بسام درويش / Sep 18, 2006

أثارت محاضرة ألقاها البابا بندكت السادس عشر في جامعة ألمانية غضبة المحمديين في كل أنحاء العالم.

عبّر زعماء الدول الإسلامية الحكوميون والدينيون عن غضبهم وطالبوا البابا بالاعتذار، ثم نزل غضبهم إلى الشارع الإسلامي الذي ربما لم يسمع ـ وإن سمع فلم يفهم ـ كلمة من كلمات البابا، ليتحول هذا الغضب الجماهيري بعد ذلك إلى مظاهرات عنيفة واعتداءات على كنائس وعلى مسيحيين في أماكن مختلفة من العالم.

محور محاضرة البابا كان عن علاقة العقل مع فكرة الله ـ او الإله أياً كان ـ وعن ضرورة تحكيم العقل عوضاً عن اللجوء إلى العنف الذي يمارسه البعض باسم الإيمان، متطرقاً إلى مفهوم الجهاد في الدين الإسلامي، وداعياً القادة المسلمين إلى إدانته.

************

لندع جانباً الشارع الإسلامي المعروف بغوغائيته وسرعة هيجانه.

لندع جانباً هؤلاء الغوغائيين الذين خرجوا في مظاهرات كالأثوار الهائجة، وكعادتهم، لا يعرفون سبباً لخروجهم إلا هذه البيارق الحمراء التي تقودهم فتنطلق بهم يمنة ويساراً.

لندعهم جانباً ولنتحدث عن الزعماء السياسيين والمسؤولين الدينيين الذين كانوا أول المسارعين إلى إعلان غضبهم، فكانوا السبب في تحريك الغوغائيين في شوارع العالم الإسلامي.

ترى ما الذي أغضب هؤلاء في محاضرة البابا؟..

إذا كان ما أساءهم هو اقتراحه بأنه على المسلمين إدانة العنف الذي يُمارس لنشر الإيمان أو للدفاع عنه، فإن هذا لأمرٌ مؤسف جداً، لأنهم يؤكّدون بذلك أنّ هذا المبدأ نزعة متأصّلة فيهم وفي التعاليم التي يدافعون عنها. 

أما إذا كان ما أساءهم هو اقتراحه عليهم استخدام العقل وتحكيمه للوصول إلى الحقيقة، فإن ذلك لَعمري أسوأ وأخطر من أي أمر آخر، فهم بذلك يؤكّدون بأنهم إما يخشون استعمال العقل لأنهم يدركون بأنه سيوصلهم إلى الحقيقة وهم أجبن من أن يواجهوها، أو أن الإسلام قد نجح فعلاً في إرهاب عقولهم فعطّل أعظم جزء منها، وهو الجزء الذي يحفز الإنسان على التساؤل والحوار.    

كيف يمكن أن يرى إنسانٌ في دعوةِ إنسان آخر له إلى إعمال العقلِ شتيمةً؟..

عندما نطلب من احد استخدام عقله فهذا يكون دليل احترام، لأنه يكون اعترافاً منا بوجود العقل لديه، وثقة منا بأن لديه القدرة على الحوار والرد والتساؤل.

إنه من غير المعقول أن نطلب من ثور استخدام عقله!

استشهد البابا في محاضرته بجزءٍ من حوارٍ دار في القرنِ الرابع عشر بين الامبراطور البيزنطي ومفكّر فارسي قال فيه الأول للثاني، "أرني ما جاء به محمد من شيء جديد ولن تجد آنذاك إلا اشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر دينه بقوة السيف".  

يقول شيخ الأزهر أن تصريحات البابا "تنم عن جهل واضحٍ بالإسلام" وأن هذه التصريحات لا تسهم في تعزيز الحوار بين اديان العالم وحضاراته وثقافاته!

هل البابا جاهل حقا بالإسلام؟.. هل يمكن للشيخ الطنطاوي أن يقول للبابا: يا قداسة البابا أنت حقا على جهل واضح بتعاليم الإسلام وأنه ليس هناك في القرآن آية تقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق [أي الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.. حسب تفسير الجلالين] من الذين أوتوا الكتاب [أي المسيحيين واليهود حسب المصدر نفسه] حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." [أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام. حسب المصدر نفسه] (التوبة 9 : 29)؟؟

 

أو هل يمكن أن يقول له على الأقل: يا قداسة البابا، هذه الآية التي تقلق راحتك وتجعلك ترى الإسلام دينا عدوانيا، لا تعكس إلا فترة زمنية رافقت تأسيس الإسلام، ونحن نعمل على إعادة تفسيرها وما شابهها من آيات لأجيالنا الجديدة "كي نساهم في تعزيز الحوار بين اديان العالم وحضاراته وثقافاته"!!!

 

أي حوارٍ بين أديانٍ وحضاراتٍ وثقافاتٍ يتحدث عنه الطنطاوي وهو الذي تراجع مؤخراً عن تصديقه لوثيقة الحقوق الدينية التي وضعت نصوصها أهم الأسس للحوار وللتعايش بين الأمم؟! (أنظر مقالتنا بعنوان: الأزهر ينسخ وثيقة الحقوق الدينية)

*************

 

المسلمون يرون في أيّ انتقاد للإسلام شتيمة لهم على الرغم من أن الإسلام هو بحد ذاته شتيمة قائمة دائمة لكرامة وحق كل إنسان على وجه هذه الأرض.

كيف لا يكون الإسلام شتيمة لليهود وهو يسميهم بأبناء القردة والخنازير؟

كيف لا يكون شتيمة للمسيحيين واليهود وهو يعلّم على قتالهم حتى يؤمنوا بتعاليمه أو يقبلوا بالعيش تحت حكمه شريطة أن يدفعوا ضريبة حياتهم معترفين بذلّهم؟

كيف لا يكون الإسلام شتيمة لأتباع كل الديانات وهو ينص على قتال أي إنسان لا يؤمن به، لا بل وعلى قتل كل من يختار التحرر من ربقة تعاليمه: "فإن تولَّوا [أي أعرَضوا وتراجعوا] فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً." (سورة النساء 4 : 89) " من غير دينه فاضربوا عنقه" (حديث، موطأ مالك)*

 

الإسلام شتيمة لأتباعه قبل أن يكون شتيمة للذين لا يؤمنون به. إنه شتيمة للإنسان المسلم إذ يسلخ عنه كرامته وحريته ويجعل محور حياته الموتَ من أجل حورياتٍ وغلمانٍ وأنهار خمر ولبنٍ وعسل.  إنه شتيمة لكرامة الأنثى المسلمة إذ يجعلها رجساً يبطل الصلاة ويعتبرها مخلوقاً أدنى من الرجل ذات عقل ناقص ولا يرى فيها إلا أرض فلاحة جنسية ومجرد لعبة لتسلية الرجل.**

الإسلام شتيمة لنفسه إذ يعلَم بأن المال والبنين هم زينة الحياة الدنيا ويتجاهل أعظم زينة يمكن للإنسان ان يفتخر بها وهي العقل! (سورة الكهف 46)

 

إنّ ما يشهده العالم المتحضر من إرهاب الإسلام بما في ذلك إرهاب المسلمين للمسلمين، ليس إلا انعكاساً لهذه التعاليم التي جاء بها أعظم إرهابي أنجبته أمٌّ. وما ردة فعل المسلمين اليوم على محاضرة البابا إلا دليلاً على الهمجية التي زرعها ونماها الإسلام في قلوبهم.

ترى لماذا المسلمون وحدهم بين أمم العالم يخرجون إلى الشوارع كالأثوار الهائجة يحطمون كل ما يعترض طريقهم ـ بكل معنى الكلمة ـ كل مرة يتعرض فيها أحد لدينهم بكلمة؟..

كم هو ضعيف هذا الدين الذي يحتاج إلى أثوار هائجة لتحميه؟..

المسيحيون يتعرضون لشتائم المسلمين على مدار الساعة، ليس في البلاد الإسلامية فقط بل في ديار المسيحيين أنفسهم، لكننا لا نراهم يخرجون إلى الشوارع ويحرقون المساجد ويدمرون المباني ويهاجمون السفارات ويمعس بعضهم البعض الاخر تحت الأقدام!!

إنه منطق حوارٍ خاصٍ بالمسلمين وحدهم أرسى محمد قواعده لهم.

************

حاشية

(*)

‏قال‏ محمد: ‏من غير دينه فاضربوا عنقه ‏(موطأ مالك)

‏‏قال محمد:‏ ‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث بكفر بعد إيمان أو بزنى بعد ‏ ‏إحصان‏ ‏أو يقتل نفسا بغير نفس فيقتل (سنن الدارمي)‏

قال محمد: ‏‏لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا أحد ثلاثة نفر النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة (سنن الدارمي) 

‏‏قال محمد: ‏من ‏جحد ‏آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن ‏محمدا ‏عبده ورسوله فلا سبيل لأحد عليه إلا أن يصيب ‏حدا ‏ ‏فيقام عليه (سنن ابن ماجه)‏

‏قال محمد: ‏أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل. (سنن ابن ماجه)

كل من كان يدِين بدين فله حكم أَهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مجيء الإسلام أَو بعده، إلا أَن يكون مسلما من أَهل ديننا اِنتقل إِلى ملة غيرها، فإِنه لا يُقَرّ على ما دان به فانتقل إِليه، ولكن يُقْتَـل لرِدَّتِه عن الإِسلام ومفارقته دين الحقّ، إلا أَنْ يَرْجِع قبل القتل إِلى الدِّين الحقّ (تفسير الطبري لآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.."

‏عن ‏أبي موسى ‏أن رجلا أسلم ثم تهود فأتى ‏‏معاذ بن جبل ‏‏وهو عند ‏‏أبي موسى‏ ‏فقال ما لهذا قال أسلم ثم تهود قال ‏لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله‏ ‏صلى الله عليه وسلم. ‏(صحيح البخاري)

(**)

قال عمر بن الخطاب لزوجته: "يا عدوة الله، وفيما أنتِ وهذا، ومتى كنتِ تدخلين بيني وبين المسلمين. إنما أنتِ لعبة يُلعَبُ بكِ ثمَّ تُتْرَكين.." (من كتاب، تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة)

قال محمد: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلنا بلى، قال فذلك من نقصان عقلها. (بخاري)

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم [وقوفاً وقعوداً وإدباراً واستقبالاً] وقدِّموا لأنفسكم واتَّقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشِّر المؤمنين. (آية 223 من سورة 2 البقرة)

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط