جون نبيل / Apr 02, 2009

من المتوقع أن يقوم قداسة البابا بندكتس السادس عشر بزيارة إلى الأراضي المقدّسة (إسرائيل والسلطة الفلسطينية) في أيار/ مايو القادم، وأحد المواقع التي سيزورها قداسته هو كنيسة البشارة في الناصرة، والتي تعتبر الانطلاقة الأولى للمسيحيّة، فمن هناك قبلت العذراء بشارة الملاك وتمّ سرّ التجسد.

وما يهمني في هذا الصدد كيف يستعد مسلمو الأراضي المقدسة، لاسيما في مدينة البشارة الناصرة، لاستقبال قداسته.

لقد شاءت الظروف أن أكون في الناصرة قبل يومين فتوجهّت إلى كنيسة البشارة رغبة مني في زيارة المكان خاصة مع اقتراب عيد الفصح، وعندما وصلت إلى موقع الكنيسة كان حول الكنيسة لافتات ضخمة باللغة العربية مترجمة إلى الانجليزية معلقة في واجه الشارع الرئيسي المفضي إلى الكنيسة، هذه اللافتات عُلق قسم منها في الساحات الخاصة لبلدية الناصرة، وقسم آخر على جدار مبنى كبير لا أعرف من صاحبه. في اللافتة الأولى كان مكتوب آية من آيات العنصرية "يا أهل الكتاب لا تغالوا في دينكم.." وفي اللافتة الثانية وُضعت آية "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد"، وعلى اللافتة الثالثة كتب ما يلي: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عثارا مهينا، ولتثكلنا أمهاتنا إن لم ننصر رسول الله".

وهنا وجدت نفسي أتساءل، ألم يجد المسلمون مكانا آخر ليبثوا فيه كراهيتهم وتعاليهم المقيتة؟

أهي الصدفة وحدها التي دفعت مسلمي الناصرة إلى نشر شرورهم بمحاذاة الكنيسة؟

أصدفة أن توضَعَ آيات وعبارات مقززة كمثل هذه في مثل هذا الوقت بالذات؟

ساذج من يعتقد أنها الصدفة، وغبي من يرى بتلك النصوص نوعاً من "التسامح الديني" الذي يتشدق به حفنة من العنصريين بقولهم: "تعالوا وانظروا إلى المسيحيين والمسلمين كيف يعيشون جنبا إلى جنب" ويرفعون آيات القرآن بجانب الكنائس؛ وسفيه من علّق تلك اللافتات، وإنّه لأمر مخزي ومعيب على دولة إسرائيل وبلدية الناصرة أن تسمح بإبقاء هذه اللافتات.

تعاليم كريهة من اله شرير ونبي متجرد من الأخلاق، هي التي دفعت بمهووسين لتعليق كل تلك القمامة بجانب مكان مقدّس يستعد لاستقبال قداسته.

ولنفترض أن المسلمين في إسرائيل أخذوا موقفا معاديّا من بابا الفاتيكان عقب ما صرّحه قبل عامين، تلك الموجة التي أهاجت حفيظتهم آنذاك، وهنا لا أريد تعليل أو تبرير أو توضيح ما صرّح به البابا، فقد علل هو، وبرّر ووضّح، والذي أراد الفهم قد فهم.

ومشكلتي مع أولئك الذين لا يفهمون، عميان البصيرة الذين انحسر فكرهم في دجل ظنّوه دينا، ولنبدأ بالقول أن البابا لا ينتظر منهم أن يحملوا له ورودا ولا يسألهم أن يأتوا إلى المطار لاستقباله ولا أن يذهبوا للمطار لتوديعه، كل ما هناك أنه آت برحلة حجّ إلى بلاد المسيح سيّد السّلام ليلتقي مع رعاياه المسيحيين في قدّاس يدعو إلى المحبّة والسّلام.

 ومن المفروض على المسلمين في البلاد احترام قداسته إن لم يكن لشخصه أو مكانته الدينية فعلى الأقل احتراما لجيرانهم المسيحيين الذين يعيشون في نفس المدينة.

وأريد أن أفترض مجيء شيخ له تلك الأهمية بالنسبة للمسلمين لزيارة رعيته، فهل يرتضي المسلمون على أنفسهم أن تعلّق لافتات تلعن وتشتم وتكفّر؟

هذه اللافتات عمل همجي استفزازي مقزز، وهو إن دلّ على شيء يدلّ على حقارة الذين شاركوا في تعليقها.

والسؤال الكبير الذي قد يسأله كل سائل، أين دولة إسرائيل إزاء ما يحدث؟ أين بلدية الناصرة؟ أين أعضاء الكنيست العرب؟ أين أولئك الذين يتشدّقون بالوطنيّة ووحدة الصف؟

لم أسمع تعليقا واحدا على ما يجري، لم أر معارضا واحدا من المسلمين على إيذاء مشاعر أولاد وطنهم المسيحيين.

أيكون بعد هذا وحدة صف؟ أيّ وطن هذا الذي ينتهك مشاعر أبنائه؟ أي إخوّة هي هذه التي تسمح أن يُساء إلينا كمسيحيين بهذا الشكل؟

أصحاب المحلات التجاريّة حول كنيسة البشارة ومعظمهم من المسلمين سيربحون أمولا جيّدة خلال زيارة البابا إلى النّاصرة، أتكون المعادلة بهذا الشكل؟ نحن كمسيحيين ندفع المال لنُقابل بهذا الشكل؟ أندفع المال لتُشترى اللافتات وتُعلّق كي تهين معتقداتنا وكرامتنا؟

لماذا لا يراجع المسلمون حساباتهم جيّدا؟ ومعظم مؤسسات الناصرة وهي مسيحيّة لم ترفض يوما أن تقدّم الخدمة للمسلمين؟ أنسي المسلمون مستشفى "العائلة المقدّسة" ومستشفى "الانجليزي" ومدراس "المطران" و"السليزيان" و"راهبات مار يوسف" و"الامريكان" ودير المسنين الذي تديره الراهبات وغيرهم الكثير الكثير من المؤسسات الإنسانيّة التي تخدم الناصرة وضواحيها، أقول النّاصرة وضواحيها دون تمييز بين مسيحي أو مسلم.

وهنا تحضرني إحدى الترانيم الّتي تُرنّم في فترة أسبوع الآلام والتي تقول في إحدى مقطوعاتها:

"ألا تذكرون الجميل؟             ألا تذكرون وفائي؟

كم عليل كم مريض               أشفــــاه اعتنائـــي"    

هذه اللافتات يجب أن تُزال فورا، احتراما للسكّان المسيحيين أبناء هذه البلاد، واحتراما للمسيحيين الحُجّاج الذين سيأتون برفقة البابا في حجّه، واحتراما لموقف المسيحيين في إسرائيل والعالم المسيحي من أحداث غزة الأخيرة.

===============

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط