإرهابية المتأسلمة. وحتى عندما ذكره المذيع بمبادئ حقوق الإنسان كان رده أنّ كافة الحقوق البشرية قد ضمنها الإسلام وصانها قبل أكثر من أربعة عشر قرناً!

ـ 3 ـ

وبما أن الدين هو البضاعة الرائجة في مجتمعات خاملة ومتخلفة فقد نجح الرجل على ما يبدو في كسب تعاطف الناس على الأقل من خلال ردود أفعال أربعة أشخاص تحدثوا لي من الغد، منهم للأسف امرأتان! المسألة هنا ليست من الصادق ومن الكاذب، ولكنها تكشف عن استعداد فطري للناس في مجتمعات ذكورية مثل السعودية على الانتصار للرجل والوقوف معه ضد المرأة. احدى النساء قالت لا يمكن أن أصدق أنه ضربها بوحشية.. لماذا؟ لإنه كان يستشهد بآيات من القرآن وأحاديث من السنة الشريفة! وددت أن أذكرها بأن الكثير من تلك النصوص تحرض على العنف ضد المرأة وتضعها في منزلة أقل بكثير من الرجل في بعض منها ولكني آثرت السكوت والسلامة. وماذا عسانا أن نفعل إذا كانت نساؤنا يستمرئن العبودية لبعولتهن حتى يأمنَّ جانب الملائكة ولعناتهم والتي يبدو أن تلك الكائنات السماوية المجنحة تعاني هي الأخرى من نفس العقد لدى الرجل الشرقي.

ـ 4 ـ

قضية المرأة المسلمة عامة وفي السعودية على وجه التحديد من أشد القضايا تعقيداً، خاصة وأن صاحبة القضية شبه غائبة أو مغيبة. ولكن من أقصى المرأة، وسرق صوتها، وأضاع حقوقها؟ أليس الإسلام يتحمل جزءاً لا يستهان به في صناعة المأساة؟ إني كرجل أشعر بقرف شديد عندما أرى المرأة عندنا تعامل كمواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، فصوتها حرام.. ووجها حرام.. ومخالطتها للرجال حرام.. وقيادتها للسيارة حرام.. وزينتها حرام..  وأشعر بمزيد من القرف عندما يمارس سدنة الدين وضحايا الأصولية كذبهم مع أنفسهم وغيرهم بالحديث الممجوج بأن الإسلام قد اقتص للمرأة و كرمها وأعاد لها الاحترام مقارنة بما كانت عليه أيام الجاهلية! أكاد أجزم أن حظها في جاهليتها كان أوفر مما هي عليه الآن. فوضع المرأة كان من المؤكد أن يتطور مع تقدم المجتمع ما قبل الإسلام، ولكنها الآن أسيرة نصوص مقدسة لا قدرة لها على التمرد عليها ولا الفكاك منها. فهل نسمي هذا السواد الذي يحتويها تكريماً؟ هل نسمي حبسها ما بين أربعة جدران تكريماً؟ هل نسمي حرمانها من قيادة سيارة أو السفر بلا محرم تكريماً؟ هل نسمي منعها من دراسة بعض التخصصات وشغل عدد من الوظائف ومن مزاولة العمل الحر بلا وكيل تكريماً؟

ـ 5 ـ

لهؤلاء اللذين ينافقون ويخادعون ويتظاهرون بأن الإسلام قد أعلى شأن المرأة وأعاد لها حقوقها المسلوبة (ربما يقصدون نصف الإرث).. أقول لهم ماذا نفعل بركام من الآيات والأحاديث والتفاسير الفقهية المقدسة التي تظهر لنا وجهاً آخرَ غير ما تعودنا سماعه من نصوص أخرى ترجعون لها عندما تدافعون عن الإسلام ضد الآخرين وتتظاهرون بالتسامح وسبق الأمم كلها؟ هل مازلنا تشعر بحيوية تلك الآية الجميلة "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (التوبة/71)؟ وهل تمتلئ أرواحنا بنسائم ذلك الحديث الرائع "النساء شقائق الرجال"؟ تلك وغيرها تستعاد فقط عندما يساجلون الآخرين لإثبات أسبقيتهم عليهم. أما عندما يعودون لطبيعتهم ولبيوتهم فلن يبقى سوى تلك الأحاديث التحقيرية مثل "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" و"المرأة ناقصة عقل ودين".

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط