حسين ديبان / Sep 15, 2008

عاد صديقي المسلم من صلاة التراويح في أحد المساجد متثاقل الخطى، بطيء الحركة، ويبدو عليه بأنه يجر أذيال كل خيبات العرب والمسلمين، منذ بدء تلك الدعوة التي ذهب يصلي التراويح من أجلها، ومرورا بكل النكبات والخيبات التي أصابتنا من وراء تلك الدعوة ولغاية اليوم، حيث أصبحنا جميعا في خانة الارهابيين والقتلة المشبوهين على الاسم والهوية..الجميع بمن فيهم كثيرٌ من هؤلاء الذين لا يؤمنون بإله يدعو الى القتل ولا برسول اعتاش على مال الحريم في بداية حياته، وعلى الغزو والنهب والسلب بعد القتل والنحر والسبي في بقية حياته..كما لا يؤمنون بكتاب تفوح من بين كلماته وسطوره رائحة الدم المدجج بالدسيسة والمكر والخديعة، والدعوة العلنية للقتل الذي يقف العالم عاجزا ازاءها فقط لأنها ارتدت ثوبا يرتديه الآن ملايين البشر، ورائحة الجنس المدنس تارة مع زوجة الابن وتارة أخرى مع "جارية" في فراش "حرة" وتارات غيرها غيبها التاريخ أو ألبسها ثياب القداسة، كما ان الكثير من هؤلاء الذين ابتُلوا بالشبهات ليس لديهم أي اعتبار لقدر ذاك الاله، وهو بكل الاحوال قدرٌ أسود قاتم ظالم شرير، وكل ما ذكر عن خير قدره تجلى أسوء تجلي فيما أوصلتنا اليه تلك الدعوة في هذه الايام.

المهم سألت صديقي مابك؟ وهل أنت على ما يرام؟ فأجابني بوجه بدت عليه علامات التعب والحسرة معا بأنه صلى اليوم عشرين ركعة "ركعة تنطح ركعة" وهو السبب في في التعب الظاهر عليه، قلت له: قد عرفت سبب تعبك، ولكن ما سبب الشعور بالحسرة يا صديقي قال: عندما انتهينا من اداء الصلاة طلب الامام بان يتبرع احد المصلين بثلاثين الف دولار لاعمال الترميم والتوسعة في المسجد، ومن يشارك في التبرع سيحصل على بيت في الجنة، وأنا لم يكن بحوزتي ذلك المبلغ وبالاحرى ليس لدي حتى ألف دولار من المبلغ الذي طلبه الامام وبالتالي فاني فقدت منزلا جاهزا في الجنة..!

هكذا وبكل بساطة، بيت في الجنة بثلاثين ألف دولار، ولأن الوضع في تلك الجنة لا يختلف أبدا عن الوضع على هذه الارض، ولأن لا أحد من المصلين قادر على دفع مبلغ كبير كهذا، فان الامر بدأ يخضع للمساومة والتخفيض كما يقول صديقي الفقير، فنزل المبلغ من ثلاثين ألفا الى عشرين فعشرة آلاف، حينها رفع أحد الحاضرين يده مبديا استعداده لدفع عشرة آلاف دولار.

لم ينتهِ الموقف هنا، فالامام بحاجة لثلاثين ألفا، وقد حصل على عشرة وبقي أن يحصل على العشرين ألفا المتبقية ليكتمل المبلغ، فبدأ يسأل الحاضرين كم تدفعوا لكي تحصلوا على بيت في هذه الأرض؟ وهو نفسه يجيب: أنا أعلم انكم تدفعون مئات الالاف من الدولارات وبعضكم يدفع أكثر من مليون دولار ليحصل على بيت هنا على الارض، أما أنا أعرض عليكم بيتا في الجنة ببضعة آلاف من الدولارات، وانتم تعلمون ما الفرق بين بيت هنا على الارض وبيت هناك في الجنة حيث أنهار الخمر والعسل واللبن والحوريات والغلمان الى أخر المغريات التي يسيل لها لعاب العربان.

جنات تجري من تحتها الأنهار 

صاح الامام من يتبرع بخمسة آلاف، فلم يرفع يده أحد، فجعلها أربع ولا أحد يستجيب، وحين طالب بثلاثة آلاف دولار استجاب له أربعة أشخاص، ودفع له كل واحد منهم ثلاثة آلاف دولار، ثم صاح من يدفع ألفين فاستجاب له أربعة آخرون ودفع كل واحد منهم ألفين، وهكذا اكتمل المبلغ، وأغلب الدفع تم بواسطة الشيكات. بالطبع لم يدقق الامام مع المتبرعين بمصدر الأموال هل هي حلال أم حرام؟ وهل يستفيد أصحابها من نظام الفائدة "الربوي" بالمفهوم الشرعي، كان كل همه هو العنب المالي، وليكن الناطور كائنا من كان فلا يهم.

بصراحة أنا شخصيا لم أكن أعلم قبل اليوم بأنه يجب علي أن أدفع وبالدولار الأمريكي لكي أحصل على مأوى يأويني في تلك الجنة - هذا طبعا ان كنت من عباده الصالحين وأنا والحمد لله لست كذلك - فلا أحب اللبن ولا العسل ولا المسكرات، أما بالنسبة الى الحوريات فلا قبل لي بهن، فأنا بالكاد أقوم بواجبي الزوجي في هذا الخصوص.

ولأن عباده الصالحين عليهم أن يدفعوا فقد حقَ لهم أن يسألوا ما نوع البيت الذي سيحصلون عليه؟ وكم غرفة نوم وحمام يحتوي؟ وهل هو في المركز أم في الأطراف؟ أم في العشوائيات وخارج التنظيم؟ أي بلا خدمات كالماء والكهرباء وشبكة الصرف الصحي، والأهم من ذلك كله يجب أن يعرفوا ما هي المقاييس التي تحدد مستوى رُقي المنطقة في الجنة صعودا وهبوطا.

بالتأكيد أن المنطقة التي سيسكن بها رسول الاسلام ستكون من أغلى المناطق سعرا وأرقاها وضعا بمقاييس جنة الاسلام وروادها، وليس بمقاييس أهل الأرض، خاصة اذا ما استمر التعامل بالعادات البدوية البدائية التي كانت سائدة ما قبل الاسلام، وأصبحت مقدسة مع قدوم الاسلام، وأجزم ان المنطقة تلك قد تم حجزها بالكامل مسبقا منذ الآن بواسطة المليارديرات الذين يتبرعون بملايين الدولارات المنهوبة أصلا من عرق الفقراء!

المنطقة الثانية في مستوى الرقي، وبالتالي في ارتفاع أسعار العقارات فيها ستكون المنطقة التي يسكن بها أحد الخلفاء "الراشدين"، ومن ثم منطقة العشرة المبشرين بالجنة بالرغم من انقسامهم فيما بينهم - أراهن بانهم بعد أن يعلموا حال الجنة التي كانوا يبشرون بها سيتحولوا في الليلة الاولى الى مبشرين بالسويد او الدنمارك او اي دولة اخرى من الدول التي تحترم الانسان وحقوقه وتحاول ان تمنحه جنة حقيقية وليست مزيفة كتلك التي يحلم بها أبناء الأمة الاسلامية - وهكذا ستتوالى أهمية المناطق ومستوى رقيها نزولا، حتى نصل الى أحياء متوسطة يكون من بين سكانها شخص عاصر النبي وكان يقيم في الهند مثلا، وهو ما يضيف لهذه المنطقة بعض الاهمية، من ثم سنجد المساكن الشعبية التي لن يحصل عليها احد الا اذا كان يعرف أحد أصحاب محمد أو خليفة أو وزيرا أو حاجبا لدى الخليفة، وأخيرا سنجد بالتأكيد مناطق العشوائيات الخارجة عن التنظيم والتي تفتقد للخدمات، وهي ستكون ملاذ الفقراء من أمثال صاحبي الذي لم يكن يملك ما يتبرع به، وقد تكون نهايته والآخرين في هذه العشوائيات مثلها مثل نهاية مئات الناس الفقراء الغلابة في عشوائية "دويقة" في قاهرة المعز!

ولأن من دفع عشرة آلاف ليس كمن دفع ثلاثة ومن دفع ثلاثة ليس كمن دفع اثنين فسيكون في الجنة مالكي وأبو رمانة ومنصور وغاردن سيتي وعبدون والزمالك وأفران، وسيكون هناك سماسرة ومقاولون جلهم من صحابة الرسول، يتحكمون بسوق العقارات و "الشقق المفروشة" في الجنة كما يشاؤون، ولا أعلم شيئا عن النظام الضريبي ونظام الترخيص العقاري وأنصح من يريد معرفة ذلك أن يستشير العلامة البروفيسور زغلول النجار الذي راح يفصل الناس والعلم والاديان على مقاس عقل رسوله ودشداشته وربما قضيبه أيضا!

خطر على بالي كل هذا عندما قال لي صديقي ما قال، وقد ذكرت له ما خطر على بالي، وقبل أن أنتهي من كلامي تنهد وقال لي: يا حسون شايف الجنة رايح ينطبق عليها المثل القائل "تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي" وما الفائدة من كل عباداتي اذا كنت سأعود الى ذات البيت الذي أعيش فيه الأن وذات المستوى البائس الذي أنا عليه الأن، وزغلول أعلم! مش كده يا زغللة ولا ايه؟

حسين ديبان hdiban69@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط